محمد الدلال / أفكار / تخلخل السلطة

1 يناير 1970 06:49 ص
تعاني الأنظمة السياسية الاستبدادية أو الانفرادية، بمعنى الحاكم الأوحد، وكذلك الأنظمة شبه الديموقراطية، والتي تأخذ من الديموقراطية ما يتناسب مع فكر السلطة، من حرص بالغ على الاستحواذ والانفراد على حساب المشاركة الشعبية، وتكامل البناء الديموقراطي ودولة المؤسسات، كما تعاني من أزمات سياسية واجتماعية وتراجع في القبول الشعبي، وضعف في الأداء السياسي، وتخلخل في سيطرة السلطة على مؤسسات الدولة وفرض القانون. فالسلطة والأنظمة الحاكمة في العالم العربي، ومنها الكويت، ورغم خبراتها المتراكمة وتجاربها العديدة، قامت، بوعي أو بغير وعي، بالسباحة ضد تيارات التغيير الإيجابي في العالم، ولم تستطع أن تطور فكر السلطة، بما يتناسب مع المتغيرات الدولية والمحلية، سياسياً وإعلامياً واجتماعياً، وفضلت التمسك بنشوة البقاء بالسلطة والاستحواذ بالصلاحيات، التي حازت عليها في حقبة تاريخية سابقة، معرضة عن حجم التغيير في فكر وعقلية الجماهير وضرورات التغيير في الأداء المؤسسي للدولة.
لقد تجاهلت السلطة المتغيرات الدولية، ومنها بروز تيارات العولمة، والانفتاح الإعلامي الهائل، وثورة الاتصالات وتأثيرها البالغ على اسلوب حياة الجماهير ورؤيتهم للسلطة في إدارتها للدولة. كما لم تراعِ السلطة التزايد والاهتمام لدى الدول الكبرى، بحسن نية أو بسوء نية، بنشر الديموقراطية والحريات وشوق الشعوب لتبني ذلك، كما طاف على السلطة أن المراهنة على بقاء دولة الرفاهية والتهاء الشعوب بتجميع الثروات، خصوصاً لدى عدد من دول الخليج العربي، مراهنة محفوفة بالمخاطر وعدم الاستقرار، نظراً إلى المتغيرات الاقتصادية العالمية والإقليمية والأزمة المالية العالمية التي نعيشها، وهي مثال صارخ على ذلك.
أدى تجاهل السلطة للمتغيرات على النطاقين المحلي والدولي إلى تراجع دورها في الأداء السياسي والإداري العام، وبالتالي تراجع القبول العام لها، ما أدى إلى اختلال موازين تطبيق القانون واحترام المؤسسات. وقد كان هذا التراجع وغياب دولة المؤسسات لحساب بروز مجموعات المصالح والنفوذ الخاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على حساب المجموع والدولة واصبحت السلطة وقراراتها، ومن ثم مؤسسات الدولة التي هي أسيرة للواقع بما فيه من متناقضات أو مصالح خاصة، أو عمليات استحواذ للمال والنفوذ.
إن التغيير في عقلية السلطة اتجاه أسلوب تعاطيها مع الدولة ومؤسساتها، من ناحية، واتجاه تطلعات الشعوب بالمشاركة والتنمية أصبح أمراً حتمياً لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه، بل إن تفكير عدد من الأنظمة والسلطات في عدد من الدول بالتراجع عن خيار المشاركة الشعبية والديموقراطية خيار خاطئ، وسباحة ضد التيار العام، وخطوة في الاتجاه المعاكس للعصر، ومن شأن ذلك أن يساهم في تأكيد عدم صلاحية السلطة، أو قدرتها على إدارة الدولة، أو التعاطي السليم مع تطلعات الشعوب.
إن السلطة مطالبة أكثر مما مضى إلى إيقاف محاربتها لفكر هيمنة الدولة والنظام المؤسسي، فالدولة في الفكر السياسي الحديث، هي الأسبق، ولها الأولوية، والسلطة تابعة لها، وبالتالي فإن اعتراف السلطة بعلو دولة المؤسسات يُعتبر البداية الصحيحة في التغيير الإيجابي المنشود تتبعة خطوات لا تقل أهمية في السعي، وبإطار شوري ديموقراطي حقيقي، بتطوير الأنظمة السياسية لتمكين دولة المؤسسات، وفرض القانون، ودعم المشاركة الشعبية والحريات، وذلك بما يكفل فاعلية اجتماعية أكبر مع الدولة ورضاء عاماً عن الأطراف كافة الساعية إلى هذا التغيير الإيجابي، ومنها بلا شك السلطة، فهل من مدكر؟

محمد الدلال
كاتب كويتي
[email protected]