أجد نفسي حائراً في تأييد أو رفض التدخل التركي في شمال سورية، والسبب يعود إلى أن الموقف التركي لم يكن من أجل نصرة قضية إسلامية أو عربية، وإنما استجابة لضغط جماهيري تركي يرفض إقامة كيان كردي على حدود تركيا، وهو ما يمهد لإقامة دولة كردية مستقلة، طالما حلم بها الأكراد وبذلوا الكثير من أجلها!
وقد تابعنا حركة (عبدالله أوجلان) رئيس حزب العمال الكردستاني، وهو حزب يساري ماركسي يسعى لشكل من الاستقلال عن السلطة التركية وبناء مجتمع ديموقراطي متحرر، وقد بدأ الحزب نشاطاً عسكرياً عام 1984 وخاض صراعات مريرة مع الحكومة التركية، إلى أن تم القبض عليه وإرساله إلى تركيا عام 1999 وحكم عليه بتهمة الخيانة العظمى، وقامت تركيا بتحويل حكم الإعدام بحقه إلى السجن المؤبد، في محاولة من تركيا للتلاؤم مع قوانين الاتحاد الاوروبي، طمعاً منها بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي والذي أوصد الباب في وجهها!
أفضل ما في التدخل التركي في شمال سورية هو وقوف الجيش الحر معهم، ومشاركة آلاف الجنود السوريين في التحرك التركي، وهؤلاء يمثلون الشرعية السورية، وكانوا مهيئين لتسلّم الحكم بعد سقوط النظام البعثي المجرم، ولكن تكالب الدول الكبرى على إجهاض ثورتهم وتركهم وحدهم في الميدان رغم التضحيات الكبيرة التي قدموها، ما سحب منهم البساط وتركهم في العراء، وقد قامت تركيا بتسليم المناطق التي حررتها من الأكراد إلى الجيش الحر ورفعوا علَمهم عليها!
أما الدول الغربية والعربية فقد تناقضت مواقفها من التدخل التركي، وشاهدنا النفاق من أكثرها فجامعة الدول العربية عقدت مؤتمرها الطارئ لإدانة التدخل التركي، واعتبره أمينها العام غزوا غاشماً رغم أن الجامعة لم تحرّك ساكناً عندما تدخل الروس تدخلاً غاشماً في سورية، وقصفوا المدن والمشافي وقتلوا مئات المدنيين العزل، ولم تتكلم بكلمة استنكار عندما تناوب الإسرائيليون على اختراق الأجواء السورية وتدمير أسلحة «حزب الله»، وتدخلت إيران لاحتلال المدن السورية وتهجير شعبها ونهب ثرواتها، بل لم تنبس ببنت شفة عندما قتل بشار الأسد مليون سوري وهدم مدنهم وهجر أهل سورية، واعتقل الآلاف منهم!
أما الغرب المنافق فقد كشف عن حقيقة الحريات التي يدافع عنها، ففي الوقت الذي يعاقبون فيه الذين نظموا استفتاء انفصال كاتالونيا عن إسبانيا بعقوبات تبلغ 13 عاماً سجناً، فإن الأميركيين قد سلّحوا أكراد سورية بشتى أنواع الأسلحة والمعدات بحجة التصدي لـ«داعش»، ثم قطعوا بهم الحبل وتخلوا عنهم، وقال ترامب كلمته المشهورة: لقد أبلى الأكراد بلاء حسناً ولكنهم قبضوا ثمن عملهم بتسليحنا لهم، ثم قام ترامب بسحب الجيش الأميركي من شمال سورية وأعطى أردوغان الضوء الأخضر لغزو شمال سورية، وبعد أن ثارت عليه الدول الغربية والأميركان، أمر بمعاقبة تركيا اقتصادياً، ثم سعى لوقف التدخل التركي!
أما الدول الأوروبية التي لم تسع يوماً من أجل الشعب السوري، كان همها منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى ديارها، فقد بكت على الأكراد ومصيرهم المشؤوم في ظل الغزو التركي!
لا شك أن الدول الغربية ما زالت غير مستعدة لإعطاء الأتراك حق إقامة دولتهم وإنما يتلاعبون بمشاعرهم ويسخرونهم من أجل مصالحهم!
القصة طويلة، وإنما نحن لا نزال في بداية المشوار، عسى الله أن يستر على هذه الأمة ويلطف بها!