رأي قلمي

وجودان وحياتان..!

1 يناير 1970 11:57 م

كل إنسان له وجودان، وله حياتان، وجود شخصي وحياة خاصة، ووجود اجتماعي، وحياة عامة.
في حياتنا الشخصية نخلو بأنفسنا ونفكر في شؤوننا، وتكون لنا سلوكيات أقل انضباطاً وأشد تماشياً مع الميول والرغبات الشخصية.
حياتنا الشخصية هي مجالنا في صقل ذواتنا، والتغذية والارتقاء بعقولنا وقلوبنا... أما حياتنا الاجتماعية، فهي في الحقيقة لا تقل أهمية عن حياتنا الخاصة، فنحن تعلمنا ونتعلم من أسرنا ومجتمعنا اللغة والمشاعر، ومعايير الصواب والخطأ، وعرفنا ونعرف من خلالها المهم وغير المهم، والآجل من الأمور والعاجل، والآمن والخطر، وحكمة الحياة، وحين نبتعد عن مجتمعنا لأي ظرف نعيش وحشة مهلكة وقاتلة ونشعر أن الحياة من غير معنى. ونشعر بالحاجة إلى حياتنا الخاصة، وحياتنا الاجتماعية، لكن الكثير منّا يقع في سوء التقدير حول المساحة التي ينبغي أن يحتلها كل واحدة منهما، وكيفية إدارة كلاً من الحياة الخاصة والحياة الاجتماعية.
رغم أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ويتعلم الكثير من مجتمعه، إلا أن حياتنا الفردية الخاصة هي الأساس، نحتاج إلى الوقت، وإلى الخلوة بأنفسنا، وذلك لتقويم أفكارنا وسلوكياتنا، بالمحاسبة الإيجابية، وليس جلد الذات ولوم النفس ومعاقبتها، والالتفات إلى شؤوننا الخاصة، ليس المهم في موضوعنا مقدار الوقت الذي يقضيه أحدنا في بيته، وحجم الوقت الذي يقضيه في مخالطة الناس، والمكوث في مجالسهم، وإنما المهم هو ما يفعله الإنسان هنا وهناك.
الموازنة بين الحياة الخاصة والعامة، تتطلب تحديد الصورة الكلية لكل منهما، فنحن نحتاج إلى تخصيص وقت للعبادة ووقت للقراءة وتطوير الذات وتنمية الشخصية، ووقت للرياضة وآخر للاسترخاء، كما أننا نحتاج إلى وقت نقضيه مع الأهل والأسرة، وفي رعاية الوالدين أو الأولاد، وهذا كله متصل بحياتنا الشخصية، أما في حياتنا الاجتماعية، فنحن في حاجة إلى التواصل مع الأرحام والجيران والزملاء والأصدقاء، ونحن في حاجة أيضاً إلى الإسهام والمشاركة في الأعمال التطوعية، التي تعود على المجتمع بالنفع والصلاح، كما أننا نحتاج إلى التسلية والترفيه والترويح عن النفس، وغالباً تتم هذه الأنشطة خارج المنزل في الأوساط الاجتماعية المختلفة. فعلينا أن نضع آداب ونصائح وضوابط مشتركة تقيم نصاب التوازن بين ما هو حياة خاصة، وبين ما هو حياة اجتماعية عامة. مثلاً يفضل وضع جدول أو برنامج لتنظيم التواصل مع الأرحام والأصدقاء، وهذا مهم حتى لا يتم إهمال علاقات من حقها الرعاية والعناية، ولدينا أناس كثيرون يائسون محبَطون، لا يستفيد المرء من مجالستهم سوى تحطيم المعنويات، وأشخاص كثيرون ذوو طموحات محدودة وهمم واهية مرهَقة، ولدينا أناس كثيرون ليس لهم من شغل سوى الغيبة والتحدث عن مثالب وعيوب الناس، وآخرون كثيرون لا يعرف الكلام المهذب إلى ألسنتهم سبيلاً، وكثيرون ليس للوقت لديهم أي قيمة، فصحبتهم ومجالستهم تضييع للأعمار.... هؤلاء جميعهم لا يصلحون للمخالطة والصحبة، وفي البعد عنهم سلامة وغنيمة. فالإنسان مضطر أحيانا لمخالفة طبعه الاجتماعي ليسلم ويغنم، ومن أجل الموازنة بين الحياة الخاصة والعامة.

[email protected]
‏mona_alwohaib@