السلطة ترمي مَخرجاً ملتبساً و«القمصان السود» يخترقون «مركزية الثورة»

«المارد» الشعبي في لبنان على «صموده» في وجه... الترغيب والترهيب

1 يناير 1970 02:27 ص

هل بدأتْ السلطةُ في لبنان عمليةَ «الانقضاضِ» على الثورة المتدحرجة عبر سياسة «العصا والجزرة» التي ارتسمت بوضوح أمس عبر المنابر وفي الميادين؟ وهل يكون الأسبوعُ الثاني من الانتفاضة مفصَلياً في تحديد مسارِها وإذا كانت سـ«تصمد» أمام القرارِ بتطويعها من خلال «تفخيخها» بإشكالاتٍ نقّالة أو تطويقها بـ«وعودٍ» سياسية قد تشكّل باباً لتفكيكها من الداخل ولـ«موتها البطيء»؟
سؤالٌ مزدوج «انفجر» في بيروت على وقع سعي السلطة إلى ترويضِ الثورة المتأججة التي واصلتْ أمس اندفاعتَها في جميع الساحات وعزّزتْ «دفاعاتها» بوجه محاولة «الإنزال» خلْف خطوطها من قبل أركان الحُكْم وهو ما تجلّى على جبهتيْن متوازيتيْن:
الأولى ما يشبه «الوعد بالأحرف الأولى» من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أكد خلال كلمته التي وجّهها للمتظاهرين «ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي من خلال الأصول الدستورية»، مع مطالبتهم بأن يكونوا أشبه بـ«قوة مراقبة دائمة» للسلطة في المسار الإصلاحي الذي أطلقتْه الحكومة تحت ضغط الشارع، ودعوةٍ للحوار مع مَن ينتدبونه.
ورغم أن «الثوارَ» تَعاطوا مع خطابِ عون على طريقةِ «لم نسمع الجواب» على مطالبتنا بالحدّ الأدنى باستقالة الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة ومَضوا باحتجاجاتهم الحاشدة العابرة للمناطق والطوائف والمَذاهب والأحزاب، فإنّ أوساطاً سياسية أبدت خشيةً من أن تكون «خريطةُ الطريق» التي رَسَمها رئيس الجمهورية من ضمن خطّة للسلطة لاحتواء «المفاجأة غير السارة» التي انفجرتْ بوجهها إما بـ«الحسنى» أو القوّة.
ولاحظتْ هذه الأوساط أن «مبادرة» عون شابها غموض كبيرٌ حيال ما إذا كانت تنطوي على نيةٍ في تعديلٍ حكومي يشمل بعض الوزراء (إلى جانب وزراء القوات اللبنانية الأربعة الذين استقالوا) ضمن تركيبة الـ30 وزيراً، أو تصغير الحكومة بتقدُّم عدد مماثل من الوزراء المسلمين باستقالاتهم، أو إجراء تغيير حكومي كامل، متوقّفة في هذا الإطار عند الإشارات المتناقضة الآتية:
* إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري انه اتصل بعون ورحب بدعوته الى ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي من خلال الآليات الدستورية.
* تأكيد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في ضوء كلام عون «ان المطلوب اليوم حكومة مصغرة حيادية كفوءة تنقذ تولّد الثقة لدى المواطنين».
* طرْح «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط مبادرة إنقاذية لحلّ سياسي للأزمة يقوم في جانب منه على «تغيير حكومي شامل بعد الاتفاق على حكومة جديدة أو بالحد الأدنى تعديل حكومي في الأسماء والحقائب يطول الوزارات التي تحوم حولها شبهات» وإجراء انتخابات نيابية مبكّرة.
* تركيز ابنتي عون، كلودين روكز وميراي الهاشم على عبارة «صار من الضروري إعادة النظر بالواقع الحكومي» في خطاب رئيس الجمهورية، والتي بلْورتها ميراي بتغريدة «اللبنانيون يطرحون الثقة بحكومتهم في الشارع بعدما تقاعس نوابهم عن ذلك»، في حين ذهبت كلودين أبعد عبر التحدث عن الانتخابات المبكرة قبل أن تسحب تغريدتها، في موازاة دعوة زوجها النائب شامل روكز «لترحل هذه الحكومة فوراً».
وترافقت هذه «الفوضى» في الأفكار والاستخلاصات مع تأكيد الأوساط نفسها صعوبة التفكير في تغيير الحكومة في ظل «الخط الأحمر» الذي رسمه «حزب الله» حول هذا الأمر، في حين يصطدم التعديل الوازن والذي قد يكون «مُغْرياً» (ولكن ليس كافياً) للحِراك أي استبدال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل برفْض مطلق من الأخير والرئيس عون، أما «التصغير» فدونه حسابات معقّدة ذات صلة بالتوازنات داخل مجلس الوزراء.
وفيما كانت السلطة ترْمي «صنّارة» المبادرات الناقصة وسط انطباعٍ بأنها لن تعمد لأي خطوة تنفيذية تنازُلية قبل فكّ الحصار عنها بفتْح الطرق المقطوعة، تسارعتْ وتيرة «الهجوم المُعاكس» على الأرض عبر مجموعة وقائع أبرزها مساء أمس مع «غزوة» نحو 200 من مناصري «حزب الله» وحركة «أمل» الساحة المركزية للثورة في رياض الصلح (وسط بيروت) رافضين أي شمول للحزب وأمينه العام السيد حسن نصر الله بشعار «كلن يعني كلن» ومفتعلين إشكالات مع المحتجين تخللتْها مواجهات واعتداءات أدى إلى سقوط جرحى، وسط محاولات من القوى الأمنية للفصل بين الطرفين، من دون أن يتضح المدى الذي ستبلغه «هجمة» القمصان السود الذين هاجموا خيم المعتصمين في الساحة.
وجاء هذا التطور على وهج الاعتداء الذي لم يكن «جف دمه» بعد في النبطية (الجنوب) وهي أحد أبرز معاقل الثنائي الشيعي والتي شهدت أول من أمس عملية فضّ بالقوة لتظاهراتِ دعْمٍ لـ«الثورة» أدت إلى جرْح نحو 27 شخصاً، لتقدّم المدينة نفسها أمس مشهداً استقطب العدسات مع مسيراتٍ حاشدة تحدّت «القمع» وشملتْ أيضاً كفر رمان، في موازاة استمرار الحِراك في صور وبعلبك.
وفي الإطار نفسه، أتى ثاني تَحرُّك «مضاد» دعْماً للرئيس عون، نفّذه مناصرو «التيار الوطني الحر» أمس أمام قصر العدل في بعبدا (حيث مقر رئاسة الجمهورية) تحت عنوان «الحرب على الفساد» ورفضاً لشعار «كلن يعني كلن» وذلك غداة اعتداء مجموعة (كانت مسلّحةً) بالضرب على محتجين كانوا يتجمّعون في منطقة مزرعة يشوع واتّهموا أحد مناصري «التيار الحر» بالوقوف وراءه بمساندة أحد الأجهزة الأمنية.
وفي موازاة هذا المناخ المشحون، برزت خشيةٌ من استغلالِ الحِراك وزخْمه وتحويره نحو أهداف سياسية داخلية أو ذات صلة بتطورات المنطقة، وهو ما عبّر عنه فتْح ملفات فسادٍ أوحت بأنها في إطار «انتقام سياسي» على غرار الادعاء على الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي (النيابة العامة التمييزية اعتبرته غير قانوني) والتلويح بفتْح ملف التخابر غير الشرعي الذي رُبطت به سابقاً إحدى محطات التلفزة الداعِمة حالياً للانتفاضة، وصولاً إلى الحملة المبرْمجة على حزب «القوات اللبنانية» على خلفية الهبّة الشعبية في المناطق المسيحية والتي بلغت حدّ خرج الوزير السابق وئام وهاب بتغريدة ملتبسة فُسرت على أنها «رسالة» للدكتور سمير جعجع اذ قال «كل المعلومات تتحدث عن شيء مريب في المناطق المسيحية وما نخشاه أن يكون هناك مَن ينصب فخاً للقوات لتقع فيه والدكتور جعجع ليس لديه حصانة نيابية او وزارية أو حتى سياسية بعد خسارة تحالفاته فليتنبه الظرف دقيق».
وفي الإطار نفسه، أثار التصويب المتمادي على مصرف لبنان المركزي وحاكمه رياض سلامة عبر تحرّكات، بعضها يدفعه «حزب الله» من الخلف، المخاوف من أن يكون الأمر من ضمن أجندة تنطوي على أبعاد تتصل بالرغبة في «لي ذراع» القطاع المصرفي (يواصل إقفاله اليوم) في إطار التصدي من الداخل للعقوبات الأميركية على «حزب الله» والمرشّحة للتمدد في اتجاه حلفائه.

أكد استعدادَه للقاء ممثلين عن المعتصمين والمتظاهرين

عون: يجب إعادة النظر
في الواقع الحكومي الحالي
من خلال الأصول الدستورية

| بيروت - «الراي» |

أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون أنه «أصبح من الضرورة إعادة النظر في الواقع الحكومي الحالي كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول بها»، مبدياً الاستعداد «لألتقي ممثلين عن المعتصمين والمتظاهرين وفتْح حوار بنّاء يوصل الى نتيجة عملية وتحديد الخيارات التي توصلنا الى أفضل النتائج كي نحقق أهدافكم من دون التسبب بالانهيار والفوضى»، متوجّهاً إلى المتظاهرين «أنا بانتظاركم».
وأكد عون في رسالةٍ وجّهها الى اللبنانيين أمس، وخاطب فيها المتظاهرين والمعتصمين بأن «صرختكم لن تذهب سدى، وأدعوكم جميعاً كي تكونوا المراقبين لتنفيذ الإصلاحات، والساحات مفتوحة دائماً أمامكم، في حال حصل أي تأخير أو مماطلة، ومن موقعي، سأكون الضمانة وسأصارحكم بكل ما يحصل. وسأبذل جهدي لتحقيق الإصلاح»، موضحاً «أن النظام، أيها الشباب، لا يتغيّر في الساحات، وصحيح أن نظامنا بات بحاجة الى تطوير ولكن هذا لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية».
وإذ شدّد على «أن حرية التعبير حق محترم ومحفوظ للجميع، ولكن أيضاَ حرية التنقل هي حق لكل المواطنين ويجب أن تُحترم وتؤمّن»، قال: «المشهد الذي نراه، يؤكد أن الشعب اللبناني هو شعب حي، قادر على الانتفاض، والتغيير، وإيصال صوته. ولكن مع الأسف، هذا المشهد ما كان يجب أن يحصل، وصرختكم كان يجب أن تكون صرخةَ فرَحٍ بتحقيق طموحاتكم وأحلامكم، وليس صرخة وجع».
وأشار إلى «أننا في بلد شراكة وديموقراطية. ورئيس الجمهورية، خصوصاً بعد الطائف، بحاجة لتعاون كل أطراف الحكومة ومجلس النواب، ليحقّق خطط العمل والإصلاح والإنقاذ، ويفي بالوعود»، مضيفاً «لا أقول ذلك لألقي المسؤولية على غيري. أنا في النهاية رئيس ومسؤول، ولم أوفّر وسيلة لتحقيق الإصلاح والنهوض بلبنان. لكن الحقيقة أن العراقيل كثيرة، والمصالح الشخصية متحكّمة بالعقليات، وكل يوم كنت أتكلم عن محاربة الفساد، وبالتأكيد كان هناك مَن يزعجه هذا الكلام. مع الأسف، أشخاص من المسؤولين».
ولفت إلى أن «من الضروري استعادة الأموال المنهوبة وأنا مَن يطالب باستعادتها وقد تقدمتُ بقانون من أجل ذلك»، وقال: «ظهرت حتى يومنا هذا، المليارات من الموازنات السابقة التي يتم التدقيق فيها في ديوان المحاسبة. وكل مَن سرق المال العام يجب أن يَحاسب، لكن من المهم ألا تدافع طائفته عنه بشكل أعمى».
وشدّد على التزامه «بإقرار قوانين مكافحة الفساد، لكن هذا الأمر هو من صلاحية مجلس النواب وأنا أطلب مساعدتكم لإقرارها»، مؤكداً «أن الورقة الإصلاحية التي أقرت (قبل أيام) ستكون الخطوة الأولى لإنقاذ لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، وكانت أول إنجاز لكم لأنكم ساعدتم بإزالة العراقيل من أمامها. لكن يجب أن تواكَب بمجموعة تشريعات لأن مكافحة الفساد الحقيقية تكون عبر قوانين يجب أن تُقرّ في أقرب وقت. فارفعوا أصواتكم، وطالِبوا نوابكم بالتصويت عليها فيتحقق إنجازكم الثاني».

«نور الثورة»... في «ساحة النور»

| بيروت - «الراي» |

... رجلٌ مبتورُ أحدِ الأطراف (قدمُه اليسرى) يقوم على قدم واحدة بمساعدة المعتصمين في ساحة النور (طرابلس) بحملة التنظيف في البقعة التي صارت «نجمة» الثورة البيضاء في لبنان. صورةٌ سرعان ما تحوّلت «الرقم واحد» في اليوم الثامن من «الانتفاضة الشعبية»، لما انطوتْ عليه من رمزيةِ نضالٍ ورهانٍ على غدٍ أفضل.
ولم يمرّ وقت طويل حتى كُشفت هوية أحد «أبطال الثورة» المجهولين وهو محمد الزعبي (42 عاماً)، الذي بُترت قدمه وكان في التاسعة من عمره بعد 7 سنوات من تعرّضه لحادث سير، وقد أبدى أحد الأطباء الاستعداد لتوفير تكاليف تركيب طرف اصطناعي له مع تأهيلٍ كامل.

لبناني داعم للعهد
يدهس متظاهرين في سيدني

| بيروت - «الراي» |

أفادت تقرير في بيروت بإصابة لبنانيين في سيدني، خلال إشكال حصل على خلفية تظاهرة، خرجت دعماً للانتفاضة في الشارع اللبناني، وأثارت غضب أحد المؤيِّدين للعهد (الرئيس ميشال عون)، الذي توجه بسيارته مسرعاً في اتجاه المتظاهرين فصدم عدداً منهم نقلوا الى المستشفيات.
وأفاد مراسل «وكالة الأنباء المركزية» في أستراليا أن الحادث وقع بعد قداس أقيم على نية لبنان، حضره أحد وزراء «التيار الوطني الحر» السابقين الذي كان ينوي إلقاء محاضرة ارتأت الجهة المنظّمة إرجاءها الى ما بعد إلقاء الرئيس ميشال عون كلمته، إلا أن ما جرى حال دون تقديمها.