محمد الوشيحي / آمال / مستقبل... «بو عزّوز»

1 يناير 1970 02:06 م

كالعادة. الساعة الواحدة بعد منتصف الليل غسلت وجهي وتناولت قهوتي استعدادا للنوم. إلا أن «هرنات» المدعو «بو عزّوز» كانت كافية لتعكير لحظات الرخاوة والارتخاء... هناك، وأمام جناح الولادة، وبعد مرور أكثر من نصف ساعة قضيتها في قياس طول الممر انتظارا لوصول المدعو بو عزّوز (الاسم الحركي للمواطن الجديد «سعود محمد الوشيحي»)، شعرت بالملل، فتغنيت بأغنية الفنان الإماراتي عبد المنعم العامري: «إن جيت والاّ بَسْري، من دون محد يدري». لم يصدقني. تأخر فسَريت. كان عليه أن يعرف بأن والده لا يتقن الانتظار. جهله ليس خطأي.

بعد مغادرتي بساعات، أبلغتني مصادري الموثوقة (ممرضة الجناح) بأنه ترجّل إلى الدنيا رافعا رايته البيضاء، معبّرا عن هزيمته بكاءً، فدخلت عليه في عقر داره دخول الفاتحين، ووجدته كأبيه: قاطب الحاجبين، حادا، «لاؤه» تسبق «نَعَمه»، يسكن بالإيجار(أنا أفضل منه حالا، أنا مستأجر بيت بأكمله، بينما اكتفى هو باستئجار غرفة واحدة في المستشفى)! تمعنت في وجهه، في عينيه، في أطرافه، بحثا عن اختلاف، أي اختلاف كان، فوجدته أخيرا: يداه خاويتان. لا سيجارة فيهما ولا فنجان قهوة. الحمد لله. سهلت مهمة شقيقه «بو عنتر» في التمييز بيننا.

أحنيت رأسي، ووضعت فمي بجانب أذن «بو عزوز» ونصحته همسا، نصيحة واحدة لا ثالث لها: «حلّق على ارتفاعات منخفضة يا ابني تفاديا للرادارات. إياك والتحليق مرتفعا مثل أبيك فتتعب». ثم حدثته عن أفضالي عليه: «بفضل أبـــيك، وبمجهوده الفردي، ستجد طريق مستقبلك معبّدا. تسعون في المئة من الوزراء والمسؤولين يكرهونك مقدما، والعشرة في المئة المتبقية في الطريق إن شاء الله.

المــــسألة مسألة وقت... دعــــواتك»! طمأنته بعد ذلك على وضعه الأسري: شقـــيقك أو شقيّك أبو عنتر ينتظرك في المنزل على أحر من الجـــمر. اطـــمـــئن ســيغــتالك... طمأنته أيضا على وطنه: انظر عبر نافذة غرفتك. هذا هو صباح ديرتك الكويت. عتمة. الدول تسابق الزمن وهي تسابق الشخير. النقاء فيها للأقذر. أهلها: جديدهم رتابة وضحكهم كآبة . اطمئن ستُحبط.

حدثته بأحاديث سياسية مهمة، أنصت لها باهتمام، ولفرط اهتمامه نام، فأمسكت بالورقة والقلم لأكتب مقالتي. لحظتها كان كل ما فيني أشعث: شعري، لباسي، أفكاري، كل شيء من حولي أشعث. على الرغم من أنني، ومن دون قصد، من أنصار المدرسة الفرنسية فـــي طريـــقة التحضير للــــكتابة (قرأت بأن الكتّاب الفرنسيين، يرتدون أزهى ملابسهم ويتعطرون ويضيئون الشموع قبل الشروع في الكتابة، وكأنهم على موعد مع عشيقاتهم! يقولون: نحن نتأنق احتراما للغة والفكرة والنص). وأنا الآن يا «بو عزوز» كما ترى، لا علاقة لي بفرنسا والفرنسيين. سامحك الله يا النذل.


محمد الوشيحي

[email protected]