لم يكن عادياً أن يمرّ نعي الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله للقرار 1701 «وكأنه لم يكن»، وسط نأي لبنان الرسمي بنفسه عن هذا التطور الخطير الذي يُخشى أن يرتّب تداعيات دولية ويعمّق من انكشاف الواقع اللبناني على الصراع الأميركي - الإيراني عبر بوابة الحدود الجنوبية التي عادتْ فجأةً «إلى الخدمة» بعد استكانةٍ منذ حرب الـ 2006.
وبدا واضحاً أن لبنان، بإعلان نصرالله سقوط «الخطوط الحمر» في المواجهة مع إسرائيل التي ستكون من الآن وصاعداً في «أرض فلسطين المحتلة»، دَخَلَ مرحلةً جديدةً تنذر بمخاطر جمّة تضعه في «عين العاصفة» بالمنطقة بعد الالتباسات الكبيرة التي انطوت عليها خفايا وخلاصات الضربة الإسرائيلية المزدوجة في عقربا السورية (سقط اثنان من «حزب الله») ثم في الضاحية الجنوبية لبيروت (الإغارة بطائرتيْن مسيّرتيْن مفخّختيْن)، والردّ عليها الأحد من «حزب الله» بعملية «عابرة للحدود» وللمرة الأولى في الداخل الإسرائيلي.
ورغم الطابع «الدفاعي» الذي اتّسم به اعتبار نصرالله الضربة في أفيفيم إسقاطاً لـ«أكبر خط أحمر إسرائيلي منذ عشرات السنين (...) اذ انتقلنا من الرد في أرض لبنانية محتلة اسمها مزارع شبعا إلى أرض فلسطين المحتلة، و1 سبتمبر 2019 بداية مرحلة جديدة من الوضع عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة للدفاع عن لبنان وسيادته»، إلا أن هذا التطوّر الـ«ما فوق عادي» طرح علامات استفهام في اتجاهيْن:
* الأول «سرّ» هذا التحوّل، الذي تَعَدَّدَتْ القراءات له، وبعضها يعتبر أنه يعكس انتقالَ إسرائيل إلى «الضرب بالاستراتيجي» (مشروع تطوير الصواريخ الدقيقة لحزب الله وفق اتهامات إسرائيل) بما يقتضي «ردعاً غير عادي» من الحزب، وبعضها الآخَر يضعه في إطار توسيع إيران دائرة الرسائل ذات الصلة بالصراع الكبير مع الولايات المتحدة والذي اتّخذ منحى أكثر سخونة منذ استخدام تل أبيب للمرة الأولى «ذراعها الطويلة» في العراق ضدّ مستودعات صواريخ لـ«الحشد الشعبي».
* والثاني تداعيات هذه الاندفاعة على لبنان في ضوء الأبعاد المُقْلِقة التي ينطوي عليها الارتداد على القرار 1701 الذي، وإن كانت لإسرائيل مصلحة في «التحرر» منه، إلا أنه يبقى بالنسبة إلى بيروت عنواناً رئيسياً لالتزامها بالشرعية الدولية ومظلة أمان رئيسية للوضع اللبناني بوجه النيات الاسرائيلية العدوانية ولا سيما في ضوء اعتبار قوة «اليونيفيل» التي تشكّل الناظم الميداني لهذا القرار الترجمة الأقوى لحرص المجتمع الدولي على استقرار لبنان.
ولاحظت أوساط مطلعة أن إدارة ظهْر لبنان الرسمي للضربة التي وجّهها «حزب الله» للقرار 1701 واكتفائه بـ«أخْذ العلم» بما أعلنه نصرالله، بعدما كان (لبنان) غطّى «الحق بالردّ» للحزب، يطرح أسئلة حول ما قد يرتّبه هذا التسليم المتمادي لـ«حزب الله» بالإمرة الاستراتيجية على التعاطي العربي والدولي مع «الدولة اللبنانية» وخصوصاً أن الـ1701 والاستراتيجية الوطنية للدفاع يشكّلان مرتكزيْن في منظومة دعم «أصدقاء لبنان» له على مختلف المستويات.
وكان لافتاً تَوَجُّه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري عبر «تويتر»، سائلاً إياهما «هل أخذتما عِلْماً قبل أو بعد كلام الأمين العام لحزب الله أمس (الاثنين) بإلغاء قرار مجلس الأمن 1701؟ وهل أنتما موافقان على ذلك».
ولم يكن مُمْكِناً الفصلُ بين هذا المناخ «الحرِج» وبين «الإحراجات» التي يسبّبها تماهي «الدولة» المتزايد مع «حزب الله» في غمرة «استنفار الحدّ الأقصى» داخلياً للملمة «أشلاء» الواقع الاقتصادي - المالي الذي قُرع حيالُه ناقوس الخطر «وشُكلت» هيئة طوارئ «(اقتصادية يديرها رئيس الحكومة) انبثقت من اجتماع أركان الحكم والقوى السياسية أول من أمس، في القصر الجمهوري في ملاقاة (السباق مع الوقت) تَدارُكاً لانهيارٍ يلوح شَبَحُه ويبدو مسار (الإفلات منه) عالِقاً بين مطرقةِ (حروبٍ سياسية) داخلية تستنزف ما تبقّى من (احتياطي صمود) مالي وبين سندان المخاطر (الحربية) التي أطلّت برأسها مجدداً من الجبهة الجنوبية».
وفيما كان رئيس الجمهورية يعلن «أن اللقاء الذي عقد في قصر بعبدا خرج بورقة اقتصادية مالية لمقاربة الأزمة التي يمر بها لبنان»، لافتاً إلى «أن الاقتراحات التي أقرت لبدء مسيرة النهوض الاقتصادي يجب ان تأخذ طريقها الى التنفيذ، خصوصاً أن المهلة قصيرة ولا تتعدى الستة اشهر ليثبت لبنان قدرته على مواجهة التحديات»، فإن الأجواء التي أحاطت بطاولة الحوار الاقتصادي لم تعكس اطمئناناً إلى أن طريق «الخروج من الحفرة» معبّدة وسط اجتهادات حول خيارات الإنقاذ وصولاً إلى طرح جعجع قيام حكومة من اختصاصيين وتقنيين لإحداث صدمة إيجابية.
وفي غمرة هذا الصخب، حطّ «مُراقِب» تنفيذ مؤتمر سيدر المبعوث الفرنسي بيار دوكان في بيروت، حيث بدأ لقاءات مع كبار المسؤولين في سياق متابعة المسار التحضيري لترجمة مقررات هذا المؤتمر و«دفتر شروطه» وفق 3 مسارات متوازية المشاريع (مدى تقدمها)، تمويلها، والإصلاحات القطاعية والعامة المتعلقة بتطبيق هذه المشاريع كما تم الاتفاق عليه خلال (سيدر) الذي انعقد في شهر أبريل من العام الماضي.
وبدا دوكان مرتاحاً للإجراءات والإصلاحات التي ينوي لبنان القيام بها في ما خص «المشتريات العامة والجمارك ومكافحة التهرب الضريبي»، مذكراً بالمثل الفرنسي القائل: «أعِن نفسك، تعنك السماء»، أي أن على لبنان المضي قدماً، و«كل ما استمعتُ إليه يطمئنني الى أن هذا ما يحصل الآن».