مثقفون بلا حدود

مدى حاجتنا لفن الكوميديا؟

1 يناير 1970 07:56 ص

إن مدى حاجتنا لفن الكوميديا تعني مدى حاجة الإنسان للضحك بأنواعه، فالكوميديا الضاحكة لا تقف عند اللباس الغريبة المضحكة، و لا الحركات اللافتة للنظر أو الانتباه، ولا حتى النكات المباشرة، بل تتعدى ذلك بكثير حتى تصل إلى التلاعب بالألفاظ وتغيير الحروف، ولكن الأهم من ذلك أن نقف عند رسالة الكوميديا، وما فوائدها، يشير الدكتور عبدالرزاق حماسي لذلك قائلاً: «ومن هنا تتخذ الكوميديا قيمتها العلاجية فهي دواء كطهر يزيل من النفس أدران الهم والقلق واليأس والحقد والتشاؤم حتى لقد يصح أن نتحدث عن ضرب من التطهير الكوميدي... والحق أن الابتسام والضحك والبشاشة والمرح والفكاهة والمزاح والدعابة والهزل والنكتة والملحة والنادرة والكوميديا، ما هي إلا ظواهر نفسية من فصيلة واحدة، وكلها إنما تصدر عن تلك الطبيعة البشرية المتناقضة التي سرعان ما تمل حياة الجد والصرامة والعبوس فتلتمس في اللهو ترويحا عن نفسها، وتبحث في الفكاهة عن منفذ للتنفيس عن آلامها وتسعى عن طريق النكتة نحو التهرب من الواقع الذي كثيرا ما يثقل كاهلها»أ.هـ.
ويثنـّي الكاتب الكويتي سليمان الفهد على ذلك قائلاً: «الإنسان يحتاج دوماً إلى النكتة والسخرية والضحك لمجابهة أعباء ومعاناة الحياة اليومية. وبهذا المعنى فالنكتة ظاهرة إنسانية يمارسها كل خلق الله في جميع أرض الله»أ.هـ.
هذه الجزئيات التي جمعناها من هنا وهناك، تراها ماثلة أمامك كأنموذج حي للممارسات اليومية في الفن الكوميديا (مسرح، تلفزيون، سينما). والسؤال هنا: لماذا هذا الشغف بالفنون الكوميدية؟ يبدو لي أن هذه الفنون؛ أولاً: قد لا مست مشكلاتنا الاجتماعية بطريقة فكاهية ساخرة تتطرق إلى البيروقراطية المملة في إنجاز المعاملات التي يعاني منها المواطن كل يوم وفي جميع بلدان العالم العربي، كذلك إلى الغلاء الفاحش، إلى سوء طرق المواصلات وغيرها الكثير؛ فجاءت هذا فن الكوميديا وكأنه صرخة غضب واحتجاج من أعماقنا إلى أصحاب القرار، كما جاء بلسماً بارداً يطفئ حرقة المظلوم والمقهور.
عادة في المسرح - أعني المسرح الحديث - يعتمد المخرج منذ البداية على الكوميديا بنسبة سبعين بالمئة من عرض المسرحية، ثم يستخدم شيئا من التراجيديا وهو بذلك يهيـّئ المشاهد للنهاية الدرامية للمسرحية، والتي يقصد من روائها تسليط الضوء على ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو غيرهما تفشت في المجتمع المحلي أو الدولي محاولا إيجاد أجع الحلول لها؛ فيدخل المشاهد ضاحكاً، ويخرج باكياً. أما في الأفلام فالوضع مختلف شيئاً ما فهناك تخصص للفيلم (الفيلم الرومانسي، الفيلم التراجيدي، الفيلم الكوميدي، الفيلم البوليسي، الفيلم العسكري، أفلام العنف والرعب التي غزت السينما حديثا)؛ ولكن لا يعني هذا أنه لا يوجد تمازج وتداخل في هذه الفنون؛ فالفن الكوميدي سواء أكان مسرحياً أو تلفزياً أو سينمائياً يحتوي على شيء يسير من التراجيديا والرومانسية، وهناك أفلام بوليسية كوميدية، وكذلك هناك أفلام عسكرية كوميدية، وللمخرج والفنان الكويتي القدير عبدالعزيز المسلم، تجربة رائعة في (مسرح الرعب) لاقت هذه التجربة نجاحاً كبيراً في الكويت ومحيطها.

[email protected]