«حديث الإثنين» استحضر «الغناء المصري في النصف الأول من القرن العشرين»!
فقد احتضنت القاعة المستديرة بمركز الشيخ جابر الثقافي، أول من أمس، الكاتب والشاعر والباحث محب جميل، الذي أصدر كتابين عن الغناء المصري، أحدهما بعنوان «فتحية أحمد مطربة القطرين» والآخر بعنوان «صالح عبدالحي، فارس الطرب»، وحاوره رئيس قسم الموسيقى في التربية الأساسية الدكتور فهد الفرس، ليتحدث عن «الغناء المصري في النصف الأول من القرن العشرين».
في البداية، استهل جميل حديثه عن الأسطوانة الحجرية، التي قال إنها لعبت دوراً خطيراً في الحياة الموسيقية فور دخولها مصر للمرة الأولى، وذلك مع بزوغ فجر القرن العشرين في العام 1903، موضحاً أن الجمهور تعرف من خلالها على طيف واسع من الأصوات التي أثرت الحياة الفنية، وكان من بين أصحابها المطرب الكبير صالح عبدالحي.
ولفت جميل إلى أن عبدالحي حمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على إرث موسيقي ضخم، انطلق مع رائدي النهضة الموسيقية عبر النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عبده الحامولي ومحمد عثمان، مؤكداً أن عبدالحي «أعاد تقديم إنتاج الرواد الكبار بحنجرته الأصيلة عبر وصلاته الغنائية التي احتفظت لنا الإذاعات المختلفة بمجموعة منها».
وتابع: «في ذاك الوقت كان عبدالحي أعلى المطربين أجراً، وأحد الذين افتتحوا الإذاعة المصرية في يومها الأول، إلى جوار القارئ الشيخ محمد رفعت وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وسامي الشوا، فكان مثل الدرة التي لمعت في سماء الطرب».
أما بالنسبة إلى الفنانة فتحية أحمد، فقال محب جميل إنها «بلا شك واحدة من الفنانات الثلاث اللاتي شكلن النهضة الغنائية في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، فهي ضلع في مثلث ذهبي إلى جوار منيرة المهدية وأم كلثوم»، مبيناً انه مع انطلاق الثورة الشعبية في العام 1919 التحقت فتحية أحمد بفرقتي نجيب الريحاني وعلي الكسار، «فأصبحت من ألمع مطربات المسرح الغنائي، كما تخطت شهرتها حدود الأراضي المصرية ووصلت بلاد الشام فباتت تلقب بمطربة القطرين. كما زاد إقبال الجمهور على حفلاتها وأسطواناتها وما تقدمه عبر الإذاعات من أعمال لكبار الملحنين، أمثال سيد درويش وزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وأحمد صدقي وآخرين، فكانت نموذجاً فريداً في القدرة على التصرف والارتجال داخل مسار اللحن وأصبحت مدرسة قائمة بذاتها».
وتحدث محب جميل عن أكبر تحديات رحلة بحثه قائلاً: «كانت مشكلتي الأساسية أن معظمنا تقريباً يعرف صالح عبدالحي اسماً، لكن تفاصيل حياته غير معلومة بشكل تفصيلي، ولاحظت أيضاً أن غالبية المعلومات عنه مكررة وليس بها أي جديد، فكان عليّ أن أبدأ من نقطة الصفر وأبحث عن مراحل حياته المختلفة بشكل أكثر توسعاً، فنحن نستمع طول الوقت إلى تسجيلاته المتوفرة على الشبكة العنكبوتية لكن السؤال: ماذا عن طفولته؟ كيف كانت نشأته؟ كيف كان تأثير خاله المطرب القدير عبدالحي حلمي في حياته؟ كيف دخل إلى دنيا الطرب؟ كيف عاش بعيدا عن عالم الأضواء والشهرة؟ وكل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات تفصيلية بلا شك».
ومضى يقول: «كان لا بد من العودة إلى الدوريات الفنية والاجتماعية المصرية منذ أن بدأ العمل في العام 1914 حتى رحيله في العام 1962. فعلى عكس فتحية أحمد التي احتاجت غالبية المعلومات عنها إلى إعادة النظر والتدقيق، كان صالح يحتاج إلى تفاصيل عديدة للتعرف إلى حياته أكثر فأكثر».
وألمح إلى أن أبرز ما لفت نظره بشكل شخصي وبحثي في سيرة صالح عبدالحي هي الحياة التي عاشها وحيداً، متنقلاً بين السهرات والأفراح التي يحييها، «وهذا الذكاء الفطري الذي امتلكه ومكنه من أن يدرك أدق التفاصيل في عالم الطرب والغناء. فبرغم الطفولة القاسية التي عاشها صالح، لكنه نجح في أن يكمل طريقه ويتجاوز كل العقبات».
واختتم جميل حديثه بالقول: «سعدتُ جداً خلال بحثي عن عبدالحي في الوصول إلى حلقات مذكراته النادرة، التي نشرتها إحدى المجلات، والأمر الغريب هنا أن المجلة لم تكن فنية بالأساس، لكنها اجتماعية شاملة وهي (صباح الخير)، فتلك الحلقات هي بمثابة وثيقة شديدة الأهمية ليست لكونها تسرد حياة صالح عبدالحي الفنية والشخصية، بل ترسم لنا صورة شاملة حول طبيعة الحياة الاجتماعية والفنية في مصر منذ الحرب العالمية الأولى حتى بداية الخمسينات».