حديث عظيم رواه المستورد القرشي عند عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعُهم من ظُلم الملوك». (رواه مسلم).
هذه الصفات التي ذكرها عمرو بن العاص في صفات الروم، وهم الغرب في يومنا هذا، تمثّل السر في تفوقهم على العالم وحوزهم للسبق في كثير من المجالات!
تصورت تلك الصفة الخامسة وأنا أستمع إلى خطاب رئيسة المحكمة العليا البريطانية، وهي عجوز في الثمانينات من عمرها، تتكلم عن مخالفة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وذلك بعد أن كذب على الملكة وأقنعها بضرورة تعطيل البرلمان البريطاني خمسة أسابيع، وذلك ليتسنى له تحقيق وعده بالخروج من الاتحاد الأوروبي على نهاية شهر أكتوبر حتى من دون اتفاق!
وقد أبطلت المحكمة تعطيل البرلمان، واتهمت جونسون بالكذب وبمحاولة إجهاض نفوذ السلطة التشريعية!
لقد حاول جونسون تقليد شبيهه ترامب بممارسة البلطجة على الشعب الانكليزي، متناسياً أن النظام الرئاسي الأميركي يعطي الرئيس صلاحيات واسعة، عكس النظام البرلماني الذي تطبقه بريطانيا، ومع هذا فإن الحزب الديموقراطي الأميركي يسعى لعزل ترامب (Impeachment)، وقد يحصل على الأصوات الكافية لذلك، رغم مرور ثلاث سنوات على حكمه!
النظام الديموقراطي البريطاني يعتبر من أعرق الأنظمة في العالم، وقد تم ترسيخ ذلك النظام خلال قرون من الصراع بين الملكية والشعب، وهو النظام الوحيد الذي ليس له دستور مكتوب، ولكن ممارسات يتم تدوينها والاستدلال بها!
قارن ذلك بأنظمتنا العربية في غالبها التي تدعي الديموقراطية، وهي أشد الأنظمة عداء لها، بل تشرّع الديكتاتورية والظلم وتكذب على شعوبها، ولعل التجربة الجديدة في السودان تكون بداية لترسيخ نظام جديد يقوم على العدل والمساواة بين الناس!
أما في الكويت والتي تعتبر الأفضل على مستوى العالم العربي، فإن نظامها الديموقراطي يقوم على أسس قوية وثابتة، لكن مشكلة السلطة هي في عدم قناعتها بتسليم الشعب حقوقه كاملة، والتدخل كثيراً لتقويض حرياته التي كفلها له الدستور عن طريق التزوير أحياناً، وشراء ذمم ضعاف النفوس وتغيير القوانين وصراع الأقطاب!
نحن بحاجة إلى عقود طويلة قبل أن نحقق المناعة من ظُلم الملوك!