سياسيون وأكاديميون قرأوا في مجرياتها دوافع ظاهرها الصالح العام وباطنها الفئوية والشخصانية... والتكسب الانتخابي

جلسة «العفو»... إجراءات صحيحة وسلوكيات مُعيبة

1 يناير 1970 10:39 م

أحمد المليفي: ما جرى جزء من ضريبة الديموقراطية ولن يصلوا إلى تكفير الناس بها

عبدالله الغانم: تبين حقيقة الذين كانوا يدعون للعفو من خلال العمل الفوضوي والصراخ 

خالد الرشيد: الطرح كان فئوياً وإن كان ظاهره الصالح العام

بدر العيسى: عمل مخزٍ جعلنا نتباكى على وضعنا المتردي

عبدالواحد الخلفان: البلطجة التي مارسها بعض النواب كفرت الشباب بالديموقراطية

عايد المناع: ما حدث مسرحية هزلية معيبة لتاريخ الديموقراطية الكويتية

هاني شمس: البعض يريد المتاجرة والتكسب بقضية مقتحمي المجلس

 

لم تُطوَ صفحة أحداث جلسة مجلس الأمة، أول من أمس، دون أن يكون لها تداعيات خارج قبة عبدالله السالم، حيث لقي ما شهدته الجلسة استنكاراً ورفضاً واسعين، من سياسيين وأكاديميين، رأوا فيها خروجاً عن العرف البرلماني والديموقراطي، وانحداراً خطيراً في السلوكيات التي لا يجدر بنواب في مجلس الأمة أن يظهروها.
فقد أكدت قراءة سياسية لعدد من الفعاليات الكويتية، تعليقاً على ما حدث، أن «مكمن الخلل في السلوكيات وليس الإجراءات». وفيما شددت تلك الفعاليات على صحة عملية التصويت، بيّنت أن «السلوك البرلماني يفترض به أن يكون حضارياً ولا يصل لدرجة الفوض».
وفي هذا السياق، أكد وزير التربية وزير التعليم العالي الأسبق أحمد المليفي في تصريح لـ«الراي» أنه «أمر محزن ما حدث من تراشق، وأن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، سواء ما تم استخدامه من ألفاظ أو ما حدث من احتكاك، ويعكس وجهاً غير جميل لممارستنا الديموقراطية، ولن نصل لما يريده البعض من تكفير الناس بالديموقراطية، وإنما هذا جزء من ضريبة الديموقراطية، وجزء من التصحيح الديموقراطي الذي يحدث في كل دولة من دول العالم».
وشدد المليفي على أن «الإجراءات التي تمت في الجلسة صحيحة، وما كان يجب أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، والرأي في النهاية للأغلبية وللمجلس وينتهي الأمر عند هذا الحد»، مردفاً «نحن قلنا من زمن، إن طريق العفو العام شبه مغلق، ولا توجد له أغلبية برلمانية بغض النظر عن موقف الحكومة، فكلنا نريد أن يعود زملاؤنا وإخواننا في الخارج، وأن يكون هناك مصالحة لكن وفق الطريقة الصحيحة التي مارسها الآخرون، بحصولهم على العفو الخاص لأن سمو الأمير والد الجميع، وهذا ما شهدناه مع النائبين السابقين وليد الطبطبائي وفهد الخنة حيث تم العفو عنهما بإجراءات بسيطة وسلسة وقابلا صاحب السمو الأمير وعادت المياه لمجاريها الصحيحة، وبالتالي فإن الخلاف على الأداة وليس المضمون».
من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبدالله الغانم في تصريح لـ«الراي» أن «هؤلاء الذين كانوا يدعون إلى العفو العام، وتحدثوا أن العفو من شيم الإسلام والكرم، واستعانوا بالآيات والأحاديث، تبين حقيقة كل ذلك بالأمس من خلال العمل الفوضوي والصراخ»، مشدداً على أن «من يدعو لمحاسن الأخلاق عليه أن يتمثل بها».
وتابع الغانم «الانتخابات مقبلة والبعض يبحث عن مكاسب، وأنا لا أهتم إذا ما كان الأمر مخططاً أو غير مخطط ما يهمني أن الواقع الذي حدث مسيء جداً من قبل من هم من المفترض أن يقتدى بهم»، مردفاً «نشتكي من سوء العملية الانتخابية بين القوائم الطلابية في الجامعة ثم يأتي هؤلاء ويؤكدون على هذا المنهج».
واختتم بالقول «مكمن الخلل في السلوكيات وليس الإجراءات، والسلوك البرلماني يفترض به أن يكون حضارياً فهم دائما يتكلمون أن هناك درجة عالية من حرية التعبير تحت قبة عبدالله السالم لكن هذه الحرية لا يجب أن تصل لدرجة الفوضى».
بدوره، أعرب الأستاذ المساعد في كلية الهندسة الدكتور خالد الرشيد عن أسفه لوقوع مثل هذه التصرفات في قاعة عبدالله السالم فـ«الكويت ما تستاهل هذا المشهد في شهر أعيادها الوطنية وعتبي على جميع الأعضاء من دون استثناء».
وقال الرشيد لـ«الراي» إن ما حدث كان نتيجة تراكمات سياسية وصلت إلى حد الانفجار، وسبب المشهد المؤسف أن الطرح كان للأسف فئويا بامتياز، وإن كان الطرح في ظاهره بأنه للصالح العام لذلك نتج عنه ما نتج، مؤكداً أنه «لا يختلف أحد على أي طرح للصالح العام وفيه منفعة للجميع ولكن للأسف نزاع الأعضاء سببه أن المضمون مخالف كلياً لما هو معلن».
من جانبه، رفض الأستاذ في جامعة الكويت وزير التربية الأسبق الدكتور بدر العيسى، الأحداث المؤسفة التي وقعت في الجلسة، مؤكداً أنها تصرفات غير لائقة في قبة عبدالله السالم وتحركها أطراف من خارج المجلس، معرباً عن أسفه لما حدث بين النواب.
وقال العيسى لـ«الراي» إن ما حدث في جلسة الثلاثاء تحت قبة عبدالله السالم ماهو إلا عمل مخزٍ وعار على جبين كل كويتي وأصاب نظامنا الديموقراطي في مقتل جعلنا نتباكى ونتحسر ونتألم على وطننا وأوضاعنا التي تتردى وتنحدر الى القاع في كل المجالات.
وأوضح العيسى أنه بهذه التصرفات قضينا على مستقبل أولادنا، وجعلنا أيضا ننظر بعين ملؤها الدمع والألم لدول الخليج التي سبقتنا في كل شيء، مضيفاً «كنا نسعى إلى بناء بلد جميل يتحلي بالنظام الديموقراطي والحريات، ولكن غاب عن أذهاننا أن الديموقراطية في مجتمع قبلي وطائفي مشحون بالعصبية والفئوية والمال السياسي لن تثمر إلا بما شاهدناه يوم أمس (أول من أمس)، وما سنشاهده استعداداً للانتخابات المقبلة».
وقال «صحيح أن تلك الأفعال ممكن أن نشاهدها في الكثير من برلمانات بعض الدول ولكن نحن نعتبر دولة حديثة ويجب علينا أن نعتبر من الدول التي لها تاريخ طويل في العمل الديموقراطي»، مبيناً أن «ما حدث ليس الأول ولن يكون الأخير، وليس لنا خيار آخر غير العمل الديموقراطي بعيوبه وسلبياته، ولكن نحتاج الحزم في تطبيق القانون، توضع القوانين لكي تحترم وتطبق على الكبير قبل الصغير. لا نريد أن نذهب إلى صناديق الاقتراع لكي نختار جاهلا أو طائفيا أو فئويا أو فاسدا يركب على ظهورنا»، معرباً عن أسفه أن نمر بهذا الظرف والكويت تمر في أحلى أيامها (الأعياد الوطنية).
وأبدى الناشط السياسي الدكتور عبدالواحد الخلفان عن أسفه الشديد في شأن الأحداث التي شهدتها جلسة مجلس الأمة، معتبراً «أن ما حدث من وقائع أثناء انعقاد الجلسة عكس صورة سلبية للديموقراطية الكويتية محلياً وخارجياً بعدما ظل الشعب الكويتي يتغنى منذ تأسيس الدستور بتلك الديموقراطية التي تتفرد بها الكويت».
ووصف الخلفان المناوشات التي قام بها بعض النواب للتأثير على سير الجلسة بـ«البلطجة النيابية» والإسفاف، حيث لم يراعِ هؤلاء النواب الإرث التاريخي لقاعة الشعب (عبدالله السالم) أو تحترم اللائحة الداخلية. وقال «أنا حزين جدا أن تنحدر الديموقراطية الكويتية إلى هذه الصورة وهذا الشكل، ومن الخطورة انعكاس مثل هذه الأفعال المخزية على فكر الشباب الكويتي»، مبينا أن هناك ما يقرب من 65 في المئة من الشباب وفق استطلاعات الرأي، بدأ يتململ ويكره تلك الديموقراطية.
بدوره، أكد الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور عايد المناع، أن ما حدث في جلسة مجلس الأمة السابقة كان عبارة عن مسرحية هزلية معيبة لتاريخ الديموقراطية الكويتية المشهود لها عربيا وإقليميا وعالميا.
وأضاف المناع في تصريح لـ«الراي»، انه لا يعقل أن يلجأ بعض النواب للصراخ، ولدينا قوانين ودستور واضح، يمكن من خلاله حل أي موضوع بشكل قانوني، بعيداً عن الشخصانية والعاطفية، لافتاً إلى أن الشعب يريد برلمانا يقدم إنجازات بعيدا عن المهاترات.
وذكر أن موضوع العفو مطلوب، ولكن لا ينبغي أن نجعل المطالبة في العفو سببا لشق الصفوف، وإحداث مشكلة داخلية تعقد الموقف، ولا تأتي بحل للمطلوب العفو عنهم.
من جانبه، ندد مرشح مجلس الأمة هاني حسين شمس بالاحداث التي شهدتها الجلسة خلال مناقشة قضية العفو الشامل، مؤكداً أن ما حدث يمثل اساءة بالغة للديموقراطية الكويتية ولمجلس الأمة ولقاعة عبدالله السالم.
وأوضح شمس، في تصريح لـ«الراي» ان الشعب الكويتي معروف بأخلاقه وسماحته وطيب افعاله وحسن تصرفاته، وان الاحداث المؤسفة في جلسة الأمس رسالة غير جيدة للحركة السياسية وللديمقراطية الكويتية، مؤكدا ان الاختلاف في وجهات النظر السياسية هي أمور جائزة ومقبولة، لكن ما ليس بمقبول ان تتحول هذه الاختلافات الى الفاظ نابية وتشابك بالايدي وعدم قبول البعض باحكام الدستور التي اقسم عليها اعضاء مجلس الأمة.
وأشار شمس الى ان «البعض يريد العودة الى النهج السابق، والمتاجرة بقضية مقتحمي المجلس وهذا ما ظهر جليا أول من أمس، وهذا يقود للقول بان وراء الأكمة ما وراءها، وإلا بماذا نفسر ما حدث من تصرفات خارجة عن الممارسة الديموقراطية من محاولة تعد على حرس المجلس واستخدام ألفاظ غير مقبولة تحت قاعة عبدالسالم، من دون مراعاة حتى لأهالي الاشخاص الذي تخصهم قضية العفو من مسجونين أو من هم في خارج البلاد؟».
وطالب بضرورة تطبيق الاجراءات اللائحية القانونية على المتجاوزين في جلسة أول من أمس، من الذين عمدوا إلى افتعال تلك الاحداث في محاولة يائسة للعودة الى نهجهم الاقصائي والتأزيمي السابق، مؤكداً أن هؤلاء الاشخاص اصبحوا مكشوفين ومفضوحين للشعب الكويتي، المطالب بحسن الاختيار في المرحلة المقبلة بعد هذه الرسالة السيئة التي قدمها بعض المتاجرين بقضية العفو الشامل عن مقتحمي مجلس الأمة.

آراء

5 أسباب لما جرى

أوجز وزير التربية وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور بدر العيسى أسباب هوشة المجلس من وجهة نظره في 5 نقاط أساسية هي:
* تدخل أطراف خارجية لها مصلحة في تخريب العمل النيابي والحكومي.
* طغيان المصالح الشخصية على مصالح الوطن.
* اللعب والاتجار في الهوية الوطنية.
* انعدام ثقافة تقبل الرأي الآخر
* انتشار الفساد وعدم المحاسبة.

تشرشل والبرلمان

استشهد الدكتور العيسى بمقولة القائد والأديب البريطاني ونستون تشرشل الذي قال «إذا أردت أن تعرف أي شعب في العالم فانظر إلى برلمانه ومن يمثله فيه، وبعدها ستعرف أي الشعوب يستحق رمي الورود عليه أو ضربه بالأحذية».

رسالة للجيل الجديد

بيّن وزير التعليم العالي الأسبق أحمد المليفي أنه «يجب أن نرسل رسالة للجيل القادم بأنه مهما اختلفنا فإن الخلاف يجب أن يظل في إطار الدستور، وبالتالي يجب أن تكون الإجراءات في إطار الدستور وهذه الرسالة لن تتحقق إلا بالاعتذار عن الخروج عن رسالة (الخروج عن الدستور) والعودة والتعلم من أخطائنا وهذا التعلم من الأخطاء ليس عيباً»، مختتماً بالقول «الإجراءات التي قام بها رئيس مجلس الأمة صحيحة، وكذلك التصويت الذي تم كان صحيحاً وفقاً للائحة».

العفو لمن لديه نائب!

قال الدكتور خالد الرشيد إن «من يطلب العفو العام يجب أن يطلبه للكل بمن فيهم البسطاء والأجانب والبدون، ولمن ليس لديه نائب في مجلس الأمة يدافع عنه هكذا تكون الإنسانية وهكذا يكون الدور الحقيقي لممثل الأمة»، موضحاً أن المضمون الذي شاهدناه كان خاصاً ولا يخدم غير أصحابه هذا يريد أن يخرج ربعه وذاك يريد أن يخرج أبناء فئته فحدث المشهد المؤسف في شهر فبراير.

الدستور والديموقراطية

تساءل الدكتور عبدالواحد الخلفان «ألا يعلم هؤلاء النواب الذين مارسوا البلطجة البرلمانية وانتهاك الدستور، بأن الدستور هو السياج الواقي للكويت بعد حفظ المولى عزوجل لهذا البلد الطيب؟ فالديموقراطية الكويتية هي من شجعت الأمريكان والدول الأوروبية للوقوف إلى جانب الكويت وتحريره من الغزو العراقي».

ضوء على الحدث... بعيون مَنْ حضر

| كتب غانم السليماني |

أكد عدد من المشاركين في جلسة الثلاثاء التي ناقشت مقترحات قانون العفو الشامل، أن هناك أياد تخريبية حاولت إفساد الجلسة وتحويلها إلى ساحة صراع، ومواجهة نتيجة التحريض الذي مارسه بعض النواب من صراخ وسب، ولا سيما النائب الذي وصفوه بـ«نافخ الكير» الذي لا يجيد الحديث إلا بالصراخ ويطبق تعليمات معزبه بحذافيرها.
وأشار اثنان من الحضور إلى ان أجواء الإثارة التي خلقها بعض النواب والجمهور، هي السبب وراء ما حصل، ولا سيما بعض النواب ومن بينهم محمد المطير.
وقال عبدالعزيز مساعد إنه من بداية الجلسة ساد شعور بوجود نية لتخريبها، من خلال تعامل بعض الجمهور الاستفزازي مع حرس المجلس، ومحاولة جرهم الى نقطة الصدام والاحتكاك، لافتاً إلى أن التحريض كان يأتي من بعض النواب الذين يصرخون ويسبون بعض الجمهور فتحولت الجلسة إلى هرج ومرج، وكادت ان تتحول إلى ساحة صراع حقيقي وأمور لا تحمد عقباها لولا حكمة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم الذي نجح في عبور الجلسة إلى بر الأمان. وأفاد أن الوضع كان سيئاً نتيجة تحركات المطير الذي كان يتجول في القاعة ممسكاً عقاله ويتحدث بصوت عال.
من جانبه، أكد سلمان العنزي أن الامور والتصعيد كان جلياً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي أشعلت شرارة التصعيد والاحتكاك، فمنذ بداية دخولنا للجلسة بدأت كلمات تُرمى من هنا وهناك، بهدف إفساد الجلسة وما ساعد هذا الامر التوتر داخل الجلسة وصراخ بعض النواب ومحاولاتهم إفساد الجلسة، من خلال التحدث بصوت مرتفع دون ميكروفون، والتوجه للأمين العام الذي كان يقوم بعمله.
وتمنى العنزي أن تنتهي الأمور على خير من دون أي مشاكل، فالبلد لايحتمل التصعيد وهناك استحقاقات امام المجلس منها إقرار تعديل قانون التأمينات في شأن الاقساط الشهرية الذي سيتم التصويت عليه في المداولة الثانية.