مئة وتسعون عاماً على تأسيسه / بريماكوف: معهد الاستشراق الروسي يمتاز بدراسات عميقة في شؤون البلدان العربية

1 يناير 1970 06:57 ص
| موسكو- «الراي» |
أكد الأكاديمي الروسي الشهير يفغيني بريماكوف، أن روسيا لا يمكن لها أن يتخلى عن البحث العلمي وحركة الاستشراق اللذان يعدان جزءا من تاريخها، ذلك لما توليه من أهمية بالغة للشرق الأوسط بصفة عامة. جاء ذلك خلال احتفال أقامه معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، بمناسبة الذكرى المئة والتسعين لتأسيسه، وقال بريماكوف: «ان روسيا لا يمكن لها أن تعيش من دون بحوث في مجال الاستشراق لأن هذا قد أرسي في تاريخ دولتنا، وأصبح جزءا عضويا منها». ووصف هذا المعهد بأنه واحدا من المعاهدة الرائدة في المجال الانساني. وقال بريماكوف: علما بأن بحوث موظفي المعهد يمتد من الشرق القديم وحتى العصر الحديث. وأن الشرق هو مهد الحضارة البشرية وموطن الديانات الثلاث، وأنه أنبغ الناس واحتياطات هائلة من الخامات المفيدة. كما أن كل ذلك يعتبر محط دراسة المعهد. وفي غضون ذلك لا يقوم موظفوه بدراسة الشرق فقط بل ويبذلون كل ما في وسعهم من أجل رسم سياسة روسية صحيحة ازاء الشرق. وقد أصبحت هذه السياسة متباينة في الآونة الأخيرة فانها لا تنطوي على توجه غربي بل وشرقي قوي للغاية.
وأعرب العميد السابق لمعهد الاستشراق (خلال الأعوام 1977 - 1985)، عن اعتقاده بأن العولمة الآن لم تعد تؤثر بتلك الصورة السلبية على الشرق كما يكتب عن ذلك في الكتب. وقال: «ان العولمة تعمل على دفع جزء معين من بلدان الشرق الى مصاف البلدان المتطورة. وأن هناك بالطبع مجموعة غير كبيرة من البلدان التي تنزلق الى القاع. وأن كل هذه العمليات تلقى الدراسة هنا في معهد الاستشراق».
كما أشار يفغيني بريماكوف الى أن المعهد يمتاز بدراسات متخصصة وعميقة في شؤون البلدان العربية. وقال ان خبراء حقيقيين يعملون هنا ينظرون بتعاطف الى الشعوب العربية، ويؤيدون نضال الشعب الفلسطيني في سبيل اقامة دولته. كما أن في هذا المعهد أصدقاء كثر للعالم العربي والاسلامي. وحول تاريخ المعهد قال مديره، أستاذ العلوم التاريخية، البروفيسور روستيسلاف ريباكوف: لقد تأسست أول مؤسسة استشراقية متخصصة في نظام أكاديمية العلوم الروسية في 1818م، وكان ذلك هو «المتحف الآسيوي». ومنذ ظهوره بدأ تاريخ الاستشراق الأكاديمي الروسي. ووجدت في المتحف: مستودعات حفظ المخطوطات الشرقية والنقوش على الخشب والكتب الشرقية والأوروبية الغربية الخاصة الاستشراق ومجموعة النقود الشرقية ومكتبة. وامتلك المتحف الآسيوي في سانت بطرسبورغ واحدة من بين أضخم مجموعات المخطوطات في العالم. وكانت دراسة دول الشرق الأوسط مرتبطة بمشاكل المناطق الشرقية للامبراطورية الروسية. واحتلت علوم ودراسات القوقاز ودراسة آسيا الوسطى وكازاخستان مكانا مهما للغاية في علم الاستشراق الوطني. وبالتالي كان العلم الروسي في النصف الأول من القرن التاسع عشر متقدما على جميع الدول الأوربية في دراسة التاريخ الحديث لآسيا الوسطى الاسلامية. ومثل تنظيم المؤتمر الدولي الثالث للمستشرقين في عام 1876 بمدينة سانت بطرسبورغ اعترافا بالخدمات الكبيرة للاستشراق الروسي في أسرة الاستشراق العالمية.
وأضاف ظلت مدينة بتروغراد- لينينغراد والمتحف الآسيوي بعد ثورة عام 1917 مركزا تقليديا للاستشراق، الذي احتفظ بالهيكلية التنظيمية في فترة ما قبل الثورة. وأسست في أبريل عام 1921 رابطة المستشرقين التي كانت تابعة الى المتحف الآسيوي، والتي انضم اليها المستعرب المعروف اغناتي كراتشكوفسكي. وقدمت في جلساتها تقارير عن نتائج بحوث المستشرقين. كما امتلكت الرابطة آنذاك منشورا خاصا بها أطلق عليه «المجلة العلمية لرابطة المستشرقين».
وتابع يقول: تعرضت هيئة البحوث الاستشراقية في الاتحاد السوفياتي عام 1930 الى تغييرات جوهرية. فقد تأسس بدلا عن المتحف الآسيوي ورابطة المستشرقين ومعهد الثقافة البوذية ومعهد العلوم التركية في لينينغراد معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية. بينما لم تتعرض مواضيع البحوث الى تغييرات كبيرة وظلت في ميدان الاستشراق التقليدي. وكانت نجاحات علم الاستشراق عظيمة ومؤكدة. ولقد درس في قسم الدراسات العليا التابع للمعهد لنيل درجة علمية قبيل بداية الحرب الوطنية حوالي مئة طالب. وخلال سنوات الحرب الوطنية تم نقل معهد الاستشراق الى طشقند. وذهب الكثير من العلماء الى الجبهة، وظل القسم الآخر في لينينغراد. واستشهد أثناء المعارك وحصار المدينة 37 من موظفي المعهد. ولم يمارس العلماء اللينينغراديون في طشقند مواصلة بحوثهم فقط، بل أعدوا وبالاشتراك مع زملائهم الأوزبكيين أعمالا بتاريخ وثقافة آسيا الوسطى. ولقد شارك المستشرقون العسكريون في سنوات الحرب الوطنية في العمليات القتالية ضد التسلط العسكري لليابان، ونفذوا واجبات القيادة عند دخول القوات السوفياتية الى ايران. حيث أعدوا مواد تُوصف مسارح العمليات العسكرية المستقبلية، كما أصدروا دليلا ومعاجم مختصرة، ومارسوا نشر الدعاية في صفوف قوات العدو والسكان، بالاضافة الى العمل التدريسي، وفي عام 1950 نقل معهد الاستشراق من لينينغراد الى موسكو.