ما زالت الصحف الكاتالونية تتحدث عن «وسواس» الخروج من دوري الأبطال أمام روما وليفربول ... وهو ما زعزع ثقة الجماهير وحتى اللاعبين في قدرة فالفيردي على تحقيق المُراد
منذ اتخاذ القرار بتعيينه مدرباً لفريق برشلونة الإسباني لكرة القدم، ارتسمت علامات استفهام كبيرة حول قدرة أرنستو فالفيردي على قيادة «الدفة الكاتالونية» إلى تحقيق المجد المُبتغى.
وعندما نتحدث عن مجد في أرجاء «كامب نو»، فإن المعنى هنا يتركز حصراً في دوري أبطال أوروبا، لا بل في ضرورة ولوج النقطة الأعلى من منصة التتويج القارية.
لا شك في أن الرغبة باعتمار «التاج الأوروبي» تضاعفت أكثر، أو فلنقل باتت «حاجة ملحّة»، بعد التتويج الثلاثي التاريخي للغريم الأزلي ريال مدريد الإسباني على هذه الجبهة في الأعوام 2016 و2017 و2018.
سعى برشلونة كثيراً إلى تذويب الفارق عن «ريال» في الـ«تشامبيونز ليغ»، خلال العقد الأخير، بيد أن الفارق بات اليوم 8 ألقاب بواقع 13 لـ«الملكي» و5 لـ«الكاتالوني».
ويبدو كلام المدافعين عن فالفيردي أشبه بـ«ضرب الماء بالماء»، خصوصاً عندما يجري الحديث عن ألقاب محلية (الدوري مرتين، الكأس مرة وكأس السوبر مرة) جرى حصدها في عهد «المدرب المقال». فبرشلونة «شبع» ألقاباً محلية، وكذلك نجمه الأول وقائده الأرجنتيني ليونيل ميسي اللاهث خلف التتويج القاري الخامس بعد 2006 و2009 و2011 و2015.
تبرير الفوز بالألقاب المحلية ما عاد يشفي غليل الكاتالونيين، لسبب واحد يتمثل في كونه حصل بالتزامن مع سطوة «الملكي» على «القارة العجوز».
فريق كبرشلونة يظهر معدنه الأصلي في المناسبات الكبرى، وما زالت الصحف الكاتالونية تتحدث حتى اليوم عن «وسواس» الخروج من دوري الأبطال أمام روما (بالخسارة إياباً بثلاثية في ربع النهائي في العاصمة الإيطالية بعد التقدم 4-1 ذهاباً في «كامب نو» في 2018) وأمام ليفربول (بالسقوط إياباً برباعية نظيفة في نصف النهائي في إنكلترا بعد التقدم بثلاثية ذهاباً في كاتالونيا في 2019)، وهو ما زعزع ثقة الجماهير، وحتى اللاعبين، في قدرة فالفيردي على تحقيق المُراد.
ربما كان الأجدى بإدارة النادي «التخلص» من أرنستو بُعيد «نكسة روما» أو حتى «نكسة أنفيلد»، خصوصاً أن نقاشات نقلتها صحف عدة من داخل غرفة الملابس على لسان لاعبين تحدثت عن فشل هؤلاء، حتى اليوم، في التخلص من تبعات النكستين اللتين تحوّلتا إلى مرجع في كل مباراة لا يقدم فيها الفريق الأداء المنتظر.
وكثر الحديث، قبل إقالة فالفيردي وتعيين كيكي سيتيين مكانه، عن حقيقة العلاقة بين الأول ولاعبيه، خصوصاً أن شخصيته الهادئة عكست صورةً لمدرب متواضع يقود مجموعة من النجوم التاريخيين.
وبين شك ويقين حول حقيقة العلاقة، كشف تقرير لصحيفة «ماركا» الإسبانية، السر الكامن خلف إقالة فالفيردي.
الجدير ذكره أن «ماركا» محسوبة على ريال مدريد، بيد أن تقريرها لم يمس بإدارة برشلونة أو سياستها، بل جاء مستنداً إلى حقائق لا نقاش فيها تعطي القيّمين على النادي الكاتالوني الحق في اتخاذ قرار الإقالة.
ووفقاً للتقرير، فإن الإقالة تعود إلى رؤية الإدارة إلى أن جلسات التدريب ليست بالكثافة المطلوبة لفريق يطمح للفوز بـ«كل شيء»، وأشار إلى أن اللاعبين لم يتدربوا بالقدر الكافي أو بشكل جيد، الأمر الذي انعكس على الأداء في المباريات، واستقبال العديد من الأهداف في الدقائق الأخيرة التي تستلزم تركيزاً كبيراً.
والأهم أن التقرير كشف بأن اللاعبين سيطروا على المدرب، حتى بات الأخير غير قادر على قلب الموقف، وترافق ذلك مع انزعاج عدد من العناصر من قلة مشاركتهم في المباريات.
وشدّد على أنه كان من الصعب على رئيس النادي جوسيب ماريا بارتوميو والمديرين اتخاذ قرار الإقالة، وانتظروا رد فعل من اللاعبين، تحديداً في بطولة كأس السوبر الإسبانية التي أقيمت في السعودية وتوج بها ريال مدريد، وهو ما لم يحدث.
وفسّر البعض عدداً من التغريدات التهكمية للنجم الهولندي فرنكي دي يونغ، والتي آثر نشرها بعد إقالة فالفيردي دون الإتيان على ذكر اسم الأخير فيها، على أنها دليل على محدودية الثقة والتقدير من اللاعبين تجاه مدربهم.
في المقابل، يجدر بإدارة برشلونة العمل على غير صعيد، وعدم رمي الحمل كله على سيتيين الذي لم تظهر لمسة «مختلفة» منه على الفريق في المباراتين اللتين خاضهما تحت قيادته (فاز على غرناطة في الدوري بهدف، وعلى إيبيزا في الكأس 2-1).
صحيحٌ أنّ سيتيين ينوي العمل على إعادة اللمسة الكاتالونية «الساحرة» إلى الفريق، بيد أن المهمة لن تكون سهلة على الرغم من أنه يميل الى الزجّ بلاعبين صاعدين قادمين من «لا ماسيا» وهي الأكاديمية التي خرّجت العشرات من نجوم برشلونة.
الجدير ذكره أن «لا ماسيا» أسمعت صوتها «الجريح» منتصف العام 2019 عبر تقارير صحافية عدة تحدثت عن مشاكل يعاني منها هذا الكيان.
فقد خسر برشلونة 10 من أبرز اللاعبين خرّيجي أكاديميته في السنوات الخمس الأخيرة بسبب عدم توافر أماكن لهم في الفريق الأول، علماً أن النادي لا يملك سلطة عليهم يجبرهم من خلالها على البقاء.
وعانى النادي الكاتالوني كثيراً من واقع أن الأندية الإنكليزية «هاجمت» أكاديميته و«سرقت» لاعبين عدة مقابل عروض مالية يسيل لها اللعاب، فيما قدمت أندية أخرى فرصة ذهبية لهؤلاء النجوم للمشاركة أكثر في المباريات بدل انتظار فرصة قد لا تأتي في النادي الأم.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تشكيلة برشلونة الفائزة بدوري أبطال أوروبا في 2011 ضمت 11 لاعباً من «لا ماسيا» من أصل 18 شملتهم القائمة. في المقابل، بلغ معدل أعمار لاعبي الفريق في المواجهة أمام ليفربول، خلال الموسم الماضي، 29.5 أعوام في مقابل 26 للخصم الإنكليزي الذي أكمل المشوار نحو التتويج باللقب.
وكشف لاعبون عدة وأولياء أمور بأن الوضع في «لا ماسيا» لم يعد يطاق، حيث ان القيّمين على الأكاديمية التي تشمل حوالي 50 نجماً وجدوا أنفسهم أمام معضلة أن لا مكان لهؤلاء في الفريق الأول، الامر الذي اضطرهم إمّا إلى إعارتهم وإمّا إلى إبقائهم على دكة الاحتياط بالمداورة، خلال المباريات.
كما جرى تقليص عدد الغرف الخاصة باللاعبين، وتحويل قاعة المحاضرات الى مكاتب للموظفين.
وفوق ذلك، حُكِي عن عدم التزام الأكاديمية بأدنى المعايير الغذائية، فيما لا يملك مدربون كثر في الأكاديمية «الحمض النووي الكاتالوني».
كل هذه المشاكل أطلت برأسها وهي ترمق برشلونة بعين الشك، في وقت يتقدم فيه ميسي «المنقذ» بالسن ويقترب من الاعتزال.
برشلونة أمام مفترق طرق، خصوصاً أن المطلوب كثير... والموجود قليل جداً.