تحليل الجريمة في ما إذا كانت آنية بـ «تزوير في محرر رسمي» أو مستمرة لما يترتب عليها من جرائم أخرى

تزوير الجنسية... موطن الاستمرارية أو مكمن الوقتية؟

1 يناير 1970 04:46 ص

النظرة الوقتية تتحدث عن نشاط إجرامي واحد يفضي لنتيجة تغيّر الحقيقة في المحرر

الرأي في استمرارية الجريمة يقوم على استعمال المحرَّر المزور في جرائم أخرى بالاستيلاء على المال العام


فضيل البصمان: تصنيف تزوير الجنسية «مستمرة» خالف القواعد المستقرة قضائياً وإجماع الفقه باعتبار الجريمة وقتية

- الجريمة وقتية تنتهي مع انتهاء الجاني بتغيير الحقيقة في المحرّر تماماً مثل جريمة السرقة

- المشرّع تفطّن للقضية فاعتبر كل استعمال للمحرر المزور في أي معاملة جريمة وقتية

- حامل الجنسية المزوّرة ليس مزوّراً لعدم صلته بالجريمة وإنما يحاسب  على استخدامها

تنشط في الساحة القانونية نقاشات بشأن قضايا تزوير الجنسية، التي ظهرت وفرضت نفسها عبر مانشيتات، الصحف المحلية وصارت شأناً عاماً، وقد يضاهي خبر القبض على متهم بالتزوير أو الحكم على مزور أخبار، وصارت المدونات والبرامج واللقاءات الخاصة تناقش تلك الحالات بصورة واسعة.
أما النقاش في الجانب القانوني فقد تمركز بين القانونيين على نقطة واحدة مهمة، وهي السؤال: هل جريمة التزوير في الجنسية جريمة وقتية أم جريمة مستمرة؟ باعتبار أن الأصل أن جرائم التزوير جرائم وقتية أي أن النشاط الاجرامي فيها هو نشاط إجرامي واحد يفضي لنتيجة أن تتغير الحقيقة في المحرر على غير الحقيقة، وصارت على إثر ذلك انقسامات في الآراء القانونية، فمنها من يتمسك بكون الجريمة مستمرة على سند من أن النشاط الإجرامي قد يستمر إلى ما بعد التزوير في الجنسية، وهو استعمال المحرر المزور في جرائم أخرى تتمثل في الاستيلاء على المال العام بلا وجه حق. ويقيم هذا الرأي دعائمه على أن الرابط بين استعمال المحرر الرسمي (الجنسية) متصل اتصالا وثيقا بما يتصل بها من حقوق للمواطنة، وأن استعمال هذه الحقوق على النحو الذي يدخل اللبس على سلطة الإدارة، فتعطي للمتهم بالتزوير حقوقاً لا يستحقها، وبالتالي فإن مجرد استخدام البطاقة المدنية أو جواز السفر لإجراء أي معاملة حكومية تكون فيها الجنسية الكويتية شرطاً قانونياً للحصول على تلك المنافع العامة، فإن المتهم بجريمة التزوير يكون قد ارتكب تلك الجريمة في كل مرة يراجع فيها لأداء تلك المعاملات.
وقال المحامي فضيل البصمان إنه «بصرف النظر عن جسامة الجريمة وآثارها، ومن منطلق النقد العلمي للأحكام، فإننا نرى أن الحكم الصادر من محكمة التمييز الذي خلصت فيه إلى اعتبار جريمة تزوير الجنسية من الجرائم المستمرة، قد خالف سائر القواعد التي استقر عليها قضاؤها من قبل، وخالف أيضا إجماع الفقه، وما أكدت عليه أيضا أحكام محكمة النقض المصرية باعتبار جريمة التزوير جريمة وقتية».
وبيّن البصمان أن «الجريمة الوقتية، كما عرفها أهل القانون هي الجريمة التي تتم وتنتهي بمجرد إتيان الفعل المجرم، ومثلها جريمة السرقة حيث تتم وتنتهي بمجرد قيام الجاني بفعل اختلاس المال، وأما الجريمة المستمرة فهي التي تستلزم تدخل الجاني تدخلاً متتابعاً ومتجدداً طوال فترة استمراها ومثلها؛ جريمة إخفاء المسروقات حيث تظل الجريمة مستمرة ما دام الجاني لا يزال يخفي المسروقات حيث، تتدخل إرادة الجاني فيها طوال مدة قيامه بفعل إخفائه للمسروقات. وبإنزال التعريف المجمع عليه في شأن الجريمة الوقتية على جريمة التزوير، موضوع الحكم، يضحي جلياً أنها من الجرائم الوقتية، حيث إنها تتم وتنتهي بمجرد قيام الجاني بتغيير الحقيقة في بيان جوهري في محرر، فلا يمكن التحدي بأنها جريمة مستمرة وأنها تظل مستمرة طوال فترة وجود المحرر المزور، حيث إن وجود المحرر المزور لا يستلزم من الجاني تدخلاً متجدداً، بل إن وجود المحرر بعد تزويره هو أثر من آثار الجريمة لا ركن من أركانها، كما هو الحال في سائر الجرائم الوقتية ومثال ذلك؛ جريمة القتل فلا يصح القول بأنها جريمة مستمرة تظل ممتدة طوال فترة وجود جثة المجني عليه فوجود الجثة هو أثر الجريمة الذي نتج منذ لحظة انتهائها بقيام الجاني بفعل إزهاق الروح، وقد تفطن المشرع لكون جريمة التزوير من الجرائم الوقتية، فقرر جريمة استعمال المحرر المزور والتي هي وقتية أيضا، فكلما استعمل الجاني المحرر المزور يعد مقترفاً لجريمة استعمال المحرر المزور، لذا فإنه لا مماراة في كون جريمة التزوير جريمة وقتية بصرف النظر عن نوع المحرر المزور».
وذكر أن «البين من الحكم فيما قرره بأن جريمة التزوير مستمرة أنه كان يستهدف مد الزمن المسقط للجريمة، والذي بدأ منذ قيام المتهم بتزوير المحرر (الجنسية) ومفاد ذلك أن الجريمة المستمرة التي بحثها الحكم هي جريمة التزوير، وهنا يطرح التساؤل الذي يؤكد على وجاهة النقد الموجهة للحكم. فماذا لو كان القائم بالتزوير شخصا آخر غير حامل الجنسية المزورة؟ فلا يمكن في هذا الحال اعتبار حامل الجنسية المزورة فاعلاً في جريمة التزوير لعدم صلته بجريمة التزوير، اطلاقا ومن غير المقبول أيضا اعتبار الجريمة مستمرة في مواجهته حيث أنه لم يقترف ثمة فعل من الأفعال المكونة لجريمة التزوير أصلاً، ولا ينال من ذلك القول بأنه ظهر بمظهر المواطن واستفاد من المميزات الممنوحة من الدولة بموجب المحرر المزور، فهذه الأفعال تخضع بحكم القانون لنصوص التجريم الخاصة باستعمال المحرر المزور لا لنصوص تجريم التزوير، علماً بأن جريمة استعمال المحرر المزور أيضا هي جريمة وقتية تتم وتنتهي بمجرد قيام الجاني باستعمال المحرر المزور، وإن عاود استعماله فإنه يكون بذلك قد ارتكب جريمة أخرى مماثلة للجريمة السابقة ولا تعتبر امتداداً لها يكسبها صفة الاستمرار».
وأشار إلى ان «من نظرنا أنه كان من الأنسب أن تتربص المحكمة بواقعة استعمال المحرر من قبل المتهمين المعروضين عليها، وأن تتحقق من تاريخ واقعة الاستعمال الأخيرة لهذه المحررات المزورة، للتثبت من عدم مضي الزمن المسقط لجريمة التزوير في المحررات الرسمية والمحددة بعشرة سنوات تبدأ من تاريخ ارتكاب الجريمة، فإن ثبت لها - وهو يسير - استعمال المتهين للمحررات المزورة خلال العشرة سنوات الماضية من توجيه الاتهام إليهم صحت إدانتهم عن جريمة استعمال المحررات المزورة».
ورأى أن اعتبار محكمة التمييز الموقرة جريمة التزوير، كما جاء في الحكم أنها جريمة مستمرة، سوف يكون له أثر يمتد لجرائم التزوير الأخرى في غير حالات «تزوير الجنسية» وذلك ما يخل باستقرار المراكز القانونية للأفراد لامتداد الجريمة واستمرارها باستمرار أثرها، وهو الأمر الذي يتعارض مع ما توخاه المشرع في تنظيم مسائل التقادم المسقط للجرائم والعقوبات، لذا فإن تدخل دائرة توحيد المبادئ بمحكمة التمييز أضحى لازما لا مناص منه لحسم الجدل القانوني الثائر حول هذه المسألة. ولما كان غاية المشرع من وراء التقادم الجنائي هو استتباب الأمن، وحتى لا تكون الجريمة مسلطة على رقاب الجناة طيلة حياتهم، وكذلك حق المجني عليه للوصول الى العدالة المنشودة في أقصر وقت ممكن، وعلى هذا فلا بد من أن ننظر الى أن الجرائم أصلها ان تكون وقتية وما يستثنى منها هو الاستمرار في الجرائم، فمعيار التفرقة بينهما هو الامتداد في النشاط المجرم لا بالأثر على الواقعة، ومثال ذلك استمرار الحيازة لما يشكل جريمة هو بالضرورة نشاط إجرامي ينقطع بانقطاع الصلة لا بأثر الحياة، فكل استخدام لمحرر مزور هي جريمة وقتية يبدأ سريان التقادم منذ اتيان الفعل المجرم، وما يستولى عليه جراء هذا الفعل هو أثر لتلك الجريمة، وكما أسلفنا أن الوفاة في جريمة القتل هي النتيجة المكونة للركن المادي للجريمة ولا يصح القول انها لوحدها تشكل جريمة مستمرة.
وخلص البصمان إلى أن الجريمة المستمرة بإيجاز، هي ما يتجدد نشاطها بفعل الجاني، ومثال ذلك حبس الحرية وحمل السلاح بدون ترخيص أو حيازة ما يكون ممنوعا، وإذا كان من زور الوثيقة هو غير مستعملها وتبين تقادم جريمة التزوير، فان مستعمل الوثيقة المزورة يتعرض للمتابعة في كل مرة يستعملها فيها متى كان عالماً بأنها مزورة.

القضاء يؤكد... «الاستمرارية»

يعزز القضاء الرأي القائل بأن جريمة تزوير الجنسية مستمرة، حيث ذهبت محكمة التمييز في أحكامها الأخيرة، خلال ردها على الدفوع الخاصة بالمتهمين في جرائم تزوير الجنسية إلى «أن الدفع المبدى من دفاع المتهم بسقوط الدعوى الجزائية بالتقادم فإن من المقرر في قضاء التمييز أنه غنى الفصل في التمييز بين الجريمة الوقتي المكون للجريمة، كما عرفه القانون سواء كان الفعل إيجابياً أو سلبياً ارتكاباً أو تركاً فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهي لمجرد إتيان الفعل كانت وقتية، أما إذا استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن، فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة. والعبرة بالاستمرار هنا هو بتداخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجرداً، ولا عبرة بالزمن الذي يبقي العمل في التهيؤ لارتكابه والاستصدار، لمتابعة أو الزمن، والذي تستمر آثاره الجنائية في أعقابه، وكانت جريمة التزوير التي رفعت بها الدعوى على المتهمين من الجرائم المستمرة، إذ تظل قائمة ما بقيت حالة الاستمرار التي تنشئها إرادة المتهم، ويظل المتهم مرتكباً للجريمة في كل وقت، وتظل جريمته تحت طائلة العقاب ما دامت حالة الاستمرار قائمة. فلا تبدأ مدة التقادم ما دام المتهم مصراً على استخدام جنسيته المزورة في الظهور على خلاف الحقيقة بأنه كويتي».

بين الأروقة

عصفٌ فكري

تقدير التعويض من المسائل التي تختص بها محكمة الموضوع، ماذا لو صار لكل ضرر مقابل محدد في نص القانون؟ الدية الشرعية مثال.
ماذا بعد رفض دعوى الإعلانات؟!

بعد الحكم بعدم قبول الدعوى المقامة من مجموعة من المحامين، في ما يخص ضعف أداء إدارة الاعلان بوزارة العدل، صار من الواجب أن يكون لصاحب القرار قرار واضح في هذا الشأن، فالمحامون أدوا أمانتهم.

«الخبراء»... هل تتأخر التقارير؟

تعطل العمل في إدارة الخبراء من آثار الحكم الصادر بإلغاء تعيين أكثر من 500 خبير، ماذا تنتظر الإدارة لكي تحل هذه المعضلة؟. قيل قديماً إذا أردت تعطيل شيء فشكل له لجنة!

متى يصبح الامتناع عن العمل... جريمة؟!

يتفنن بعض الموظفين في تعطيل عمل وكلاء المحامين، فيمتنع عن أداء عمله لأسباب تشابه «ليش مو لابس قحفية» فقد يطرد الوكيل من المكتب أو يطلب منه مراجعة القسم غداً، لأنه نسي أن يعلق الهوية... بأي شرعٍ هذا؟!