بادء ذي بدء أنا واحدة من الناس - إن كان فيه ناس غيري نفس حالتي - أجهل عدد اللاعبين في كل فريق لكرة القدم، بل والأدهى والأمر لم أكتشف أن اللعب على «كرة» واحدة إلا قريباً جداً، لا أعرف الفرق بين «الفاول» ولا «البنلتي»، بل لا أعرف منهما غير اسميهما تماماً مثل «المارون جلاسيه»، الذي تعرفت عليه أخيراً أو «بيض الصعو» اللي نسمع عنه ونشوفه، على عكس المثل!
في آخر أيام الطفولة وأول أيام المراهقة، تعرفت على المعلق الرياضي خالد الحربان، الذي كان يقدم برنامجاً مع الطلبة، صرنا نتابع صوته الجهوري وتعليقاته الخالدة «الحساوي يحط جوووووول»، و«معيوف معيوف لازم بتبدل» و«عنبري عنبري عنبري ياته الكرة»، وغيرها من التعليقات التي نسمعها ونحفظها ولا نفهمها، بات صوته الجهوري نقيضاً لصوت الإعلامي الأشهر في ذلك الوقت عبدالله المحيلان، حتى إن أبلة فايزة مدرسة الفيزياء تستخدمها لضبط السلوك في الفصل عند الحديث: أوعوا تتكلموا زي خالد الحربان (كانت تقولها بكسر الحاء)، اتكلموا زي المحيلان (بكسر الميم أيضاً... هذه التعليمات كانت بمثابة منهج حياة!
كبرنا، الحربان والمحيلان كبرا أيضاً، العنبري والحساوي ومعيوف اعتزلوا، ولم نعد نسمع شيئاً عن الرياضة، لم تعد ضمن اهتماماتنا، وللتدليل على تقدمنا في السن الذي كنا نسعى إليه ثم صرنا نهرب منه، صرنا نهتم بالربعي والسعدون والنفيسي، السياسيون المعروفون مع حفظ الألقاب، التي تغيرت وتبدلت مثل تغير وتبدل توجهاتهم، رحم الله من رحل وأمد في عمر من بقي وهداه وهدانا الله إلى سواء السبيل.
لم تصل نصيحة أبلة فايزة لأحد سوى طالبات صف أولى رابع، ففي صفوف مجلس الأمة على امتداد السنوات كان الجميع خالد الحربان ولم يكن بينهم عبدالله المحيلان، وهكذا تسيسنا ولم نتروض!
انشغلنا عن المباريات بالاستجوابات، لم يعد يجذبنا لا عربي ولا قادسية ولا حتى منتخب ومع ازدياد الحالة اللااكتراثية توجهنا نحو العالمية بين مشجعي برشلونة وريال مدريد، الذي كنت أسميه إلى عهد قريب رويال مدريد... ألم أقل إن معلوماتي في الرياضة تعادل معلومات الفيل في العزف على البيانو؟
من دون جدوى حاول بعض الرياضيين إقناعي أن مشكلة الرياضة في الكويت سياسية، وكنت أرد حتى مشكلة السياسة رياضية... لا أحد عنده روح رياضية وحين سمعت العبارة الشهيرة: لا تسيسوا السياسة ألهمتني إلى عبارة لم تنل حظها في الوصول إلى شهرة مماثلة: روضوا السياسة ولا تسيسوا الرياضة!
أمس رأت عبارتي النور، لم يعد أحد يهتم بالسياسة التي فرقت ولم تجمع، ثم جاءت الرياضة لتجمع ما فرقته السياسة خليجياً، ولتعوض الكويتيين عن حكومتهم الغائبة بفوز ثلاثي يعيد أمجاد الحربان والمحيلان بهدف بدران.