سوق «مدربي النخبة» أصغر بكثير من طلب الأندية الكبرى
هل تعيش البطولات الأوروبية الكبرى في كرة القدم ظاهرة جديدة تتمثل في تولّي جيل شاب من المدربين مقدّرات عدد من أندية النخبة؟
السنوات الأخيرة شهدت دخول عدد كبير من الأندية خط المنافسة الجدية على اللقب القاري الأهم: دوري أبطال أوروبا، وهو ما يستلزم منها، عادةً، الاستعانة بمدربين مجرّبين على هذا المستوى الرفيع من الصراع.في الوقت نفسه، لا يتجاوز «مدربو النخبة» عدد أصابع اليد الواحدة إلا بقليل، وبات على شريحة من أندية المقدمة، بناءً على ذلك، أن تستعين بنوعية أخرى من المدربين.
اليوم، يتصدر المشهد التدريبي كلاً من الإسباني جوسيب غوارديولا، البرتغالي جوزيه مورينيو، الألمانيين يورغن كلوب وتوماس توخيل، الإيطاليين أنتونيو كونتي وماوريسيو سارّي وكارلو أنشيلوتي، الفرنسي زين الدين زيدان، والأرجنتينيين دييغو سيميوني وماوريسيو بوكيتينو.
أما الأندية التي تضع لقب دوري الأبطال هدفاً مركزياً ثابتاً فهي، مانشستر سيتي وليفربول (إنكلترا)، باريس سان جرمان (فرنسا)، يوفنتوس (إيطاليا)، بايرن ميونيخ (ألمانيا)، ريال مدريد وبرشلونة (إسبانيا).
الأندية «القوية» الأخرى، مثل تشلسي وتوتنهام ومانشستر يونايتد (إنكلترا)، بوروسيا دورتموند (ألمانيا)، أتلتيكو مدريد (إسبانيا)، روما ولاتسيو ونابولي (إيطاليا)، تركز أكثر في سعيها على الزعامة المحلية، دون أن تغفل عن دخول الصراع القاري في مرحلة لاحقة، إذا سنحت الظروف.
هذا الواقع يجعل سوق «مدربي النخبة» أصغر بكثير من طلب الأندية الكبرى.
وثمة عامل آخر يجب أخذه في الاعتبار في هذا السياق ويتعلق بكلفة مدرب الصف الأول، وهو ما قد يحوّل أنظار النادي، مهما كان كبيراً، إلى خيارات مختلفة.
أمام هذا الواقع، أخذت الأندية الكبرى الطامحة إلى مجد أوروبي أو محلي يعيد تفعيل دورها على خارطة الصراع، تنحو نحو خيار آخر يتمثل في مدربين شباب تتلمذوا على يد مدربين كبار عندما كانوا لاعبين قبل سنوات قليلة.
ويدخل تعاقد أرسنال مع الإسباني مايكل أرتيتا (37 عاماً) في هذا السياق، بيد أن اللافت في الموضوع أن أنشيلوتي كان متوافراً في السوق بعد إقالته من تدريب نابولي الإيطالي، وكان، في منطق الأمور، الأكثر تطابقاً مع مكانة «المدفعجية»، بيد أن إدارة الأخير فضّلت أرتيتا كونه لاعباً سابقاً في الفريق، وذلك على الرغم من خبرته التدريبية المتواضعة حيث سبق له العمل مساعداً لمواطنه غوارديولا في «سيتي» فقط.
وكان لافتاً أن أنشيلوتي (60 عاما) تولّى تدريب إيفرتون الإنكليزي. ولو حصل العكس، أي أن أرتيتا استقر في إيفرتون وأنشيلوتي في أرسنال، لكانت الأمور «نظرياً» أكثر قابليةً للاستيعاب بالاستناد إلى قيمة النادي اللندني وتاريخه مقارنةً بقيمة النادي الآخر الواقع في مدينة ليفربول، وبالنظر إلى تاريخ المدرب الإيطالي الغنيّ عن التعريف مقارنةً بسجل الإسباني اليافع تدريبياً.
تشلسي الذي سبق له الارتباط بمدربين على أعلى مستوى من بينهم أنشيلوتي نفسه ومورينيو (56 عاما) وسارّي (60)، اتخذ القرار الجريء، مطلع الموسم، بالارتباط بنجمه السابق فرانك لامبارد (41 عاما) الذي أبان عن حنكة لكن الوقت ما زال طويلاً للحكم عليه، علماً أن بدايته التدريبية سُجلت مع دربي كاونتي (درجة أولى) قبل التحول إلى «ستامفورد بريدج».
حتى مانشستر يونايتد الذي عانى إثر اعتزال مدربه الإسكتلندي الفذّ «السير» أليكس فيرغوسون، مال نحو الشباب من خلال الارتباط بلاعبه السابق النروجي أولي غونار سولسكاير (46 عاما) بعدما سبق له أن عاش تجربة مع الاسكتلندي الآخر دفيد مويس (56 عاما) والهولندي لويس فان غال (68 عاما) ومورينيو.
في إسبانيا، عكَس اعتماد برشلونة على غوارديولا (48 عاما) في 2008 نجاحاً كبيراً، والأمر نفسه ينطبق على ريال مدريد عندما تعاقد مع زيدان (47 عاما) في 2016، وعلى أتلتيكو مدريد منذ تولي سيميوني (49 عاماً)المسؤولية فيه العام 2011. ولا شك في أن هذا الثلاثي الذي اعتمد مدربين سبق لهم أن نشطوا كلاعبين في صفوفه أعطى مثالاً صارخاً عن إمكان الاعتماد وتحقيق النجاح مع الشباب.
ظاهرة تبنّي المدربين الشباب لا تعتبر شائعة في البطولات الأخرى بشكل كبير، فهي غائبة مثلاً عن فرنسا. وعندما نتحدث عن فرنسا، إنما نعني باريس سان جرمان، الوحيد القادر على «الصمود» أمام عمالقة «القارة» بفضل ما يمتلكه من نجوم صف أول.
سان جرمان اعتمد، منذ وصول الملّاك القطريين، على أنشيلوتي، الفرنسي لوران بلان، الإسباني أوناي إيمري، فالألماني الشاب توماس توخيل (46 عاما).
الجدير ذكره أن توخيل لا يملك رصيداً كلاعب، فقد تولى تدريب بوروسيا دورتموند بين 2015 و2017 محققاً نقلة نوعية معه قبل أن يستدعيه سان جرمان.
وفي ألمانيا، لا يُعتبر الاعتماد على الشباب كمدربين ظاهرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
بايرن ميونيخ وجد نفسه، في الموسم الراهن، بقيادة هانز-ديتر فليك (54 عاماً) بعد إقالة الكرواتي نيكو كوفاتش (48 عاماً) علما أنه سبق لهما أن ارتديا زيّ الفريق كلاعبين.
وثمة «ظاهرة» فريدة قد تكون الوحيدة في ألمانيا وتتمثل في يوليان ناغلسمان (32 عاما) الذي يدرب لايبزيغ المنافس على لقب الـ«بوندسليغا» بعدما سبق له أن أبدع مع هوفنهايم بين 2016 و2019.