رؤية ورأي

الحسابات الوهمية

1 يناير 1970 08:32 ص

تجدد الجدل في الكويت حول مدى الحاجة لتشريع قانون لمواجهة الحسابات الوهمية، وتحديداً «الخبيثة» منها، بعد حملتها الدنيئة المتعلقة بالوعكة الصحية التي تعافى منها صاحب السمو أمير البلاد. تلك الحسابات التي بثت بكثافة إشاعات مزعجة حول صحة سموه، وألحقتها بأخبار مزيّفة تتعلق بأسرة الحكم.
نحن متفقون في أن القوانين يجب أن تصون جميع مكونات الدولة وترسخ ثوابتنا الدستورية، بحيث لا يتم استغلال غياب أو ضعف القوانين من قبل الحكومة - بحجة الأمن الوطني - لتقييد حريات الأفراد، ولا من قبل الأفراد - باسم الحريات - ضد مصالحنا العامة. ولكن هذا الاتفاق لا يمنع وجود تباين في مواقفنا تجاه المطالبات الحالية بتشريع قانون لمكافحة الحسابات الوهمية، وذلك لأسباب عدة من بينها أن حرية التعبير مفهوم متغير جدلي شائك، لأن حدودها تتأثر وتتفاعل مع العديد من المفاهيم المناظرة التي تنظّم العلاقات بين الأفراد فيما بينهم، وتلك التي تنظم العلاقات بين الأفراد وبين الدول التي تحتضنهم. ومن بين هذه المفاهيم الأمن الوطني الشامل الذي يضاهي في أهميته حرية التعبير.
هناك توافق دولي على تشديد القيود على ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي، وتعميم تدابير تضمن الشطب السريع للمحتويات «المحظورة»، وتتضمن عقوبات وغرامات جسيمة. فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يسمح بإخضاع حق حرية التعبير لبعض القيود، شريطة أن تكون محددة بنص قانون وتكون ضرورية لضمان احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. وكذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تجيز للدول فرض شروط وقيود على ممارسة حرية التعبير، حسبما تقتضيه الضرورة في «مجتمع ديموقراطي» لصالح الأمن القومي وسلامة الأراضي وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة واحترام حقوق الآخرين ومنع إفشاء الأسرار. وأما على المستوى الأميركي، فالشواهد كثيرة ومنها تبعات هجمات 11 سبتمبر 2001.
ولكن في الدول النامية المقيدة بدرجات متفاوتة لحرية التعبير، وغير القادرة على مكافحة الفساد، يلجأ بعض الإصلاحيين فيها للتخفي خلف حسابات وهمية من أجل ممارسة دورهم في التصدي للفساد. لذلك أي مشروع قانون لمكافحة الحسابات الوهمية الخبيثة في تلك الدول، يفترض ألّا يكون على حساب تلك الجهود الإصلاحية، بل يجب أن ترافقه مشاريع لتعزيز حرية التعبير ومكافحة الفساد، للتأكيد على طيب دوافع تشريع القانون.
لذلك تشريع قانون لمكافحة الحسابات الوهمية الخبيثة في الكويت، يجب أن يقترن بإقرار تعديلات على القوانين المقيدة للحريات، كإقرار الاقتراح بقانون الذي قدمه النواب الفضل والشطي وأبل والرويعي والفضالة الذي يتضمن إضافة فقرة «ولا تعتبر الآراء والأقوال من الأعمال العدائية» إلى قانون الجزاء؛ ويقترن أيضا باستحداث تدابير من شأنها تعزيز جهود مكافحة الفساد، من قبيل فتح قنوات للتواصل المباشر بين النيابة وهيئة مكافحة الفساد وبين أصحاب الحسابات الوهمية «الإصلاحية» ومعاملتهم معاملة المبلغين عن جرائم فساد.
في الختام، لا أستبعد صدور قانون لمواجهة الحسابات الوهمية الخبيثة، خصوصاً بعد فشل البرلمان في دور الانعقاد السابق بتشريع قانون في هذا الشأن... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com