المرجعية لن تخرج عن صمتها... وعبدالمهدي «ينسحب»

العراق يُسقط محمد علاوي والبدائل... قليلة

1 يناير 1970 05:54 م

سقط محمد علاوي ولم ينجح في تشكيل حكومة تحظى بدعم الغالبية المطلقة المطلوبة في مجلس النواب، الذي اجتمع 108 من أعضائه ولم يكتمل نصابه بحضور 165 نائباً من أصل 329... وسقوطه لم يكن سببه مجلس النواب بقدر ما ارتبط بأدائه في تشكيل الحكومة وتواصله المتعالي مع السنة والأكراد وأطراف عدة من الشيعة.
واعتمد علاوي على دعم السيد مقتدى الصدر الذي اقترحه مباشرة بعد اغتيال الطائرات المسيرة الأميركية اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما. فعندما قبلت الفصائل المقاومة قيادة الصدر للشارع وللفصائل في المرحلة الأولى، قبلت أيضاً اختياره علاوي مرشحاً لتشكيل الحكومة.
واعتمد هذا القبول على معيار آخر، فقد كان الشارع العراقي في انتفاضة قصوى على نظام المحاصصة، والأحزاب والوضع المعيشي السيئ وقلة الخدمات الأساسية ومستلزمات العيش الرغيد أو إنعدامها، ومما أعطى اندفاعة قوية للشارع هو ركوب الصدر الموجة، كما جرت العادة، وتبنيه لحركة الشارع كما ولو كانت تحت وصايته أو أنه هو من يديرها أو يترأسها.
أما الحقيقة فهي كالتالي: لقد كان مقتدى السبَّاق بالدعوة - في الحكومات الأخيرة أيام نوري المالكي وبعده حيدر العبادي - للنزول إلى الشارع في تظاهرات كان يطلق عليها إسم «المليونية»، أي أنه كان يريد من أنصاره أن يتجاوز عددهم المليون كعرض قوة ليحسن شروطه ويفرضها داخل الحكومة، وهو كان خاض الانتخابات الأخيرة التي أدارها البروفيسور الشيخ علي سميسم بذكاء ليمكّن التيار الصدري من الحصول على 53 مقعداً نيابياً.
وعند وصول عادل عبدالمهدي إلى رئاسة مجلس الوزراء، تمنّت المرجعية في النجف على الصدر أن يعطيه فرصة للحكم. إلا أنه نكث بوعده عندما دعا بعد أشهر إلى التظاهر ضده في المنطقة الخضراء، المكان المفضل لدعوة أتباعه لاحتلالها لما تحتويه من بعثات أجنبية ومقرات حكومية.
إلا أن هذا الاستعراض للقوة قلب السحر على الساحر، فالسيد مقتدى هو جزء من النظام ويمتلك أكبر عدد من النواب كحزب مستقل لوحده وأكبر عدد من الوزراء والمديرين العامين والسفراء. وتالياً فإن الشارع الذي تحرك خرج عن سيطرته ليطالب بكف يد كل الأحزاب ورؤسائهم. إلا أن وجود الصدر وجماعته - تحت اسم القبعات الزرقاء - كان المحرك الأساسي للاعتداء على المتظاهرين أو لتوجيههم تحت عنوان «حمايتهم».
وهذا يعود لسبب واحد مرده إلى أن ما من أحد في العراق يجرؤ على التعدي على أجهزة الدولة أو «إحتلال» الشارع أو التصادم مع أحزاب شيعية كبيرة وقوية إلا السيد مقتدى. ليس لأنه الأقوى بل لأنه لا يكترث لحسابات دينية ووطنية ولسلم الأولوية، على عكس الأحزاب الأخرى.
عندما قتل سليماني، الذي لم يكن يتمتع بعلاقات جيدة مع الصدر المتقلب بسياسته والذي يطلق عليه العراقيون اسم «راكب الأمواج»، سلّمت القيادة الإيرانية الدفة لـ«الرهبر» مقتدى لتأمن شره، وهو سارع لإقتراح علاوي لرئاسة الحكومة، وسلم أكثر الأحزاب الشيعية بعلاوي كاسم مقترح من الصدر. إلا أن المشكلة بدأت عندما فشل علاوي بإدارة التعيين الوزاري واستشارة الأحزاب الأساسية. فقد ضرب بعرض الحائط التنظيمات الشيعية داخل «الفتح» لأن هادي العامري وعده بالدعم المطلق، والصدر أعطى كلمته لعلاوي بأنه سيؤمن حضور كل النواب إلى المجلس بالقوة لإعطائه الشرعية.
وما جهله علاوي أن الصدر فقد الكثير من هيبته في البيئة السياسية ولم يعد يخاف منه الجميع مثلما كان عليه الوضع سابقاً، ولا يمتلك القوة التي يتغنى بها. وكذلك العامري، فهو لا يسيطر على «الفتح» ولا حتى على «بدر» كتنظيم، بل هو رئيس فخري احتراماً له ولمكانته ولتاريخه.
وبوعود الصدر والعامري اطمأن علاوي على وضعه وتعامل مع الأحزاب السنية والكردية بفوقية وكذلك تعامل بالطريقة نفسها مع المالكي وفالح الفياض والأحزاب الشيعية الأخرى.
وعرض علاوي وزراءه على الجميع من دون مشاورتهم والتواصل معهم والأخذ في رأيهم، وتالياً فقد الدعم السياسي لمقاربته التي اعتبرت استفزازية. وكذلك لتجاهله ساحات التظاهر التي تبحث عن شباب صاعد ووزراء يعلمون بحالهم ولا يقيمون خارج العراق بعيداً عن معاناته ومعاناة أبنائه.
فبقي علاوي مع دعم شخصين فقط، هما العامري والصدر الذي لا يتردد بالتخلي عن الشخص الذي سماه هو إذا فشل في مهمته. فالسيد مقتدى لا يركب حصاناً خاسراً أبداً حتى ولو إختاره هو.
أما اليوم فبدأ البحث عن مرشح جديد. وقد بدأت أسماء تطرح مثل عبدالوهاب الساعدي، الذي اكتسب شعبية كبيرة أثناء قتاله على رأس «الفرقة الذهبية» ضد «داعش» أثناء تحرير العراق. إلا أن الساعدي لا حظوظ له لأنه رجل عسكري، في وقت التزم الساسة بعدم دعم أي مرشح عسكري لرئاسة الوزراء.
وتطرح كذلك أسماء مثل مصطفى الكاظمي (رئيس المخابرات) وأحمد الأسدي ومحمد الدراجي، ومن المتوقع أن تخرج أسماء أخرى لاحقاً. إلا أن الصدر لم يرشح أحداً لغاية صدور هذا المقال.
أما المرجعية في النجف فستبقى صامتة لأنها تعلم علم اليقين أن لا رجاء بالساسة العراقيين لأن مبدأ المحاصصة هو المنتصر وأن الشارع وحده لا يستطيع التغلب على عقلية التمسك بالسلطة. فالأحزاب هي التي تسيطر على مجلس النواب وإذا لم تحصل انتخابات نيابية لن تستطيع التشكيلات السياسية التوافق على مرشح إلا إذا وافق على إعطاء كل ذي حصة حصته.
هذا الواقع يشي بأن استقرار العراق السياسي لن يكون سهلاً والمشكلة تتعلق بالعراقيين أنفسهم بسبب غياب التوافق بينهم، فلا رؤية مستقبلية لديهم حيال الاستحقاقات الإقليمية والداخلية من شأنها أن تردع وتقلص خلافاتهم... والآن أمام رئيس الجمهورية برهم صالح 15 يوماً لتكليف مرشح جديد بدءاً من اليوم.
من جانبه، قال عبدالمهدي في بيان، أمس، إنه سينسحب من دوره كرئيس للوزراء في حكومة تصريف الأعمال ولن يقوم بمعظم مهامه الرسمية.
واقترح على البرلمان الدعوة لانتخابات مبكرة في الرابع من ديسمبر.