«هبّة أهلية» واكبتْ عمليات الإطفاء المتعدّدة الجنسية

«لبنان يحترق» مع «بركان نار» اجتاح مناطق واسعة

1 يناير 1970 08:51 ص
  • الشوف «الجريح» أكثر المتضرّرين والمشرف صارت «أرضاً محروقة»

     

عاش لبنان في الساعات الماضية ما يشبه «فيلم الرعب» مع «بركان النار» الذي اجتاحتْ «حِمَمُهُ» مناطق عدة في الجبل والشمال والجنوب تَحَوَّلَ بعضُها... رماداً.
ومنذ فجر اليوم قبضتْ «غزوةُ النارِ»، التي كانت «حرائقُها السبّاقة» أطلّت برأسها يوم الاثنين، على المشهد في «بلاد الأرز» التي حبستْ أنفاسها مع الصور المُرْعِبة التي احتلّت الشاشات على طريقة «تلفزيون الواقع»، في عرْض مباشِر لـ «الفاجعة» التي لم تعرف البلاد مثيلاً لها والتي أدّت إلى مقتل مواطن ونقْل نحو 20 إلى المستشفيات ومعالجة نحو 100 آخرين «على الأرض».
وعلى مدار «الثلثاء الأسود» كانت فرق الإطفاء، التي ساندتْها طوافاتٌ «إطفائية» أرسلتْها كل من قبرص واليونان والأردن بناء على طلب لبنان، في «كرّ وفرّ» مع نحو 150 حريقاً تنقّلت بين المناطق، وطاردتْها العدسات التي ركّزت خصوصاً على «طوفان النار» في الشوف ولا سيما ساحله الممتدّ من الناعمة والدامور والدبية والمشرف، إلى جانب حرائق اندلعت في عاليه وتحديداً بتاتر وبعورتا وكفرمتى.
ولم تكن النيرانُ أحنتْ رأسَها في الشوف وعاليه (مساء اليوم) مع أمطارٍ مفاجئة بدأت كأنّها «هدية من السماء»، حتى انتقلت الكاميرات قرابة السابعة مساءً إلى كسروان مع ألسنة نيرانٍ بدأتْ تأكل منطقة حرجية في كفرحباب - غزير، إضافة إلى حرائق أخرى في المتن، وسط استمرار «حال التأهب» القصوى تَحَسُّباً لتجدُّد اشتعال بقع النار في المناطق أو اندلاع حرائق في بلدات لم يشملها «الكابوس» غير المسبوق لناحية «وحشيّته» في التهام الأخضر واليابس ومحاصرته المنازل والسكان.
وتحت وطأة «جهنّم الحرائق» التي بدا معها «لبنان يحترق»، هبّت البلاد في مواجهة «اختبار النار» وكأنها تكافح «باللحم الحيّ» في ظل غياب القدرات التجهيزية لأجهزة الإنقاذ والإطفاء التي استنفرتْ أقصى طاقاتها لاحتواء «الكارثة الوطنية» التي انخرط في الحدّ من انفلاشها المواطنون المدنيون الذين لبوا نداءات أحزاب سياسية وفرق الدفاع المدني و«زَحَفوا» بـ «سيترنات» المياه - التي غالباً ما شكّلت جزءاً من يوميات اللبنانيين الذين يتكيّفون على طريقتهم مع شحّ «مياه الدولة» - إلى «خطوط النار الأمامية» دفاعاً عن منازل لامستها الحرائق وإسناداً لوحدات الإطفاء التي ركّزت على «الجبهات الحرجية».
ولم تقتصر «الانتفاضة الأهلية» على النزول إلى «أرض المعركة»، بل شملت حملاتٍ إغاثية، قادت أبرزها النائبة بولا يعقوبيان، أفضت إلى توفير عشرات المنازل البديلة للعائلات التي اضطرت إلى إخلاء بيوتها ومواد غئاية وطبية، وذلك بعدما كانت دور عبادة دخلت على خط الدعم، سواء عبر إعلان أحد المساجد في الدبية (الشوف) بمكبرات الصوت فتْح أبوباه أمام مَن يرغب الأهالي من المسلمين والمسيحيين الهاربين من «جحيم النار»، أو من خلال تولي الكنائس في المشرف (الشوف) قرع أجرائها فجر الثلثاء ليستفيق الناس من نومهم وينجوا بأنفسهم من النيران والدخان بعدما «استفاقت» الحرائق في غفلة من فرق الإنقاذ التي كانت أخمدت القسم الأكبر منها.
وخطفتْ اللوحةُ السوداء التي ارتسمت في المشرف الأضواء بعدما أظهرت صور الحرائق حجم المأساة التي لحقتْ بالمنطقة التي تطغى عليها «الفيلات» والتي بدتْ أقرب إلى «الأرض المحروقة»، وذلك بعدما كان تمّ إنقاذ «جامعة رفيق الحريري»، و«مدرسة كارمل السان جوزيف» من النيران التي اقتربت منهما، قبل أن تتدحرج «كرة النار» نحو عدد من المناطق الشوفية الأخرى، كالدبية حيث تحولت نحو 12 سيارة رماداً، والدامور وتحديداً مقر جمعية (Arc en ciel) الذي تفحّم، وكذلك الناعمة حيث سُجلت أضرار في الأحراج وبعض المنازل.
وفيما انطبع اليوم المشؤوم بلقطاتٍ مؤثّرة عبر وسائل الإعلام، بينها رسالة لمراسلة «الجديد» حليمة طبيعة التي ظهرت وهي تبْكي وتصرخ طالبة النجدة على وقع أصوات استغاثة كان يطلقها أسخاص عالقون بين النيران داخل منازلهم في الدامور، كان لبنان الرسمي «على سلاحه» يحاول من جهة تحديد أسباب الكارثة التي راوحت بين العوامل الطبيعية وارتفاع الحرارة أعلى بكثير من معدلاتها الموسمية، وبين العمل المفتعل (وهو ما انطلقت تحقيقات قضائية لحسْمه) ويسعى من جهة أخرى لاستجلاب الدعم الجوي من دول صديقة لم تتأخّر في الاستجابةِ التي دخلت على خطها أيضاً قوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تابع منذ ليل الاثنين - الثلاثاء اتساع رقعة الحرائق التي اندلعت في عدد من المناطق اللبنانية، وتلقى تقارير حول الأضرار التي لحقت بعدد من الأحراج والمباني والمنازل. وأعطى توجيهاته لوضع كل الامكانات بتصرف الفرق التي تتولى عمليات الإطفاء، منوها بالجهود التي يبذلها رجال الدفاع المدني والاطفاء لمكافحة الحرائق، بدعم من القوى البرية والجوية في الجيش اللبناني.
وأوعز عون الى المعنيين وجوب تقديم مساعدات عاجلة الى المواطنين الذين اضطروا الى مغادرة منازلهم المحاصرة بالنار، وتقديم الإسعافات اللازمة ومعالجة المصابين من السكان او من الذين يكافحون النيران. كما طلب رئيس التحقيق في الاسباب التي ادت الى توقف طائرات «سيكورسكي» الخاصة بالإنقاذ وإطفاء الحرائق عن العمل منذ أعوام، مطالباً بإجراء كشف سريع على الطائرات الثلاث لتأمين قطع الغيار اللازمة لها تمهيداً لإعادة تشغيلها.
وترأس رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري جانباً من اجتماع الهيئة الوطنية لادارة الطوارئ والأزمات والكوارث التي التأمت منذ الصباح في السرايا الحكومية، في حضور وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن، والمعنيين.
وخلال الاجتماع، قال الحريري: «مع الاسف، اننا نشهد حرائق متكررة، هذا الامر يحصل في العالم كله ونحن نبذل كل الجهود الممكنة مع غرفة العمليات وكل الأجهزة المعنية من جيش وقوى أمن ودفاع مدني والمحافظين والبلديات والدفاع المدني والصليب الاحمر لإخمادها في أسرع وقت».
وأضاف: «أجرينا انا ووزيرة الداخلية اتصالات مع عدد من الدول لإرسال طوافات وطائرات إضافية لإطفاء الحرائق التي شبت في العديد من المناطق اللبنانية والعمل على مكافحتها والحد من انتشارها. وأهمّ شيء بالنسبة إلي ان لا خسائر في الارواح، وبالتأكيد سنفتح تحقيقا بما جرى لنعرف كيف بدأ هذا الأمر. لا أود أن أوجّه أصابع الإتهام الى ايّ كان ولكن يجب إجراء تحقيق واضح لمعرفة اذا كان ما حصل مفتعلاً ام لا، واذا كان مفتعلا فيجب على الذين قاموا به ان يدفعوا الثمن».
وتابع: «لقد طلبنا مساعدة الدولة الايطالية، ولم نترك جهة الا واتصلنا بها للمساعدة، وأجرينا اتصالات بالاوروبيين الذين سيرسلون وسائل مساعدة كي نتمكن من السيطرة أكثر على الحرائق المندلعة».
وعن عدم الاستعانة بالطائرتين الموجودتين في المطار لاطفاء الحرائق، قال: «تمكنا أمس من اخماد الحريق، ولكن لسوء الحظ هبت رياح ساخنة أدت الى إعادة اشتعاله، نحن في حاجة للطائرات في بعض المناطق التي لا يمكننا الوصول اليها. المشكلة الأساسية التي كنا نواجهها في البداية هي عدم تمكننا من ارسال طائرات الهليكوبتر كي لا تصطدم بخطوط التوتر العالي، فكان من الضروري ان نستعين بالطائرات التي أرسلتها قبرص. أما بالنسبة الى الطائرات الموجودة فهي قديمة وفي حاجة الى صيانة. اليوم هناك طائرات وطوافات تابعة للجيش، وهناك 4 طائرات ستأتي للمساعدة، وإلقاء اللوم في هذا الموضوع وفي هذا الوقت بالذات لا يساعد اطلاقاً».
وكان وزير الداخلية السابق زياد بارود كشف أنّ طوافات السيكورسكي الثلاث التي استُقدمت قبل نحو عشرة أعوام كانت هبة قُدّمت إلى الدولة اللبنانية بقيمة 13 مليون دولار، مشيراً إلى أنّ المشكلة بدأت بعد 3 سنوات عند انتهاء هبة الصيانة التي تكلف نحو 150 ألف دولار سنوياً، موضحاً أنّ الطوافات تستوعب 3000 إلى 4000 ليتر مياه وعملت خلال 3 سنوات على إخماد ما لا يقل عن 11 حريقًا.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني أنه «على إثر الحرائق التي إندلعت في خراج عدد من المناطق وأتت على مساحات واسعة من الأشجار الحرجية المتنوعة ولامست المنازل في عدد منها، وضع الصليب الأحمر فرقه في حال من الإستنفار كما أقام مستشفى ميدانياً أمام مركزه في الدامور، وتمكنت فرقه منذ ما بعد منتصف ليل الإثنين وحتى صباح الثلاثاء تقديم الإسعافات الأولية في المستشفى الميداني وفي عدد من المناطق ونقل حالات أخرى إلى المستشفيات»، وذلك قبل أن يُعلن مقتل المواطن سليم ابو مجاهد (32 عاما) على أثر نوبة قلبية ألمت به خلال مساعدته في إطفاء الحرائق في بلدة بتاتر (عاليه)، ولم يصمد حتى بلوغ المستشفى.