كل المؤشرات تقود إلى الطعن به أمام «الدستورية»... واللائحة التنفيذية لا تستطيع إنقاذه

قانون «معادلة الشهادات»... بذورُ موته فيه

1 يناير 1970 04:28 ص

محمد الفيلي لـ «الراي»: 

- موظفو الدولة سيكونون مطالبين بمعادلة شهاداتهم إلا من يرد بحقه استثناء

- عدم صدور اللائحة خلال شهر يعد إخلالاً من السلطة التنفيذية

طلال العدواني لـ «الراي»: 

- القانون ينطوي على شبهة تمييز وعدم مساواة بين المستويات العلمية في الدولة

- ينطوي على ثغرات كثيرة وكان من المفترض أن يكون صارماً بشكل أكبر

فواز الجدعي لـ «الراي»: 

- لا يجوز المساس بالحاصلين على الشهادات قبل صدور القانون

- لا وضوح في الصياغة وتطبيقه مرحلياً من دون اللائحة التنفيذية أمر صعب جداً 

جمال الفضلي لـ «الراي»: 

- التعديلات عليه لا يمكن أن تقضي على سلبياته الكثيرة

- لا إلزام لكل الموظفين بمعادلة شهاداتهم بعد صدور اللائحة التنفيذية

 

على نار غير هادئة تتصاعد أدخنة الانتقادات الموجهة للقانون رقم 78 لسنة 2019 الصادر في أغسطس الماضي بشأن حظر استعمال الشهادات العلمية غير المعادلة، وسط ترجيحات بالطعن عليه أمام المحكمة الدستورية لتضمنه ما يُخالف الدستور الكويتي.
القانون، الذي خلّف وراءه عدداً من التساؤلات من دون إجابة، زاد طين إرباك المشهد بِلة وأضفى على الغموض غموضاً، في ظل تكهنات عما يمكن أن تعالجه اللائحة التنفيذية لهذا القانون في ظل عدم قدرتها على مخالفة النص، بعدما غرز هذا القانون بذور موته فيه وسط احتمالات أن يفتح الباب أمام تعويضات مالية قد يطالب بها المتضررون الذين ينتظرون معادلة شهاداتهم، وتعطلت مصالحهم لفترة طويلة بسبب عدم صدور اللائحة التنفيذية.
واللافت في القانون أنه نقل اختصاصات اعتماد الشهادات العليا من وزارة التعليم العالي إلى لجنة تضم في عضويتها العديد من الجهات الأكاديمية والفنية، على الرغم من أن رئاستها بيد وكيل وزارة التعليم العالي، وهو ما يعني أن الوزارة لم تعد الجهة الوحيدة المعنية بمعادلة الشهادات.
وإذا كان معلوماً أن القانون جاء ليحارب الشهادات الوهمية، إلا أنه لم يُعرّف ماهي «الشهادات العلمية غير المعادلة» التي يحظر استعمالها والتعامل معها، وماذا تعني المعادلة، هل هي للتأكد من أن الشهادة غير مزوّرة أم للتأكد من أنها صادرة من جامعة مُعتمدة؟
وسط تزاحم الأسئلة وتضرر الآلاف من القانون الجديد، لا سيما في القطاعين التربوي والصحي، حاولت «الراي» الإجابة عن بعض منها، عبر آراء خبراء دستوريين وقانونيين.

الفيلي
البداية كانت مع الخبير الدستوري أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت الدكتور محمد الفيلي الذي أكد لـ«الراي»، أن «القانون سيطبق بأثر فوري وليس بأثر رجعي، لأن تطبيقه بأثر رجعي يحتاج إلى موافقة مجلس الأمة بأغلبية خاصة»، لافتاً إلى أن «الموظف الذي تم تعيينه قبل صدور اللائحة التنفيذية للقانون، تعيينه سليم، ولكن لكي يستمر هذا التعيين سليماً فعليه معادلة شهادته، ومن ثم فإن موظفي الدولة سيكونون مطالبين بمعادلة شهاداتهم إلا من يرد بحقه استثناء، وهذا من الناحية العملية سيؤدي إلى اختناق» بسبب عدم القدرة على التعامل مع عشرات آلاف الشهادات.
وبيّن أن «اللائحة التنفيذية للقانون التي لم تصدر بعد، يمكن لها أن تقدر استثناءات بناء على احتياجات»، لافتاً إلى أن «الاعتداد بالمعادلة يكون وقت التخرج فالعبرة هل الجامعة معتمدة وقت التخرج أم لا؟».
وشدد على أن «المشرع حدّد أن تصدر اللائحة التنفيذية خلال شهر، وعدم صدورها خلال هذا الشهر يعد إخلالاً من السلطة التنفيذية بواجبها»، مؤكداً في الوقت ذاته أن «اللائحة التنفيذية لا يجوز لها أن تخالف القانون».

العدواني
من جانبه، قال الأستاذ المساعد بكلية القانون الكويتية العالمية الدكتور طلال العدواني لـ«الراي» إن «القانون ينطوي على شبهة تمييز وعدم مساواة بين المستويات العلمية في الدولة، ولا أرى أي داعٍ لتمييز مجموعة من الدكاترة عن آخرين»، مشدداً على أنه «لا يجب أن يوضع استثناء لأي شخص من الأشخاص»، في إشارة إلى المادة الثالثة من القانون التي تنص على عدم الاعتداد بأي شهادة دراسية أو درجة علمية غير معادلة، عدا أعضاء هيئة التدريس المبتعثين من الجامعات الحكومية.
واعتبر العدواني أن «شبهة عدم المساواة في القانون تفتح نافذة للطعن عليه أمام المحكمة الدستورية، والقانون لم يوضح أسباب استثنائه للمؤسسات التعليمية الحكومية»، مشيراً إلى أن «هذا الباب يفتح مشكلة الدولة في غنى عنها، وسيكبدها الكثير من المصروفات بسبب الطعون التي قد تقدم ضد القانون في المحاكم».
واعتبر أن «المادة الرابعة من القانون فتحت الباب أمام الاستثناءات الخارجية (بموجب اللائحة التنفيذية) وهذا يجعل القانون يحتوي على ثغرات تفتح الباب أمام الطعون»، مشيراً إلى أن «المادة السابعة (التي تنص على عقوبة بالحبس والغرامة لكل موظف عام قبل شهادة غير معادلة في أي معاملة رسمية) ستسبب إشكالات في عدد من قطاعات الدولة، ومنها القطاع النفطي، حيث لم تحدد هذه المادة وضع الموظفين قبل صدور القانون، فهناك مئات منهم يعملون في القطاع النفطي بمسوغ خبراتهم فقط وليس لديهم شهادات، وهذه الحالة تسمى شهادات عملية وليست شهادات أكاديمية».
ودعا إلى «الاستفادة من قوانين الدولة المتقدمة التي سبقتنا في هذا المجال وتلافي الأخطاء، حيث إن المجالات الموجودة في الكويت للحصول على شهادات معتمدة ضيقة جداً بعكس الدول التي تعتمد شهادات المراسلة والدوام الجزئي، لكن الكويت تعتمد على شهادات الحضور الدائم في الجامعة»، معتبراً أن «القانون لم يأخذ بعين الاعتبار أنواع الشهادات المختلفة مثل المراسلة أو الدوام الجزئي».
وأضاف: «كان من المفترض أن يكون هذا القانون صارماً بشكل أكبر، فقد حمل الكثير من الثغرات، وأتوقع الطعن عليه إما دستورياً وإما من جانب عدم المساواة وما احتواه من استثناءات»، معتبراً أنه «لا بد من اضافة مواد لهذا القانون توضح طريقة معادلة الشهادات».
الجدعي
وفي نفس سياق المنتقدين، قال أستاذ القانون الدستوري المشارك في جامعة الكويت الدكتور فواز الجدعي لـ «الراي»، إن «هذا القانون ينطوي على عدم وضوح في الصياغة، الأمر الذي يجعل تطبيقه مرحلياً من دون اللائحة التنفيذية أمرا صعبا جداً»، موضحاً في الوقت ذاته أن «القانون لا يمس وضع الشهادات التي كانت معتمدة ثم تم سحب اعتماد الجامعات التي أصدرتها، كما أنه لا يجوز المساس بالحاصلين على الشهادات قبل صدور القانون ولا يملك القانون بسط نفوذه إلا على من تخرّج بعد نفاذه».

الفضلي
وفي جزئية مهمة، أوضح الدكتور المحامي جمال الفضلي لـ«الراي» أن «القانون لا يُلزم كل الموظفين بمعادلة شهاداتهم بعد صدور اللائحة التنفيذية»، معللاً ذلك بأن «الموظف الذي اكتسب مركزاً قانونياً قبل صدور القانون لا يمكن المساس بمركزه».
وبيّن أن «أثر النفاذ الفوري للقانون يقتضي تطبيقه على كل تغيير في المركز القانوني للموظف يتطلب الاستناد الى الشهادة الدراسية، مثل المفاضلة بين الموظفين على شغل منصب إداري أو الترقية بالاختيار أو النقل الى وظيفة بكادر وظيفي خاص، فمثل هذه الحالات توجب تطبيق القانون، أما الترقية الدورية التي يحصل عليها الموظف فإنها ليست بحاجة إلى معادلة».
واعتبر أن «هذا القانون يحتوي على مادة لو عرضت على المحكمة الدستورية فسيتم الحكم بعدم دستوريتها، وربما يتكرر ما حدث في قانون البصمة الوراثية، وتبطل المحكمة الدستورية كل القانون بالكلية بسبب غموض الصياغة».
وشدد على أن «اللائحة لا يجوز لها أن تستثني بأي حال من الأحوال أي شهادة بما في ذلك الشهادات الصادرة من جامعة الكويت أو الهيئة العامة للتعليم التطبيقي»، مبيناً أن «كل الشهادات يجب أن تعرض على اللجنة التي يرأسها وكيل وزارة التعليم العالي حصرياً، ولا تعرض على أي جهة أخرى، ولا يجوز للائحة أن تستثني أي شخص أو جهة أو جامعة سواء كويتية أو غير كويتية لأن الاستثناء سيعرض الإجراءات للإبطال».
واقترح الفضلي «إلغاء القانون والعودة للوضع السابق إلى حين صياغة قانون جديد ينظم اعتماد ومعادلة الشهادات»، معتبراً أن «التعديلات على القانون الحالي لا يمكن أن تقضي على سلبياته الكثيرة».

حسين بوعركي لـ «الراي»: القانون يُحقق المصلحة العامة

في وجهة نظر مختلفة مع المنتقدين للقانون، قال الأستاذ المساعد للقانون الجنائي للأعمال التجارية وأسواق المال بجامعة الكويت الدكتور حسين بوعركي إن «المشرع عندما يصدر قانوناً فهو يواجه ظاهرة سلبية معينة بغرض التنظيم، والأصل أن المشرع يبتغي المصلحة العامة، وإن وجود سلبيات في القانون أمر طبيعي بسبب ارتفاع الوعي القانوني لدى المجتمع الكويتي، ولذلك تكثر الانتقادات»، مشيراً إلى أن «الشهادات الصادرة عن جامعات كانت معتمدة ثم تم سحب اعتمادها لن تواجه أي مشكلة».
وشدد على أن «القانون لا يمنع من الدراسة في جامعات غير معتمدة، ولكنه يجرم إظهار الشهادات الصادرة عن جامعات غير معتمدة وكأنها صادرة عن جامعات معتمدة»، لافتاً إلى أن «القانون في الوقت نفسه يمنع الاستفادة المادية من الشهادات غير المعتمدة».
وطالب بوعركي بـ«عدم الاستعجال وعدم استباق الأحداث كون اللائحة التنفيذية، التي تعمل على إعدادها أجهزة قانونية، ستنظم تلك الأمور»، لافتاً إلى أن «القانون نظم قضيتين أولاهما الظهور أمام الجمهور بشهادة غير معادلة بزعم أنها شهادة معادلة وأراد المشرع إنهاء هذه الظاهرة، وثانيهما هي الاستفادة المادية من هذه الشهادات غير المعادلة بتقديمها لجهات الدولة، والجميع يتفق على أن هاتين النقتطين من الأمور السلبية وبالتالي فإن القانون يحقق المصلحة العامة».