طارق آل شيخان / دوق بروخشتاين / التسامح شخصية اسمها الحسين

1 يناير 1970 10:56 ص
لا يكاد يذكر الحسين عليه السلام إلا وارتبط اسمه وشخصيته وفكره وآراؤه وأفعاله بقيمة إلهية أمر بها الله سبحانه وتعالى، وخصلة نبوية حث عليها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومبادئ عائلية تربى عليها وعلمها إياه والده أبو السبطين ووالدته زهراء العالمين (عليهما السلام) ألا وهي قيمة التسامح.
التسامح يشكل إحدى مكونات شخصية الحسين (عليه السلام)، لانها لم تأتِ من رافد واحد، بل من روافد عدة، سواء التسامح الذي أمر به الله، أو الذي حث عليه الرسول، أو التي غرسها فيه والديه. ولهذا فإن هذه الروافد الثلاثة تجمعت كلها في النفس البشرية لشخصية الحسين، لتجعله أعظم شخصية متسامحة بعد الرسول وبعد الإمام علي والإمام الحسن عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
وقيمة التسامح المغروسة في نفس وأفعال وشخصية الحسين تختلف اختلافاً كبيراً عن التسامح الذي يعتنقه البعض منا. فالتسامح الذي ننتهجه ونمارسه مع الآخرين هو تسامح مكتسب، بمعنى أننا نرى الآخرين متسامحين ونتعلم منهم مبادئ التسامح أو من مؤسسات الدولة أو من خلال جمعيات حقوق الإنسان ومحاضراتها وفعالياتها.
أما التسامح الذي يعتنقه الحسين (عليه السلام)، فهو تسامح مغروس ومزروع في نفسه منذ الصغر. وكلما كبر الحسين واشتد عظمه، فإن التسامح يكبر معه ويجري في دمه وشرايينه، بمعنى أننا كلما كبرنا وتقدم بنا العمر فإننا نتعلم ونستفيد ونكتسب معرفة من مبادئ التسامح، بعكس الإمام الحسين، فإنه كلما تقدم بالعمر يوماً أو شهراً أو عاماً، فإن قيمة التسامح تكبر في داخل نفس ودم الحسين وتكون جزءاً منه، تماماً مثل النبتة التي تسقيها روافد ثلاثة تؤمن لها بيئة متكاملة حتى تكبر وتزهر وتعطي الآخرين من ثمارها.
والتسامح الذي صاحب شخصية الحسين منذ الصغر يمكن ملاحظته حتى في أحلك الظروف التي مرت عليه، وذلك قبيل استشهاده، سواء بأيام أو حتى بلحظات قبل أن يفارق الحياة شهيداً. ففي الوقت الذي قد تختفي أو تقل فيها سيطرة قيمة التسامح على تصرفاتنا، حينما نتعرض إلى موقف صعب، أو حينما نفقد سيطرتنا على عقولنا وأعصابنا، وهذا نتيجة كما ذكرنا لأن التسامح هو مكتسب، فإن التسامح المغروس بنفس الحسين بروافده الثلاثة لا يقل ولا يضعف في مثل هذه المواقف الصعبة.
ففي اللحظات الأخيرة لحياة وشخصية الحسين نجد أن التسامح هو من يقود أفعال وأقوال الحسين. نراه يخاطب جموع أعدائه بكل تسامح وبكلمات وبحجج تلين لها الصخور قبل الأنفس من كثرة صدقها وواقعيتها، فنراه يخاطبهم بحجة لا يمكن لأي إنسان مهما طغى بكفره وبفسوقه إلا أن يعترف بصدقها حيث يقول:
«أيها الناس أنسبوني من أنا ثم ارجعوا الى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي. ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسوله بما جاء من عند ربه! أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي! أوليس جعفر الطيار عمي! أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي هذين سيدي شباب أهل الجنة! فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضر به من اختلقه. وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيدٍ الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟».
إن التسامح كان يقود ثورة الحسين في تصديه لمناوئيه، فلم تسيطر روح الانتقام وروح الحقد وروح القتل على ثورة الحسين، بل إن التسامح هو من كان يقود هذه الثورة. فالحسين حاول حتى اللحظة الأخيرة تجنيب مناوئيه وأعدائه جريمة قتل نفس بشرية حرم الله قتلها، إنقاذاً لهم دخولهم نار جهنم بسبب هذه الجريمة، والتي توعد فيها الله من يقتل نفساً بشرية عامداً متعمداً فإن جزاءه جهنم. ولهذا فإنه وفي هذه اللحظات الحرجة، وهو مقبل على الشهادة، كان يتحدث، وهو في قمة درجة التسامح المغروس فيه، بعكسنا نحن حينما تقل درجة التسامح بمثل هذه المواقف.
إن علينا نحن السنة، وعلى إخواننا الشيعة، أن نجتمع في الحسين، نحبه ونجله ونقدره ونعلم أبناءنا معنى وقيمة التسامح الذي كان يؤمن به الحسين. علينا أن نوقف عقارب الزمن عند اللحظات الأخيرة لحياة الحسين، ونتعلم معنى التسامح. فإن فعلنا ذلك فإننا متبعون لقيمة التسامح والمودة بين المسلمين المؤمنين. أما لو أطلقنا عقارب الزمن لما بعد لحظات استشهاد الحسين فإنه مهما ادعينا التسامح سيكون تسامحاً لا يليق أبداً بالتسامح الذي جُبل عليه سيد شباب آهل الجنة.
فسلام عليكم يا أبا عبد الله الحسين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً. وسلام على المرسلين وصلى الله على الرسول وآله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدين.

طارق آل شيخان
رئيس «كوغر»
[email protected]