سجلت وزارة الصحة إنجازاً طبياً نفتخر به بنجاح أول عملية جراحية كاملة لزراعة القلب في الكويت في مركز سلمان الدبوس في مستشفى العدان، ودعا وزير الصحة إلى زيادة الوعي لدى الجمهور حول أهمية التبرع بالأعضاء لما لها من دور في إنقاذ الأرواح، ولا شك أننا إذا وصلنا إلى هذه الدرجة من العطاء فإننا قد بلغنا أعلى درجات الإنسانية.
من بين كل الأخبار اليومية استوقفني هذا الخبر وجلست أفكر في تلك المعضلة الصغيرة شديدة التعقيد التي لطالما حيّرت العلماء والفلاسفة، فكانت موضع خلاف ومصدر إلهام ألفت حولها آلاف الكتب وتغنى بها ملايين الشعراء والعشّاق، ولكن ما لا يختلف عليه اثنان في هذا العالم أن القلب متى ما توقف عن النبض دقت ساعة النهاية وصار صاحبه في عداد الأموات.
في معرض البحث ظهرت لي كلير سلفيا وهي فتاة اشتهرت بعد أن أجرت عملية مزدوجة في زراعة قلب كامل ورئتين، فبعد ثلاثة أيام من العملية توجه إليها أحد الصحافيين وسألها عن شعورها بعد أن كتبت لها الحياة مرة أخرى، فجاء ردها الصادم أنها لا تريد سوى رشفة من الجعة وكان صادماً لأنها طيلة حياتها لم تجرب الجعة ولا تحبها!
بعد أيام لاحظت سيلفيا وذكرت ذلك في كتابها (تغيير في القلب A Change of Heart) أنها تستخدم الفلفل الأخضر في طعامها وهي التي قطعاً كانت لا تحبه ولا يدخل إلى منزلها!، ولم تتوقف الملاحظات التي كانت تدونها عن نفسها إلى هنا، ففي يوم من الأيام انساقت سيلفيا النباتية إلى محل لبيع الدجاج المقلي لا ارادياً، وطلبت طبق من الدجاج المقلي وتلذذت به للمرة الأولى في حياتها!، تلك التغيرات كانت موضع استغراب عندها، ولكن بسبب قوانين السرية الصارمة لم تكن تعرف سيلفيا صاحب القلب الواهب.
الغريب في القصة أن سيلفيا عندما توصلت إلى اسم المتبرع زارت أسرته لتشكرهم، واكتشفت أنه كان مدمناً على الجعة ويفضّل الفلفل الأخضر في طعامه، والأغرب أنه عندما توفي في حادث دراجة نارية كان في طريق العودة إلى منزله وكان يحمل كيساً من الدجاج المقلي!
التجارب في هذا الشأن كثيرة جداً ولطالما تكرر هذا السؤال... هل حقاً الموهوبون يتأثرون بالواهبين من خلال أحاسيسهم ومشاعرهم وتفضيلاتهم ولو بالشيء اليسير على اعتبار أن القلب يحمل في داخله خلايا عصبية؟!
على كل حال... كل ذلك يبقى مجرد احتمالات لم يجزم العلم بصحتها ويبقى الإنسان كائناً معقداً ومزيجاً بين المنطق والوجدان، حتى وإن كان يدعي أنه يتصرف من منطلق منطقي فانه حتماً يخضع للمشاعر من دون أن يعلم... ولكنني أعلم أن نجاح العملية الكاملة لزراعة القلب في مستشفى العدان مفخرة طبية، وإضافة لسجل إنجازات كويتنا وأن بادرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة تستحق منا وقفة تأمل وتفكر جادة.
مبارك لفريق الطاقم الطبي، والحمدلله على السلامة لصاحب القلب الجديد، الذي لعله في يوم ما يكون قادراً على الإجابة عن هذه التساؤلات؟