وزارة الإعلام «حارة كلمن إيدو إلو»
«كانت» إذاعة الكويت حاصدة للجوائز عبر تاريخها الطويل و«الآن» تعيش حالة فقدان تام للهوية البرامجية
1 يناير 1970
06:01 م
| كتب صالح الدويخ |
واجبنا يحتم علينا ان نضع أيدينا على مواضع الخلل ونكشف صور الانحرافات التي تنخر في جسد أي مؤسسة اعلامية تعمل ضمن منظومة الدولة او ما يخص الفنون المختلفة، وذلك لكي نسهم بالكلمة وهي أضعف الايمان بأن نصف الدواء الناجع لها، حتى نقوّم أي اعوجاج لتستقيم المسيرة من جديد في قنواتها الصحيحة، وفي هذا الصدد سوف نبين بعض الجوانب التي تلقي بظلالها السوداء على مسيرة الاذاعة الكويتية التي يحفل تاريخها العريق بومضات ابداعية جعلتها تتبوأ مكانتها المتميزة في مقدمة الاذاعات الأكثر نجاحا وانتشارا وتميزا.
لكن يبدو أن اذاعة الكويت ومنذ سنتين بالتحديد بدأت في رحلة الانحدار الشديدة الى هاوية السقوط في متاهات فقدان الهوية البرامجية، وانحسار نجاحها، وفقدانها للركائز التي كانت تجعلها اذاعة جاذبة للطاقات المبدعة فاستحالت الى اذاعة طاردة للمواهب، تدور في دوامة التكرار البرامجي، وأصبحت لكل من يزورها اليوم أطلالا لاذاعة كانت في يوم ما متفردة ومؤثرة وفي مقدمة مثيلاتها الناجحة.
ان واقع الحال في اذاعة الكويت مرير، يكشف غيابا تاما للعقليات، وسوف يكون لنا وقفات لجوانب الخلل الوظيفية الادارية، والفنية، والبرامجية التي جعلت الاذاعة تتراجع بل وتختفي عن واجهة التميز والابداع، كما سنسلط الضوء على جزئية واحدة تثبت لكل من كان يستمع لاذاعة دولة الكويت أن حالها الآن لا يسر لا عدو ولا حبيب، فاذاعة الكويت وبالتحديد في الفترة من عام 2000 الى أواخر عام 2004 شهدت قفزة بل طفرة في الابداع البرامجي، وذلك بسبب وجود طاقات ابداعية تمتاز بعقليات قادرة على المزاوجة بين العمل الاداري والعمل الفني والبرامجي، تملك رؤية واضحة المعالم ومحددة المسارات، وقادرة أن تؤسس لاستراتيجية اذاعية واضحة مرتبطة بآلية خلقت توليفة من الكوادر التي تعشق العمل الاذاعي وتبدع فيه في ظل توافر العقلية القيادية التي ساهمت في تحضير البيئة الخصبة للابداع، فكان الحصاد عبر تلك السنين مجموعة متناسقة ومتوالية من الدورات البرامجية الاذاعية الثرية بأطروحاتها وموضوعاتها وتنوع أفكارها، وكان التحدي الكبير لاذاعة الكويت هو أن تثبت أن انتاجها الاذاعي وعقلياتها القيادية الشابة قادرة على وضعها في المقدمة من خلال منافسة الدول الأكثر عراقة وتاريخا في أعمالها الاذاعية، وكانت صورة تحدي الذات وقدرات الآخرين من أساتذة الفن الاذاعي متمثلة في الاشتراك بالمهرجانات العربية الاذاعية ومنها مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون، ومهرجان تونس، ومهرجان مملكة البحرين للأعمال الاذاعية والتلفزيونية، وكان الحصاد رهيبا، وكم كان التميز لأبناء اذاعة الكويت واضحا، وكم كانت المرتبة التي حازتها راقية، فقد حققت في ثلاث سنوات متتالية في مهرجان القاهرة احدى واربعين جائزة توزعت كالتالي:
• في السنة الأولى حققت عشر جوائز تنوعت ما بين ذهبية وفضية وبرونزية
• وفي السنة التالية حققت أربع عشرة جائزة.
• في السنة الثالثة كان التحدي الاكبر مما تصوره البعض فقد قرر شباب الاذاعة بقيادة عقلية اعلامية قيادية موهوبة «تم تجميده بقرار اداري باطل وغير قانوني أن يكون لاذاعة الكويت المركز الأول»، وهذا ما تحقق بالفعل، فقد تبوأت اذاعة الكويت المركز الأول على الاذاعات العربية ولأول مرة في التاريخ بحصاد بلغ ست عشرة جائزة منها تسع ذهبيات، وأربع فضيات، وثلاث برونزيات، حتى اتذكر أن وزير الاعلام المصري السابق صفوت الشريف قال ممازحا على خشبة مسرح توزيع الجوائز في تلك اللحظة (هو اذاعة الكويت ناوية تاخد جوايز المهرجان كلها ولا ايه؟).
زلزال
وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان، وأصيبت الاذاعة بزلزال اداري تمثل بداية في تغيير مسؤول القطاع، وبعدها تم تجميد أفضل العناصر المبدعة التي أسست لهذا التميز الاذاعي الكويتي، وتمت بعثرة هذه الطاقات، فأصيب كيان الاذاعة بشرخ كبير اداريا وبرامجيا وفنيا، وانطلقت رحلة التراجع فلا جديد في الدورات الاذاعية، ومن يعمل في اذاعة يعرف أنه تتم الاستعانة بالدورات القديمة التي وضعها المبدعون مع محاولة تغيير هوية تلك البرامج مما يشوهها ويجعلها أشباه برامج لا طائل منها ولا هدف سوى الاسترزاق، فعلى سبيل المثال لا الحصر أين ذهب وهج برنامج «مراحب» الذي كان على رأس برامج البث المباشر في الوطن العربي والذي كان يمثل استثمارا اعلاميا لا يقدر بثمن للكويت؟!.
العارفون بأمور ما يجري في الاذاعة يعلمون تمام العلم أن نسبة كبيرة من البرامج في الدورات البرامجية يتم تكرارها نفسها ويتم تغيير أسماء البرامج لكنها تظل بنفس المضامين السابقة، وفي ليلة وضحاها اصبحت السكرتيرة «الجميلة» معدة برامج والمخرج «الفاشل بالاساس» مقدم برامج ايضاً «قمة في الفشل» واختلط الحابل بالنابل، والسؤال الذي يطرح نفسه «ويشيلها ويشدخها بالقاع عدة مرات»... أين التجديد في الفكر البرامجي؟ هذا بالاضافة الى أن الدورات البرامجية تقوم على نفس الأسس والركائز التي وضعها السابقون، والسؤال الاخر... أين الابتكار؟ اللهم الا اذا كان الابتكار عبارة عن فن ملء خانات الدورات بأفكار معادة وفقيرة في قيمتها الأدبية وضعيفة في تأثيراتها الاعلامية، وقد يكون الابداع الوحيد الذي قاموا فيه بالفعل وسيذكره لهم تاريخ الاعلام الاذاعي الكويتي هو تغيير اسم «استراحة الظهيرة» الى «استديو الظهيرة» ثم عادوا من جديد للاسم الأصلي للبرنامج، وهذه للاسف هي حدود امكاناتهم الابداعية.
ان الحقيقة التي أضحت واضحة لا لبس فيها أن صور الابداع والتجديد قد اختفت، والمحزن أن المستمع في الكويت وخارجها لاحظ هذا التراجع ولمس هذا الانحدار في المستوى البرامجي، فالكثير ممن قابلتهم ووردتني منهم اتصالات هاتفية يتساءلون ما الذي حدث لاذاعة الكويت ؟ ولماذا تراجعت وانحدرت الى هذا المستوى؟.
تراجع
لقد تجسد هذا التراجع الكبير في الانتاج الاذاعي بوضوح من خلال تجارب المشاركة في المهرجانات، فقبل فترة خرجت الاذاعة خالية الوفاض من مهرجان تونس، وارتعبت من المشاركة بمهرجان القاهرة، وبالرغم من مطالبة الكثيرين بمشاركتها بأعمال في مهرجان القاهرة لهذه السنة الا أن الاذاعة وكما يبدو تخشى المشاركة لأكثر من سبب، السبب الأول الخوف من الخروج من المهرجان بلا جوائز فتتأكد بذلك حالة التراجع في المستوى البرامجي للاذاعة، والسبب الثاني قد يكون أصلا عدم توافر برامج اذاعية كويتية تمكنها من التنافس على جوائز المهرجان فما نسمعه حاليا عبارة عن برامج للاستهلاك المحلي بالرغم من أن صلاحيتها للاستماع قد انتهت... فهل بلغ حال برامج الاذاعة هذا الدرك؟ وهل من المعقول أن اذاعة تنفق كل هذه الأموال وخلال سنة كاملة لا تستطيع أن توفر مجموعة معدودة من البرامج التي تغامر بالمشاركة فيها بالمهرجان؟ وهل يعقل أن الاذاعة لا تشارك بمهرجان سنوي وهو مهرجان القاهرة الاعلامي المعروف تاريخ انعقاده وتكون الحجة في ذلك عدم استعداد الاذاعـــة للمشــــــاركــــة؟!
يا تلحّق... يا ما تلحّق...
يا معالي وزير الإعلام
معالي وزير الاعلام هل من الممكن أن يقدم مسئولو الاذاعة لك وللناس أسبابا مقنعة لعدم مشاركتهم بمهرجان القاهرة لهذه السنة ؟ وهل من الممكن أن يقدم لنا مسئولو الاذاعة بيانا بما حققوه من انجازات خدمت الاذاعة خلال سنة واحدة مضت؟ وما الأفكار والمشاريع والبرامج المبدعة الجديدة التي قدموها والتي تخدم مصلحة الاذاعة؟!!
معالي وزير الاعلام ان المأساة التي تعيشها اذاعة دولة الكويت على المستوى الاداري والفني والبرامجي كبيرة وتتعاظم يوما بعد يوم، فاذا لم يكن لمعاليكم التحرك السريع لانتشال الاذاعة من الهاوية السحيقة التي تتخبط في أعماقها فان النتائج ستكون وخيمة على سمعة الاذاعة محليا واقليميا وعربيا، ومن المؤكد بأن شيئا كهذا لن يرضاه ضميركم الحر، ولن تتقبله قدسية القسم بحفظ الأمانة التي تحملونها في أعناقكم.