العمل عن بعد... توجه عالمي يصعب تطبيقه محلياً

1 يناير 1970 01:12 ص

السلمي: التواجد في المكتب طريقة المحاسبة الوحيدة للموظف الحكومي رغم اتساع البطالة المقنعة

الطواري:   ثقافة الشك في إنتاجية الموظف تمنع تطبيق النظام... رغم إمكانية مراقبتها إلكترونياً

رمضان:  «العمل عن بعد» يُفقد موظفي الحكومة الكثير من البدلات... ما يُصعّب المضي قدماً فيه




بات من المألوف، عالمياً، أن تقرأ أو ترى أو تسمع، إعلاناً من قبل شركة تكنولوجيا أو تسويق وعلاقات عامة، تطلب موظفين جدداً تتوافر فيهم المهارات اللازمة، من دون اشتراط حضورهم إلى مكان العمل.
فنموذج العمل عن بعد، بات متوفراً في الكثير من الشركات والمؤسسات حول العالم، التي تستهدف من تطبيقه  كسب العديد من الفوائد، منها تقليل التكلفة عبر توفير المال الذي تنفقه في إيجاد المساحات المكانية الكافية لاستيعاب الموظفين والخدمات الأخرى المرافقة لها، بالإضافة إلى التركيز أكثر على الإنتاجية. وفي المقابل، ينعكس تطبيق مثل هذا النظام بشكل إيجابي على الموظف نفسه، الذي سيجد مرونة في عمله وتقسيم أوقاته بما يتناسب مع واقع حياته، ويوفر كثيراً من التكاليف، لاسيما تجنب الازدحامات وبعد الطريق في طريقه إلى مكان عمله.
ورغم تلك الإيجابيات لنظام العمل عن بعد، إلا أن الناظر إلى واقع سوق العمل الكويتي لا يجد تطبيقاً كبيراً له، وخصوصاً في القطاع العام الآخذ باستيعاب المزيد من الموظفين رغم اتساع رقعة البطالة المقنعة فيه، في حين نجد بعض المحاولات من قبل القطاع الخاص لتبني مثل هذا النموذج بالعمل في بعض الوظائف.

النظام الاقتصادي
من ناحيته، أشار رئيس مجلس إدارة الشركة الكويتية للمقاصة، صالح السلمي، إلى أن تغلغل التكنولوجيا في جميع مناحي الحياة بات يمثل توجهاً قائماً في حياتنا اليومية، قدم لنا الكثير من التسهيلات الكبيرة في شتى المجالات، وهو يمضي باستمرار نحو تحقيق مزيد من الرفاهية وتبسيط الحياة.
ولفت السلمي إلى أن من بين انعكاسات تأثير التكنولوجيا في واقعنا ما نشهده في سوق العمل، عبر تمكين الإنسان من العمل عن بعد في العديد من الوظائف، موضحاً أن مفهوم العمل عن بعد متوفر بشكل ضئيل نسبياً في الكويت، خصوصاً إذا ما نظر إلى طبيعة النظام الاقتصادي في البلد، الذي يسيطر عليه القطاع العام بشكل كبير، في حين يُطبق القطاع الخاص نظام العمل عن بعد، بعض الشيء.
وأشار إلى ما يعانيه القطاع العام من قلة الإنتاجية، مع تكدس الموظفين والبطالة المقنعة، وبالتالي فإن طريقة المحاسبة الوحيدة هي التواجد في المكتب وتطبيق البصمة، في حين يستهدف القطاع الخاص تحقيق الإنتاجية، سواءً تواجد الموظف في المكتب أو خارجه، مبيناً أن تحويل الوظيفة إلى عمل عن بعد، يعتمد على طبيعة نشاط الشركة أو المؤسسة.
وأكد أنه بالإمكان مراقبة الموظف الذي يعمل عن بعد عبر ما يقدمه من إنتاجية، وبالإمكان ربط ذلك بشكل إلكتروني، موضحاً أن هناك العديد من الأمثلة لوظائف بالإمكان تحويلها إلى نظام العمل عن بعد، لاسيما في مجال التسويق.

فئات مستفيدة
من جهته، قال المدير والشريك في شركة «نيوبري» للاستشارات، عصام الطواري، إن بإمكان الهيئة العامة للقوى العاملة أن تجري تعديلات على التشريعات، تساهم في تحفيز نظام العمل عن بعد، لاسيما وأنه بات توجهاً عالمياً يمكن الاستفادة منه في العديد من المواقع، مع الأخذ بعين الاعتبار إعداد تشريعات تحكم العمل ولا تفتح المجال لأي تلاعب في موضوع التأشيرات «الفيز»، الذي قد يستغله بعض تجار الإقامات في عمل عقود لعمالة وهمية.
وأشار الطواري إلى أن ما قد يمنع تطبيق نموذج العمل عن بعد في الكويت، ثقافة الشك في إنتاجية الموظف، وأزمة الثقة تجاه العاملين الذين نريدهم دائماً أن يعملوا تحت نظرنا، مبيناً أنه بالإمكان من خلال استخدام التكنولوجيا التأكد من عمل الموظف عبر مراقبته من خلال نظام تحكم آلي.
وأوضح أن هذا النموذج من الممكن أن يفيد تحديداً فئات معينة، منها ذوو الاحتياجات الخاصة والسيدات اللاتي يفضلن البقاء في البيت، وكذلك من تضطرهم ظروفهم الصحية أو العائلية إلى الجلوس في المنزل، كما ينطبق الأمر على جهات العمل التي تقدم خدمات الاستشارات ومراكز الاتصال.
ولفت الطواري إلى أنه يمكن للقطاع الحكومي أن يحوّل بعض الوظائف إلى نظام العمل عن بعد، مثل خدمات مركز الاتصال، مع إطلاق خدمة «تشات» للتواصل مع العملاء، كما هو معمول به في العديد من المؤسسات الخاصة، داعياً إلى أن يسلّم القطاع العام الكثير من الخدمات إلى القطاع الخاص الذي يمكن أن يؤدي تلك الخدمات بشكل أكثر كفاءة وأقل كلفة.
ورغم المزايا التي يقدمها هذا النموذج من العمل، أوضح الطواري أن أجور الوظائف في هذا النموذج قد تميل إلى أن تكون أقل من غيرها، لكن هناك وظائف قد تجمع بين هذه الميزة وتحفيز الإنتاجية، من خلال وضع ضوابط معينة تمنح الموظف المتفاني مكافآت مالية.

التكنولوجيا والقوانين
أما الباحث بشؤون الاقتصاد والتمويل وتحليل الشركات، محمد رمضان، فأوضح أنه بالإمكان العمل من المنزل، ولا يوجد ما يجبر المرء للذهاب إلى الشركة أو المؤسسة، إن لم تكن طبيعة العمل لها خصوصية تتطلب الحضور، لافتاً إلى أن نظام العمل عن بعد لا يزال غير منتشر بشكل كبير في الكويت، وإن كان له بعض الحضور في وظائف بالقطاع الخاص.
وأشار إلى أنه يمكن تطبيق نظام العمل عن بعد على أي وظيفة لا تتعامل مباشرة مع مراجعين، مبيّناً أن أعمال مثل وظيفة الاستشاري بات بالإمكان أداؤها عن بعد، إذ بإمكانه تفحّص الأعمال المطلوبة، عبر البريد الإلكتروني، من أي مكان يتواجد فيه.
وأكد رمضان أنه من الصعب أن نجد نظام العمل عن بعد في القطاع الحكومي وكثير من أماكن العمل في القطاع الخاص، لاسيما مع تطبيق نظام البصمة، للتأكد من حضور الموظف إلى مكان العمل في الوقت المحدد، مرجعاً ذلك إلى أن الرقابة على الموظفين ليست بالمستوى المطلوب، فـ «عندما ما لا تعرف إن كان الموظف لديك يعمل أم لا، تضطر أن تأتي به إلى موقع العمل، لتراه يعمل أمام عينيك».
ونوه رمضان إلى أن مقياس العمل في القطاع الحكومي بات يعتمد على الحضور فقط وليس الإنتاج، كما أن هناك البدلات التي يحصل عليها الموظف نتيجة قدومه إلى مقر العمل، مبيناً أنه في حال تطبيق نظام العمل عن بعد، فهذا يعني عدم حصول الموظفين على مثل هذه البدلات.