رئيس الوزراء اللبناني السابق: خطَرٌ كبيرٌ جداً... إنكارٌ متمادٍ... ونحن على أبواب الدولة الفاشلة

تمام سلام لـ «الراي»: هناك غَضَبٌ سنّي بفعل التكليف المُعَلَّب لدياب... وبالرغم عنهم

1 يناير 1970 11:35 ص

 لماذا يكون القوي في رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان وتُستثنى رئاسة الوزراء؟

نحصد في لبنان تبعات 3 أعوام من البدع الـ «لا دستورية» والاستكبار السياسي والخطاب الفتْنوي 

 

رغم المخاوف المتزايدة من «خرابٍ كبيرٍ» قد يحلّ على لبنان في غضون أشهر قليلة من بوابةِ الانهيار المالي - الاقتصادي، فإن تشكيلَ الحكومةِ العتيدة تحوّل «خاصرةً رخوةً» في ضوء اعتراضٍ سنّي قوي رافَقَ ملابساتِ تكليف الدكتور حسان دياب تأليفها بقوةِ نفوذِ الأكثريتيْن المسيحية والشيعية، وملامح صحوة الانتفاضة الشعبية من جديد رفْضاً لمعاودة إنتاج السلطة حكومة شبيهة بسابقاتها، ومؤشرات إلى مَصاعب تعْترض مهمة دياب بسبب «قطب مَخْفية» تنطوي على حساباتٍ متباينة لرعاته أي تحالف فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل»).
ولم يكن عابِراً، يوم الاستشارات النيابية المُلْزِمة التي أفضتْ إلى تسمية دياب، وصْفُ رئيس الوزراء السابق تمام سلام اختيار هذا الأستاذ الجامعي بـ «عملية مُعَلَّبَة» في إشارةٍ إلى أن هذا التكليف جاء رغماً عن إرادة المكوّن السني في تقديم الأقوى والأقدر والأكثر تمثيلاً إلى رئاسة الوزراء، وهو لسان حال الغالبية في شارعِ هذا المكوّن ومنتدياته السياسية وربما الدينية، في اعتراضٍ بدأ يُثْقِلُ على الرئيس المكلّف الذي يعاني عزوفاً سنياً وازناً عن التوزير.
«الراي» التقتْ دولة الرئيس سلام في «جولةِ أفقٍ» على الواقع الخطر وغير المسبوق الذي يواجهه لبنان في الاقتصاد والمال والسياسة وأحوال الناس والأهوال التي تطلّ برأسها.
وفي إحاطةٍ شاملة للأوضاع الخطرة التي تمرّ بها البلاد، يحذّر سلام من «أن ما يزيد من حراجة المرحلة المقارباتُ الخاطئة وغير المسؤولة لِما نواجهه، بدءاً من التعاطي مع صرخة الناس التي عبّر عنها الشارع في حِراكه أو انتفاضته أو ثورته (أياً يكن التوصيف)، فما شهدناه لم يكن وليد ساعته أو أتى من فراغ أو نتيجة انفعال فكري أو إجرائي، إنما جاء بسبب تَراكُم لسوء الأداء والممارسة، وخصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة (مع بدء ولاية الرئيس ميشال عون)».
ولا يسلّم سلام بـ «البروباغندا» التي تحمّل الـ 30 عاماً الماضية، أي تجربة ما يُعرف بـ «الحريرية السياسية»، تبعة ما وصلتْ إليه البلاد اليوم «في اعتقادي أن هذا الهروب إلى الوراء هو محاولة للتعمية على ما حَدَثَ في الأعوام الثلاثة الأخيرة من بدع لا دستورية واستكبارٍ في السلوك السياسي. وما يُضاعِفُ من خطر ما نواجهه الآن هو مكابرة المسؤولين عما وصلْنا إليه وإنكارهم الذي لم يوّلد سوى الإرباك والمزيد من سوء التصرف، إلى أن بَلَغْنا ما نحن عليه الآن».
ولم يكن أدلّ على المضي في تهشيم المناعة الوطنية والقفز فوق مصلحة البلاد، في رأي سلام، من ملابساتِ تسمية رئيسٍ مكلّف لتشكيل الحكومة، وفي ظل الأوضاع البالغة الاستثنائية التي تتربّص بِنا «فبَدَلَ أن تُفْضي الاستشاراتُ النيابية المُلْزِمة إلى تكليفِ الشخصية الأكثر تمثيلاً والقادرة على مواجهة التحديات لتشكيل الحكومة، جرت تسمية أستاذ جامعي بأكثرية 69 صوتاً ومعارضة أكثر من 50 صوتاً (امتناع 42 عن تسمية أحد و13 سموا الدكتور نواف سلام). وتالياً فإن مَن دفعوا في هذا الاتجاه جعلوا الأمور ليست على ما يرام».
وبلغةٍ «عاقلة» تنطوي على النُصح والتحذير من «الشرّ المستطير»، يلاحظ تمام بك، الذي ترأس يوماً حكومةً «قامت بمقام رئيس الجمهورية» (ابريل 2013) أن أهل السلطة دأبوا على التشبّث بمقولة إن المراكز الأساسية الثلاثة في الدولة (رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة) يتبوأها القوي في بيئته ومكوّنه، متسائلاً «لماذا الإخلال بهذه المعادلة اليوم؟ ولماذا يكون القوي في رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان وتُستثنى رئاسة مجلس الوزراء؟ لماذا الإصرار على حرمان رئاسة مجلس الوزراء مما يجعلها قادرة وقوية؟»، منبّهاً «أنه في كل مَرّة يحصل استهدافٌ أو استضعافٌ أو استغيابٌ لمكوّنٍ من المكونات الأساسية يختلّ الميزان وتقع المصيبة... وهكذا هو الحال اليوم، وتالياً لا أدري على ماذا ستستقرّ الأمور».
هل جرى إحراجُ الرئيس الحريري لإخراجه؟ يجيب سلام «في إمكاني القول إن الرئيس الحريري، وهو ليس في منأًى في مكان ما عن الخطأ أو سوء التقدير أو التقصير، بَذَلَ في الأعوام الأخيرة جهداً كبيراً ومُضْنِياً من خلال مواقفه الإيجابية والبنّاءة لإنقاذ البلاد ودعْم مسيرة النهوض بالدولة، ودَفَعَ أثماناً من خلال اتهامه بتقديم تنازلاتٍ كثيرة. وكانت نياته طيبة وإرادته انصبّتْ على محاولةِ تحقيق إنجازات، لكنه لم يَحْظَ بأي تَعاوُنٍ من الآخَرين الذين مارسوا التعطيل والاستئثار واعتمدوا خطاباً توتيرياً فتْنوياً وعملوا على نكء الجِراح ونبْش القبور وكأنهم احترفوا طعْن التعاقد الوطني والتعاضد الذي غلَب عليه الاستفزاز والثأرية والسلبية، وبَلَغَ بهم الأمر حداً تَجاوَزَ التعصب في مقاربة ملف النازحين السوريين إلى العنصرية».
ويقرّ تمام بك بأن الإتيان بدياب لتشكيل الحكومة وملابسات تسميته يُقابَل بما هو أكثر من اعتراضٍ سني «هناك غَضَبٌ عند السنّة بفعل ما تم اعتماده من تكليفٍ مُعَلَّبٍ (لدياب) وبالرغم عنهم. الدكتور دياب، أستاذ جامعي وسبق أن تبوأ مركزاً وزارياً قبل نحو ثمانية أعوام لكن لا مكانةَ له في الشأن العام ولا وزن سياسياً، وهم (تحالف عون - الثنائي الشيعي) يقاربون الأمر وكأننا في أزمة سياسية عادية وفي حال استقرارٍ تَنْعَمُ بها البلاد، في حين أن الأوضاع غير ذلك، فنحن في مخاضٍ عسير وفي عيْن أخطار كبرى تتهدّدنا، وليس أقلّها الخطر الاقتصادي - المالي غير المسبوق»، معتبراً «أن هذه الأخطار تُمْلي المجيء بشخصيةٍ من الوزن الثقيل إلى رئاسة مجلس الوزراء، تكون مميّزة وقادرة ولها مكانتها، ليس فقط في الطائفة السنية بل في كل الوطن، شخصية تؤمّن تَوازُناً مع رئاستيْ الجمهورية ومجلس النواب، وهو ما يحدث عكسه الآن، فنحن أمام عملية معلّبة للإتيان بحكومةٍ مشكوك بشرعيتها السياسية ولا توحي بالثقة في الداخل ولا في الخارج، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار ما يتمّ فرْضه على الرئيس المكلف مِن الذين أتوا به».
وإذا تَرْجَمَتْ الحكومةُ العتيدة، بتركيبتها وتَوازُناتها، الاختلالَ الذي عبّرتْ عنه تسميةُ رئيسها، كيف سَيَتَمَظْهَرُ الاعتراضُ السني؟ يردّ سلام «هو مُتَمَظْهِرٌ الآن بقوة في الكثير من التحرّكات الشعبية، في الشارع وفي المنتديات ولدى مختلف الأوساط. فالشعور بالغبن والإحباط والغضب موجودٌ بعمْق لدى هذا المكوّن (السني) وتالياً فإن محاولة تَجاهُل وتَجاوُز وإهمال هذا الواقع لن نجني منه خيراً في البلد».
وفي تفسيره للاصطفاف المسيحي بوجه عودة الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة في ضوء موقف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، رأى أن «هذا الأمر أُخْضِعَ لمزايداتٍ مسيحية - مسيحية لا أكثرّ ولا أقلّ، لأنه لو أُخْضِعَ لموازين وطنية صِرفة في هذا الوضع الحَرِج لَأمْكن التوصل مع الرئيس الحريري إلى اتفاقٍ لمواجهة هذه المرحلة».
أما في مقاربته لموقف الثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل») الذي أدار الظهرَ للأكثر تمثيلاً في المكوّن السني (أي الحريري)، فاعتبر سلام «أن حزب الله المتوجّس من استهدافه كقوةٍ إقليمية يُعْلي الحسابات المرتبطة بالمواجهة في المنطقة، وهذا لا يساعد كثيراً على التوصل مع جميع القوى السياسية في الداخل إلى اتفاقٍ يحْفظ التوازنات الوطنية ويحمْي التوازن في موقع لبنان»، مضيفاً: «وما الأزمة التي نعانيها اليوم في بعض جوانبها إلا في هذا الإطار. فحاجةُ هذا المكوّن (حزب الله) إلى غطاء لبناني ومسيحي بالذات، هو ما يساهم في توطيد علاقته مع مكوّنٍ مسيحي وازن إلى حدود تَجاوُز الكثير من أخطاء هذا المكوّن. علماً أن هذه الأخطاء تُساهِم في إضعاف الوطن والدولة، ومع ذلك فإن حزب الله ليس في وضْع يمكّنه من التخلي عن هذا التحالف».
وعندما تسأله عن مغزى المجيء بحكومةِ «لونٍ واحدٍ» سارَعَ الإعلامُ الغربي إلى وصْفها بـ «حكومة حزب الله» في مؤشرٍ إلى صعوبةِ تَعاوُن المجتمع الدولي معها... وألم يُدْرِكْ مَن في يدهم القرار هذه الحقيقة؟ يتحدث الرئيس سلام عن لقائه السريع مع عون يوم الاستشارات النيابية المُلْزِمة فيقول: «استمعتُ منه إلى كلامٍ أَفْرَجَ فيه عن إدراكٍ للوضع المتردي في البلاد ولِما وصلتْ اليه الأمور ولِما ينذر بالأخطر إذا تَعاظَم المأزقُ المالي -الاقتصادي، وهو ما قد يدفع بِنا إلى الفوضى. من هنا كان يقول الرئيس إننا بحاجة إلى حكومة أصبح وجودُها ملحّاً لمواجهة الأزمة، وخصوصاً لجهة العمل على الحصول على مساعداتٍ من الخارج. وكان تعليقي المقتضب أنني لستُ متأكداً من إمكان مجيء مساعدات في حال تشكيل الحكومة». ويضيف: «فكيف الحال إذاً مع حكومةٍ مختلّة التوازن السياسي والوطني وناقصة المشروعية، وذلك رغم قدرتهم على تأمين الثقة لها في مجلس النواب ومحاولتهم إلباسها قناع التكنوقراط. إن حكومةً من هذا النوع لن ترمّم الثقة المفقودة بين الناس والدولة في الداخل ولن تشكّل رسالةَ ثقةٍ بلبنان في الخارج، إن بالنسبة إلى المجتمع الدولي أو بالنسبة إلى الدول العربية، ولا سيما الخليجية التي لطالما اعتمد لبنان على دعْمها في الماضي... لا يمكن للبنان الإطلالة على الخارج واستعادة الثقة به إلا من خلال حكومة تترأسها شخصية وازنة وموثوقة وذات صدقية».
ويخشى سلام في ظلّ هذا الإنكار المتمادي لِما ينبغي أن تكون عليه مواقف المسؤولين والمرجعيات والقوى السياسية، من تَعاظُم الأخطار على نحو أكثر فداحة وكارثية «الخطر كبير جداً وقد نصل في غضون شهرين أو ثلاثة وليس أكثر إلى وضعٍ، يسمونه في التعبير السياسي الدولة الفاشلة، فعندما تفشل الدول، يدهمها الانهيار ويَحْدُثُ الخرابُ ونصل إلى المحظور الذي لا يتمناه أحد... نعم ثمة رهان على إمكان تَكَيُّف اللبناني في مواجهة الأزمة، لكن علينا أن نزوّده بالحدّ الأدنى من القدرة على الصمود».
وأضاف: «عندما عُطِّلَتْ البلاد لعامين ونصف عام للمجيء بالعماد ميشال عون إلى الرئاسة حافظْنا على الحد الأدنى من الدور للدولة في ضخّ ما يحتاجه المواطن لتَجاوُز تلك المرحلة الصعبة، لكن الآن يحصدون ما زرعوه من سوء أداء وسوء ممارسة، ويتلهّون بالحملات على حاكم المصرف المركزي الذي بُحّ صوتُه من الصراخ وهو يناشد كبار المسؤولين والقادة السياسيين العمل على حلّ المشكلات السياسية التي ترْهق الواقعَ المالي والنقدي ويحذّر من أن الأمور قد تخرج عن السيطرة، حتى أنه صار يجتمع أسبوعياً مع رئيسيْ الجمهورية والحكومة... لستُ في صدد الدفاع عن بعض الإجراءات المالية التي اتُخذت تحت وطأة الأحداث السياسية، لكن المسؤول عما حلّ بِنا هو الأداء السياسي الذي مورس على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة خصوصاً».
وفي ما يُشْبِهُ محاكمة «ما قلّ ودلّ» لتجربةِ الحُكْم منذ انتخاب العماد عون رئيساً، أو ما يُعْرَفُ بـ «التسوية»، وصولاً إلى انتفاضة 17 أكتوبر، قال سلام: «ثمة فريقٌ أساسي في البلاد (التيار الوطني الحر)، يحلو له تحت عنوان الإصلاح والتغيير، ممارسة عكْسه تماماً. فهو لم يَعْتَمِدْ إلا العرقلة والتعطيل في مقاربته للأمور منذ نشأته وحتى اليوم... عطّل البلد لعامين ونصف العام ليصل إلى رئاسة الجمهورية، وهذه فلسفته الدائمة - خلافاً للعناوين التي يرفعها - التي تحْكم تجربته في العمل العام. وهذا الواقع شكّل عاملاً داخلياً أحْدَثَ اختلالاً وتقهقراً وتالياً أفسح المجال أمام تدخّلاتِ الخارج»، وأضاف: «غيضٌ من فيض هذا السلوك يتمثّل في مسألة الفساد التي يُكْثِرُ هذا الفريق الحديثَ عنها. وبعدما وضعوا يدَهم على بعض القضاء، يركّزون هجماتهم على استهداف شخصياتٍ معيّنة على نحو كيدي وغير مُطَمْئن وينطوي على تصفية حسابات، وهم يرفعون شعارات القضاء على الفساد فيما الشمس طالعة والناس قاشعة... الناس يريدون قضاء مستقلاً عصياً على التوظيف والاستخدام، لنبني وطناً».
هذا السلوك القائم على «الاستئثار والحقد والثأر من القوى السياسية الأخرى»، في رأي دولة الرئيس «يفسح المجال أمام عوامل أخرى خارجية لتأخذ مداها في لبنان وتَفْرض عليه ما يَخْدم مشاريعها».