ألمانيا... تحت «الحراسة»

1 يناير 1970 06:32 م

يمر منتخب ألمانيا لكرة القدم، في الفترة الراهنة، بمرحلة دقيقة للغاية، من شأنها أن تحدد مصير السنوات القليلة المقبلة من تاريخه.
ثمة من ينظر إلى تشكيلة المدرب يواكيم لوف بنظرة تفاؤل، وثمة من يرمقها بتشاؤم.
كثيرة هي المواهب، لكن المنتخب غير مستقر، على صعيد النتائج، منذ نكسة كأس العالم 2018 في روسيا، والخروج المخجل من الدور الأول، للمرة الأولى منذ حوالي 80 عاماً.
هذه المرحلة الانتقالية التي يمر بها الـ«ناسيونال مانشافت»، وتشهد إحلالاً تأخر بعض الشيء، بين «ما تبقى من حرس قديم توج بمونديال 2014» و«الشباب»، لا تحتاج إلا إلى «هدوء» وتركيز، بعيداً عمّا يعكر صفو العملية التي يشكك كثيرون في قدرة لوف على إيصالها إلى برّ الأمان.
نادرة هي المشاكل التي طفت على سطح منتخب ألمانيا. ربما كان صراع الثمانينات بين كارل هاينتس رومينيغه والحارس هارالد توني شوماخر على شارة قيادة الفريق، أحد الاستثناءات. تضاف إليه مشكلة القائد ميكايل بالاك الذي غيّبته الإصابة عن المنتخب في مونديال 2010 قبل أن يجري نبذه من قبل لوف نفسه، بعد ضغط كبير من «القائد الجديد» فيليب لام.
اليوم، تبدو المشاكل «الداخلية» آخر ما يمكن للمدرب أن يتقبله، لكن الواقعة وقعت، فهل يدفع منتخب ألمانيا الثمن؟
من الطبيعي أن يتزاحم لاعبان على موقع واحد في أي فريق. هذا الصراع من شأنه أن يدفع بهما إلى بذل المزيد من الجهد في سبيل نيل ثقة المدرب. وفيما تعتبر مختلف المراكز في التشكيلة «قابلة للتغيير والمداورة»، تبقى حراسة المرمى أقلها قابلية للتغيير، كما أن العمر الافتراضي للحارس يعتبر أطول مقارنةً بغيره من لاعبي المراكز الأخرى. من هنا، يعتبر الحارس الاحتياطي، ربما، من أكثر العناصر ظلماً في أي فريق.
فماذا لو كان الحارسان، الأصيل والبديل، على مستوى واحد من التألق. في عالم الأندية، قد يرحل أحدهما ليرتدي زي نادٍ آخر. هذا سهل ومنطقي. أما على صعيد المنتخبات، فالمسألة تختلف تماماً وتتعقد.
الشارع الرياضي العالمي، انشغل، في الأسبوع الماضي، بالصراع القائم بين حارسي منتخب ألمانيا، الأساسي مانويل نوير (بايرن ميونيخ الألماني) والاحتياطي مارك أندريه تير-شتيغن (برشلونة الإسباني).

خروج عن المألوف
لم تشهد السنوات والأشهر القليلة الماضية سوى تقارير، يتحدث بعضها عن أحقية تير-شتيغن (27 عاماً) بالموقع الأول، خصوصاً من الشريحة التي تشجع النادي الكاتالوني، فيما يرى البعض الآخر أنه لا يجدر المس بنوير (33 عاماً) في ضوء أدائه المستقر واعتباره بين أفضل الحراس في التاريخ، إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق.
لكن ما تبع المباراتين أمام هولندا وأيرلندا الشمالية في تصفيات «يورو 2020»، قبل أسابيع، خرج عن إطار المألوف. تير-شتيغن يكشف لوسائل إعلام في إسبانيا عن انزعاجه بعد غيابه التام عن المباراتين، ليرد نوير عبر التلفزيون: «أتفهم تماما شعور أي حارس لا يُشارك في المباريات، لكنها تصريحات غير مفيدة ولا تخدم روح الفريق».
لم تنتهِ عملية الشد والجذب هنا، إذ عاد تير-شتيغن بردٍّ جديد «حادٍّ ومباشر»: «يجب على مانو ألا يقول شيئاً عن مشاعري، فهذا رأيي الشخصي».
بالتأكيد، لن يقوم أحد الحارسين بدعوة الآخر لاحتساء كوب من القهوة، من اليوم وحتى التجمع المقبل لمنتخب ألمانيا قبل مواجهة الأرجنتين ودياً، في 9 أكتوبر المقبل، والتي يليها لقاء ضمن التصفيات أمام إستونيا، في 13 منه.
وعلى الرغم من تدخل أكثر من شخصية رياضية مرموقة ألمانية في «المشكلة» عبر الإدلاء برأيها، فإن الأكثر بروزاً كان تصريح رئيس نادي بايرن ميونيخ، أولي هونيس، الذي استدعى من اللاعب السابق للفريق لوثار ماتيوس دعوته للاعتذار عمّا ذكره في حق تير-شتيغن من إساءة.
ثم أدلى الحارس السابق للمنتخب، ينز ليمان، بتصريح داعم لنوير: «مانويل هو الأفضل، يمتلك كل شيء، إنه متكامل. إذا خسرت أمام ليفربول (الانكليزي) برباعية (هزيمة برشلونة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا في الموسم الماضي)، لا يُمكنني حقاً تقديم أي مطالب. انضممت إلى المنتخب في سن الـ27، لذلك أرى بأن شتيغن ما زال لديه المزيد من الوقت».
لكن الحديث الذي جاء على لسان الرئيس التنفيذي لنادي بايرن ميونيخ، كارل هاينتس رومينيغه، وإن مال فيه إلى دعم نوير، بيد أنه يبقى الأكثر قبولاً حيث قال: «ما لا يعجبني في القصة وما اعتبره مزعجاً هو بصراحة تصرف الاتحاد الألماني لكرة القدم. فهو لم يتحدث بلغة واضحة عن المسألة. ما حدث يطعن نوير في الظهر. وأعتقد أن هذا ليس عادلاً».


المسؤول الأول
ولكن أين كان لوف خلال كل هذه الفترة؟ أليس المسؤول الأول والأخير عن الاختيارات؟ وهل تعفيه مسؤولية بناء منتخب جديد بعد «نكسة مونديال 2018» من التدخل لفض نزاع بين من يعتبرون تحت جناحه؟ وأين دور مدرب الحارس في المنتخب أندرياس كوبكه؟
لقد صبّ لوف الزيت على النار بتصريح «غير مقبول» عندما شدد على أن حارس برشلونة سيحصل على فرصة خوض مباريات عدة، تماماً مثل نوير، قبل اتخاذ قرار نهائي بخصوص من سيكون الأساسي في تصفيات «يورو 2020» ونهائياتها.
هذا «الإعلان» من شأنه إرباك نوير وإحراج لوف نفسه في حال اضطرته الظروف إلى عدم إقحام تير-شتيغن.
كما أن اختيار «مانو» ليكون أساسياً في نهائيات «يورو 2020» سيحبط تير-شتيغن أكثر فأكثر، خصوصاًَ أن حارس بايرن ميونيخ صرح بأن البطولة الأوروبية قد تكون الأخيرة بالنسبة له قبل الاعتزال دولياً.
لوف لم يحسن «التفكير» قبل الإدلاء بتصريحه الأخير، خصوصاً أن نوير هو قائد المنتخب والأكثر خبرة فيه (90 مباراة دولية)، ولا يوجد في الفريق لاعب يحمل «كاريزما» القيادة غيره. فماركو رويس في بوروسيا دورتموند غير ماركو رويس في المنتخب، وتوني كروس «بارد» وجوشوا كيميتش ما زال يافعاً، فيما لا تليق الشارة بإيلكاي غوندوغان الذي لا يعتبر أساسياً، بصفة دائمة، في حسابات لوف.
نوير، ليس فقط حارس ألمانيا، بل هو الوحيد القادر على أداء دور القائد الفعلي، بعد اعتزال لام وباستيان شفاينشتايغر، وهو ما يحتاجه الفريق في هذه الفترة الانتقالية الدقيقة التي يعيشها أبطال العالم في أربع مناسبات (1954 و1974 و1990 و2014).
اللافت أن المنافسة القوية في الحراسة، ليست أمرا جديدا في الـ«مانشافت»، وليست كذلك بالنسبة إلى لوف نفسه الذي كان مساعدا للمدرب يورغن كلينسمان بين 2004 و2006. فقد اضطر الجهاز الفني للمفاضلة بين الحارسين العملاقين أوليفر كانّ وليمان عشية كأس العالم 2006 في ألمانيا. وجاء اختيار ليمان مفاجئاً لكثيرين بالنظر إلى الثقل الذي يمثله كانّ.
صراع «نوير-شتيغن» لا يرتقي إلى صراع «ليمان-كانّ»، لذا وجب على لوف، الباحث عن الاستقرار، أن يكون حاسماً في قراراته الجوهرية.


نسبة 60 في المئة
صحيفة «بيلد» الألمانية أجرت استطلاعاً للرأي بين قرّائها أظهر أن 60 في المئة منهم، يرى أن تير-شتيغن هو الحارس الأفضل حالياً، مقارنة بنوير، صاحب المركز الثاني في قائمة أكثر الحراس مشاركة مع الـ«مانشافت» بفارق 5 لقاءات فقط عن «القط» سيب ماير.
قدم لوف دعماً كبيراً إلى نوير، خصوصاً عندما أشركه أساسياً في مونديال 2018 على الرغم من التحاقه متأخراً بالقائمة نتيجة لإصابة أبعدته حوالي السنة، وكان «مانو» أحد المتهمين في ما حدث في روسيا، بيد أن المدرب بقي متمسكاً به.
وعندما أراد «يوغي» لوف أن يجدد المنتخب، توجّه أولاً إلى ميونيخ واستبعد الثلاثي توماس مولر، جيروم بواتينع وماتس هاملز، غير أنه حيّد زميلهم نوير، فلمَ ذاك التصريح الديبلوماسي اليوم على أعتاب تصفيات ما زالت غير مأمونة الجانب وبطولة أوروبية يسعى من خلالها الـ«مانشافت» إلى استعادة الهيبة والثقة؟