لم يأتِ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة بجديد على صعيد السلوك الإسرائيلي العدواني الذي جبل عليه هذا الكيان الغاصب منذ نشأته! فالكيان الصهيوني الذي قام على أشلاء، وجماجم، ودماء الأبرياء في فلسطين المحتلة، والذي أحرق الأرض، واستباح المحرمات والمقدسات، لم يجد غضاضة بأن يكمل مسيرته الدموية ليضيف صفحة جديدة إلى سجله الإجرامي الأسود كما يفعل الآن في قطاع غزة. صحيح أن إسرائيل تأمل أن تضع نهاية للصواريخ الفلسطينية التي تنهال عليها من قطاع غزة، وصحيح أنها تريد أن تقضي على حركات المقاومة المسلحة، وتحديداً «حماس»، و«الجهاد الإسلامي»، لذا نجدها اتخذت حجة إطلاق الصواريخ ذريعة لتبرير عدوانها الإجرامي الأخير على القطاع، لكن الأهم من ذلك بالنسبة لها أنها تريد أن تثأر لكرامتها المهدورة في حرب تموز 2006، بعد الهزيمة التاريخية والاستراتيجية التي لحقت بها على يد «حزب الله»، وتهاوي قوة الردع الإسرائيلية، وهو ما أشارت إليه صحيفة الـ «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها في اليوم الثالث من العدوان على غزة عندما ذكرت بأن: «الهدف الرئيسي لعملية غزة، القضاء على قوة «حماس» وقدرتها العسكرية، ولكن الهدف الأهم تخليص إسرائيل من أشباح هزيمتها في لبنان عام 2006، واستعادة قوة الردع الإسرائيلية من جديد»! لذلك فإن ما قامت، وتقوم، به إسرائيل من جرائم حرب في قطاع غزة ليس بالأمر الجديد ولا بالمستغرب على هذا الكيان الدموي الإجرامي، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار جميع الأسباب التي أدت إلى هذه «المحرقة» الإسرائيلية الجديدة في القطاع!
كذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فالموقف الأميركي الداعم للعدوان الإسرائيلي على غزة ليس بمستغرب، بل يذكرنا تماماً بالموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام 2006! فالولايات المتحدة التي حذرت «حماس» بوجوب وقف هجماتها الصاروخية على إسرائيل، بدلاً من أن تطالب إسرائيل بوقف اعتدائها على غزة، هي نفسها التي حذرت «حزب الله» بوقف هجماته الصاروخية على إسرائيل! في حرب يوليو اكتفت الإدارة الأميركية بدعوة إسرائيل إلى تجنب إيقاع ضحايا مدنيين، دون أن تطلب منها وقف الغارات، لأنها تعتبر أن إسرائيل في وارد الدفاع عن النفس، واليوم نجدها تكرر الدعوة نفسها لإسرائيل إلى تجنب إيقاع ضحايا مدنيين دون أن تطلب منها وقف الغارات، لأنها اعتبرت ما تقوم به إسرائيل في وارد الدفاع عن النفس! وكما جرى أيضاً في حرب تموز حين كان العتاد العسكري المستخدم في العدوان على لبنان أميركياً بامتياز، وكلنا يتذكر القنابل الفسفورية الأميركية الخارقة للحصون التي ألقتها إسرائيل على لبنان، نجد اليوم أيضاً أن العتاد العسكري المستخدم في العدوان على غزة أميركياً، بل هو أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الأميركية، كما جاء ذلك في صحيفة «الجيروزالم بوست» الإسرائيلية التي ذكرت بأن سلاح الجو الإسرائيلي استخدم صاروخاً مخترقاً للحصون في الهجمات التي شنها على قطاع غزة، وهي الأحدث التي حصل عليها من الولايات المتحدة، إذ تم استخدامها للمرة الأولى في غزة! لذلك لا نجد أيضاً في الموقف الأميركي تجاه العدوان على غزة أي جديد كونها الراعي الرسمي للإرهاب الإسرائيلي، والشريك الأول في «المحرقة» التي تجري في غزة تماماً كما فعلت في حرب يوليو!
إذاً لا جديد في الموقف الإسرائيلي، ولا حتى في الموقف الأميركي تجاه الأحداث الدامية في قطاع غزة، إنما الجديد هو هذا الموقف العربي الرسمي السافر من العدوان الإسرائيلي على غزة! قد يقول قائل بأن الموقف العربي الرسمي، أو «محور الاعتدال العربي» لم يأت أيضاً بجديد، فالتواطؤ الرسمي العربي ليس وليد اليوم وإنما يمتد لأعوام طويلة ضد حركات المقاومة العربية! لكن نقول انه مع ذلك، كان «محور الاعتدال» العربي متمسكاً بـ «ورقة التوت» حيث كانت جميع اتصالاته «المتواطئة» مع الكيان الصهيوني آنذاك تجري خلف الكواليس، ومن «تحت الطاولة»، أما اليوم فبات الأمر مفضوحاً و«فوق الطاولة»، وعلى رؤوس الأشهاد! في حرب تموز اكتفى «المعتدلون» العرب بتحميل مسؤولية العدوان الإسرائيلي على مغامرة «حزب الله» كما أسموها، لكن اليوم نجد أن إعلان العدوان على غزة قد انطلق رسمياً من دولة عربية! في حرب تموز قامت إسرائيل بشن عدوانها السافر على لبنان فجأة، ومن دون إخطار مسبق للدول العربية، لكن اليوم نجد أن تسيبي ليفني وزيرة خارجية العدو الصهيوني تتبجح جهاراً نهاراً بأنها قد أبلغت دولاً عربية بشكل مسبق بالعملية العسكرية في غزة! أما وجه التشابه في موقف المعتدلين العرب بين حرب تموز والعدوان على غزة، أنهم في حرب تموز أوعزوا للكيان الصهيوني بضرورة القضاء على «حزب الله»، واليوم في العدوان على غزة نجدهم يطالبون إسرائيل بضرورة القضاء على «حماس»، كما أشارت إلى ذلك صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بأن بعض المسؤولين العرب طالبوا الكيان الصهيوني: «بقطع رؤوس قادة «حماس»! أما حاييم رامون نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية فقد ذكر بأن السعي لإسقاط حركة «حماس» يتم بالتنسيق مع بعض الدول العربية!
لكن على الرغم من حجم التواطؤ الرسمي العربي مع أميركا والكيان الصهيوني حيال ما يجري في قطاع غزة، إلا أننا على يقين بأنهم لن ينالوا ما يصبون إليه، سواء رغبتهم في إركاع «حماس»، والقضاء على حركات المقاومة العربية والإسلامية، أو من خلال الثأر للهزيمة الساحقة التي لحقت بهم خلال حرب تموز. إلا أنه وكما كشفت حرب يوليو عن الوجه الدولي القبيح تجاه حجم التواطؤ الدولي على لبنان في تلك الحرب، نجد اليوم كيف أن «محرقة» غزة قد كشفت أيضاً عن الوجه القبيح لبعض الأنظمة العربية المتخاذلة بعد أن أسقطت عنها «ورقة التوت»! وعليه نقول بأن غزة ليست وحدها التي تحترق جراء العدوان الإسرائيلي الإجرامي عليها، وإنما قد سبقها «المعتدلون» العرب الذين احترقوا بذل الخزي والعار!
عمار تقي
كاتب كويتي
[email protected]