لا شك في أنّ كرة القدم الحديثة تحوّلت إلى مصدر دخل مرتفع للغاية، مقارنةً بأي عمل آخر، تحديداً في أوروبا.
لكن ما هي الطريق «الطبيعية» التي يسلكها اللاعب، أي لاعب، بعد الاعتزال؟
البعض قد يعتقد بأنه يمضي بقية حياته مستمتعاً بالثروة التي جمعها، بيد أن الواقع يشير إلى أن هذا الخيار ليس الأوحد، خصوصاً وأن ثمة أرضيات قابلة لتسجيل انطلاقة جديدة في «مكان آخر»؟
في الحالات الطبيعية، يوقّع اللاعب عقده الاحترافي الأول في سن الـ17، فيما يمتد عمره الافتراضي في الملاعب 8 أعوام، مع العلم أن سن الـ35 هو الأكثر شيوعاً لوضع حد لأي مسيرة. لكن ذلك يخضع أيضاً للمركز الذي يشغله اللاعب داخل «المستطيل الأخضر».
فلاعب خط الوسط والهجوم مثلاً يعتزل في العادة في سن مبكرة مقارنةً بلاعبي الدفاع والحرّاس.
لكن ما هي المجالات التي يمكن للاعب أن يتوجَّه إليها بعد الاعتزال؟
ثمة من يميل إلى «الاختفاء التام» عن الصورة، وكثيرون، في المقابل، يجدون صعوبة في دخول «طلاق بائن» مع اللعبة، فيسلكون، أحياناً، طريق التدريب، مباشرة أو كمساعدين، في خطوة أولى، على هذا المسلك، او حتى مع فرق الناشئين قبل القيام بالخطوة الأكبر.
البعض الآخر يسلك طريقاً مختلفاً يتمثل في شغل مركز إداري في النادي أو ربما المنتخب، فيما يتحوّل بعضهم إلى كشّافين بحثاً عن لاعبين، أو سفراء للنادي، او ممثلين له في الاجتماعات أو المناسبات المحلية والخارجية.
آخرون يقتحمون عالم التعليق وتحليل المباريات، أو يتحوّلون إلى كتّاب على المواقع الإلكترونية أو الصحف الورقية والمجلات.
وثمة مجال يدرّ الملايين يتمثل في لعب دور «وكيل لاعبين» الذي بات موقعاً لا مفر منه، خصوصاً في المفاوضات المتعلقة بانتقال اللاعب من نادٍ إلى آخر، أو تلك المرتبطة بالرعاة.
بعيداً جداً
الليبيري جورج ويا، الإفريقي الوحيد الحاصل على «الكرة الذهبية»، في العام 1995، صنع اسمه في باريس سان جرمان الفرنسي، وخصوصاً في ميلان الإيطالي.
بعد الاعتزال، أسس حزباً سياسياً، وترشّح لانتخابات الرئاسة في بلاده وفاز بها، وهو مدين بما وصل إليه، إلى شعبيته الجارفة في كرة القدم.
ليس بعيداً عن ويا، اتجه نجم منتخب البرازيل الفائز بكأس العالم 1994 في الولايات المتحدة الأميركية، البرازيلي روماريو، إلى السياسة أيضاً بعد الاعتزال، وبات نائباً معارضاً في البرلمان، حتى أنه يتطلع لرئاسة البلاد مستقبلا.
اشتهر بانتقادته اللاذعة للمسؤولين الحكوميين وأعضاء الاتحاد البرازيلي لكرة القدم.
نجوم عدة تحوّلوا إلى التدريب وهم أكثر من أن يحصوا، لكن لا بد من الإشارة هنا إلى الفرنسي زين الدين زيدان الذي يعتبر أحد أفضل اللاعبين في التاريخ، قبل ان يتألق من على الدكة بقيادته ريال مدريد الإسباني للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات متتالية، والهولندي الراحل يوهان كرويف الذي سطر إنجازات عدة مانحاً برشلونة الإسباني أول لقب له في البطولة القارية الأهم، العام 1992.
يضاف إليهما الألماني فرانتس بكنباور والفرنسي ديدييه ديشان والبرازيلي ماريو زاغالو الذين حققوا لقب كأس العالم كلاعبين، ومن ثم كمدربين.
وكانت للأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا الذي لم تعرف اللعبة مثيلاً له والمتوّج بكأس العالم 1986 في المكسيك، تجارب عدة في مجال التدريب لم يحقق فيها النجاح المتوخى، على الرغم من قيادته «راقصي التانغو» الى تحقيق رقم مشجع تمثل في الفوز في 18 مباراة من أصل 24 أشرف فيها عليهم.
أما غريمه البرازيلي بيليه، بطل العالم 1958 و1962 و1970، فلم يسلك درب التدريب يوماً، بل عُرف، على مستوى واسع، بمناصبه الفخرية التي تدر عليه الملايين كسفير لبطاقات ائتمان وإحدى العلامات التجارية الرياضية، من دون أن ننسى دوره كسفير للنوايا الحسنة لدى الـ«أونيسكو».وتماماً كمارادونا، فشل الفرنسي تييري هنري، بطل العالم 1998 وأوروبا 2000، في مهمته التدريبية «الأساسية» الأولى مع موناكو، بيد أنه ما زال يملك الوقت لبناء مسيرته التي تحتاج الى خبرة وصقل، علماً أنه يعتبر أحد اللاعبين الذين تركوا بصمة راسخة في الدوري الإنكليزي الممتاز ضمن صفوف أرسنال.
«الظاهرة» البرازيلية رونالدو المتوج بمونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان وبلقب الهداف فيها، عاش في أزمة مالية في فترة من الفترات، قبل أن يستقر، وهو مالك شريك لفريق سباقات سيارات A1 البرازيلي وله مشاريع تجارية عدة، فضلاً عن شرائه، في الآونة الأخيرة، حصة الأغلبية في نادي بلد الوليد الإسباني، وامتلاكه حصة في نادي فورت لاودرديل سترايكرز المشارك في دوري أميركا الشمالية لكرة القدم.
أصبح رونالدو بعد الاعتزال عضواً في نادي «بوكر ستارز» وخاض مباراة بوكر خيرية ضد لاعب التنس الإسباني رافايل نادال، في ديسمبر 2013، وهو الآن سفير للنوايا الحسنة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
البرتغالي لويس فيغو، الفائز بـ«الكرة الذهبية» في العام 2000، يعتبر أحد أكثر اللاعبين المعتزلين نجاحاً في قطاع الأعمال.
بعد تعليق مسيرته، شارك بشكل نشط في برامج وأنشطة الاتحاد الدولي حتى أنه كان مرشحا لرئاسته في 2015 قبل أن ينسحب. تقلد منصب رئيس الدوري الهندي في 2016، وأسس موقعاً الكترونيا تجارياً وافتتح حانة في البرتغال، فضلاً عن دخوله في مشاريع أخرى.
أما الإنكليزي مايكل أوين الفائز بـ«الكرة الذهبية» في 2001، فقد تحول الى المجال الإعلامي ويملك حصة في شركة وسائل الإعلام الاجتماعية (سبورتس لوبستر).
ومعروف عن لاعب ليفربول ومانشستر يونايتد السابق، ولعه بسباقات الخيول.
وبالنسبة الى البرازيلي رونالدينيو فهو يشغل حالياً منصب السفير الرسمي لنادي برشلونة، بالإضافة إلى ظهوره الكثيف في المباريات الودية والتظاهرات الرياضية وفي عدد من الأغاني المصورة إلى جانب نجوم غناء عالميين.
الفرنسي إريك كانتونا، القائد السابق لمانشستر يونايتد، اقتحم عالم التمثيل بعد الاعتزال، وظهر في أفلام ومسلسلات وإعلانات تجارية عدة حقق منها مكاسب مالية كبيرة، وظهر كسفير فرنسي في فيلم «اليزابيث» من بطولة كايت بلانشيت في 1998، فضلاً عن انخراطه بشكل محدود في نشاطات سياسية.
وليس بعيداً عنه، قرر الإسباني غايزكا مندييتا، قائد الجيل الذهبي لفريق فالنسيا، بعد الاعتزال في 2008، الاتجاه إلى العمل في الملاهي الليلية وصالات الرقص كمنسق للأغاني (دي جي)، ليحقق الحلم الذي راوده منذ الصغر.
ولا شك في أن الإنكليزي ديفيد بيكهام يعتبر من أكثر اللاعبين وسامة في تاريخ كرة القدم، وهو حقق الملايين بصورة أكبر بعد اعتزاله نتيجة لذلك. هو ناشط في مجال الإعلانات وترويج الملابس الداخلية، وقد وظّف شهرته بشكل مثالي بعد زواجه من المطربة الشهيرة السابقة فيكتوريا آدامس.
وبمجرد اعتزاله، تفرّغ للترويج لعلامته التجارية برفقة فيكتوريا، ليجني أرباحاً سنوية تقدّر بأكثر من 70 مليون يورو سنوياً، بحسب مجلة «فوربس» الاقتصادية.
ويملك لاعب مانشستر يونايتد وريال مدريد وميلان وباريس سان جرمان السابق عقود رعاية مع شركات ومؤسسات عملاقة مثل «أديداس» و«سكاي سبورتس» و«سامسونغ» و«برايتلينغ» و«إتش أند إم»، وشركة في هونغ كونغ، كما يملك خطاً لإنتاج العطور من ماركة «كوتي».
وفوق ذلك، وقع اتفاقيات رعاية مع عدد من شركات السيارات الصينية ومع الدوري الصيني لكرة القدم، حقق من خلالها أرباحا هائلة.
يملك حالياً وكالة تدير شؤون اللاعبين، فضلاً عن نادي ميامي الأميركي لكرة القدم.
نجما اليوم
أما في ما خصّ اللاعبَين اللذين شغلا العالم في السنوات العشر الأخيرة، البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي، فيبدو بأن خطهما بعد الاعتزال شبه معلوم.
فقد أبدى رونالدو (34 عاما) رغبته في العمل في مجال الموضة والأزياء بعد الاعتزال، وأظهر في مناسبات عدة أنه شخص يحب الاعتناء بجسده وأناقته.
شارك في مجموعة من الإعلانات المخصصة للموضة والأزياء، وأطلق علامة ملابس داخلية وعطورا خاصة به، بالإضافة إلى أحذية جلدية ومجموعة من الملابس الجاهزة.
اتجه «صاروخ ماديرا» إلى خارج أوروبا وقرر اقتناء أرض في المغرب ليبني عليها فندقاً يدخل في إطار سلسلة «سي إر 7» للفنادق التي أطلقها في إسبانيا والبرتغال.
من جهته، يملك ميسي عقد شراكة مع «أديداس»، الأمر الذي يعود عليه بمردود جيد، لكن ليس من المؤكد أن يدوم ذلك بعد اعتزاله، إذ تقوم الشركة غالباً بفسخ العقود بعد توقف نشاط اللاعب.
يشتهر النجم الأرجنتيني بهوسه في العقارات وامتلاك البيوت والفيلات الفارهة.
خصص ميسي جزءا من ثروته في سوق العقارات من خلال تشييد مبانٍ سكنية داخل إسبانيا وفي مسقط رأسه في مدينة روزاريو الأرجنتينية.
كما أسس شركة صغيرة في البداية برأس مال 3 آلاف يورو لبيع وشراء الأراضي منذ 2010، لكن مع الوقت اتسع حجمها.
ويدير ميسي مجموعة من الشاليهات الفاخرة على نهر بارانا، وهي أشبه بمدن رياضية تضم ملاعب لكرة القدم والتنس، واستثمر فيها 20 مليون يورو.