في حياتنا نجاحات كثيرة، وإخفاقات أيضاً كثيرة، وإن الله - تعالى - أمرنا في مواضع كثيرة في كتابه الحكيم، وعبر القَصص القرآني أن نأخذ العبرة من أعمال السابقين وانتكاساتهم، حتى لا نصير إلى عين ونفس النتائج التي صاروا إليها إذا ما نحن سلكنا سُبلهم. وتاريخ كل شخص له موقع في حياتنا، وتراث مجتمعنا أولى بالاعتبار والاستفادة، ولا نعني بالاعتبار أن العبرة لا تؤخذ إلا مما هو خطأ، فقد يكون عملا في حد ذاته محايداً لكن وروده في سياق معين وظروف محددة أدى إلى جعله خطأ.
مما لا شك فيه أن أخطاءً كثيرة ارتكبت في حياتنا، ومعاصي جمّة اقترفناها، أدت بمجموعها إلى أن تجعلنا نترك مكان الصدارة في المجتمع، ونصبح في ذيل القافلة، ونفقد الوزن والتجانس.
إن مواطن الاعتبار في حياتنا كثيرة، فالركون والاستناد على الحاضر فقط والتمادي في الترف أديا إلى الأحقاد الشخصية وحولا المجتمع إلى بؤر للصراع الاجتماعي، والفهم الخاطئ للقضاء والقدر الذي ليس من تدبير أحد من البشر، وإهمال كل ما هو سابق في حياتنا أدى إلى انتشار الكسل والخمول والاعتماد على الحاضر. وتصور غير جاد للمستقبل، أدى إلى الانفصال عن واقع الحياة. والتسارع في حركة المجتمعات، والثورة التكنولوجية المفاجئة أدت إلى قصور آليات الاستيعاب التربوي والثقافي والاجتماعي عن مواكبتها. والجري وراء تقليد الآخر، التقليد الأعمى الذي يعادي الابتكار والتطوير، أدى إلى انطفاء شعلة التجريب والاعتبار من قصص ومواقف الآخرين، وإلى التخلف في طرق وأساليب التحديث والتجديد.
إن الاعتبار بالأيام التي مضت من حياتنا، يحتاج منا إلى التمتع بأهلية الرؤية الشاملة للماضي والحاضروالمستقبل باستشرافه وتوقعاته، والبُعد عن الغرق في الجزئيات، ثم البحث في العلل والأسباب الكامنة وراء حدوثها.