يعقوب العوضي / جماعة الأمر بالمعروف

1 يناير 1970 06:32 ص
صرح أحد الملتحين على صدر احدى الجرائد اليومية بأنه وجماعته دشنوا «جماعة» للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بناء على طلب عدد من الشباب الملتزم، وبان «نشاط هذه الجماعة سوف يبدأ من الصليبخات، ومن ثم يعمم على جميع مناطق الكويت، ولن يستخدموا العنف وسيكتفوا بالنصيحة والتذكرة، وبأن عمل الجماعة لايتعارض وعمل وزارة الداخلية، ولكنه مكمل لها للحفاظ على القيم والاخلاق».
هذا الشخص الذي تولى التصريح عن جماعته اعطى لنفسه الحق في تقييم المجتمع والناس وفرزه لهم بين صاحب دين وخلق وبين فاسق فاجر لايرعى الله في تصرفاته واخلاقهن، وقد نصب نفسه وجماعته قيما مراقبا على أخلاقيات المواطنين وتصرفاتهم، حتى لو اساء هو واصحابه في التعدي على عموم الناس ولو بالكلمة، وهو في هذا الامر جعل من نفسه منزها عن الوقوع في الخطأ والخطيئة والغلط وسوء الخلق، وكأنه جاء إلى هذا المجتمع منزلا من السماء لينقذه من الرذيلة والفجور الذي يعيش فيه وسوء الخلق والتدبير الذي ينمو بين ضلوعه وقد تعدى هو وصحبه كل ما يصيب الانسان من دمار في النفس وسوء في الخلق، والامر على هذه الصورة في انتشار هذه الجماعات لايعود إلى هؤلاء، ولكنه في الاصل يعود إلى الضعف الذي تعيشه الحكومة التي تنازلت وتراجعت عن كثير من حقوقها وحقوق البلاد للحفاظ على كيان المجتمع من الدمار والاندثار، ما شجع هذا الوضع في ان يتطاول على الدولة كل من رأى في نفسه رأيا يريد تطبيقه على الناس ويجعل من الآخرين خضوعا لارادته، ولا نذهب بعيدا عندما نرى ان كثيرا من التيارات السياسية في البلاد ما هي إلا بذرة كتلك التي ترى جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الجديدة نفسها اليوم فيه، وقد اصبحت هذه التيارات الآن هي الآمر الناهي في البلاد بعد استيلائها على المال والشركات والمناقصات والمراكز المهمة في الدولة وسيطرتها الاخيرة في شكل عنيف على وزارة النفط المدرة لخيرات البلاد كلها ومستقبل اجيالها ولاتريد الفكاك منها بأي صورة من الصور حتى مع الاخطاء الرهيبة التي ارتكبها وزيرهم الذي يمثلهم في الحكومة، كالمصفاة الرابعة وكهرباء طوارئ عام 2007 وشراكة «الداو كيميكال»، هذا الذي ظهر للناس كافة اما ما خفي فلا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وعدد من المستفيدين والمتنفذين من هذه المشاريع العملاقة.
نعود إلى القول الذي بدأناه بمقالنا ونكرر ان الضعف العام الذي اصاب البلاد من جراء الخوف من عدد من الكلمات التي يتقول بها بعض الذين تخشى الحكومة لسانهم جعل الوضع العام في البلاد وكأنه اصيب اصابة مميتة خلخل كيان الحكومة وجعلها تتمتع بالشلل التام، حتى عندما ارادت تطبيق قانون الفرعيات تراجعت بعد بداية المواجهة مع المخالفين لهذا القانون وتركت الحبل على الغارب وسارت الانتخابات الفرعية رغم ارادتها، كما هواها اصحابها لا كما هو القانون المفترض تطبيقه، فالخوف والتراجع هما السوسة النخرة التي تهد كل بنيان مرصوص، مهما كانت قوته وتماسكت قواعده، واهل الكويت عندما ارتضوا حكم الصباح لهم بالاتفاق معهم منذ ثلاثمئة عام فقد كان الحب والتراضي هو الاساس الذي قامت عليه البلاد وسارت عليه الامور بطبيعتها متعاونة بين الطرفين تحوطها المودة والاخلاص والتعاون والوفاء، اما سياسة الحكومة الحالية فجعلت الطارئين والنطيحة يتطاولون على ما تعارف عليه اهل الكويت من ثقة واخلاص وتعاون ومحبة بعد ان مشوا بركبه مئات الاعوام من دون تفرقة ونخر في السوس وهدم في البنيان وتآمر من الخارج، والتعاون معه نظير مصالح وقتية زائلة، ولتذهب البلاد إلى طوفان جهنم بعد تحقيق المنافع الذاتية.
فجماعة الامر بالمعروف بعد ان شاهدوا الوضع العام في الدولة لا تحكمه الاعراف ولا القوانين ولا الهيبة جعلوا من ارضها مرتعا يزرعونه بغضا وكراهية ونفورا وسموما تنبت تنافرا وبعدا وشقاقا ومعارك لا يعلم احد متى تتوقف وتنطفئ نارها، فالوضع وهو على هذه الصورة من السوء يستدعي من الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية التدخل فورا لايقاف مثل هذه الاشواك الشيطانية التي تنبت في ارض الكويت وتقتلعها من جذورها، كي تكون عبرة مستقبلية لكل من يتطاول على خلق الفوضى في البلاد، وتعريضها إلى التفتت والضياع والدمار.
ألا تعرف وزارة الداخلية ما يحدث في الدولة من تآمر ودسائس، وخلق الفوضى من قبل الطامعين والطارئين والموقتين تستهدف الكويت، ولم تكتشف ما يحاك لها من مؤامرات ومناورات وفتن، فإلى متى وهي متدثرة برداء دفء الشتاء الذي سرعان ما يزول تحت ضربات الشتات والدمار والاندثار.

يعقوب العوضي
كاتب كويتي
[email protected]