هناك أشياء أصيلة في الطبيعة البشرية، منها الاستهلاك، الإنسان يستهلك الطعام، ويستهلك الماء واللباس والأثاث... وأشياء كثيرة من قبيل الملموس والمحسوس، فهو يستهلك الأفكار والأساليب والنظم والأشكال والكلمات، كما أنه يستهلك الأشياء المادية. إن الإنسان حين يستهلك أسلوباً أو فكرة تصبح في نظره شيئاً أشبه بالمبتذل، فلا يستجيب لإثارته ولا يحرك كوامنه، ولا يضيف شيئاً إلى تراكم وعيه وخبراته، فيبحث عن أسلوب أو فكرة أخرى وغالبا تكون جديدة، هنا يصبح الاستهلاك إيجابيا وينتفع منه الإنسان.
إن أسقطنا ما قدمنا على الأشياء المادية فهناك تشابه كبير بين الاستهلاك المعنوي والمادي، ما يفرق هو الألم بعد متعة الاستهلاك، من يستهلك ماله من دون استثمار وادخار، بعد كل استهلاك وتصريف يشعر بألم فقد المال إن لم يحسن تعويض ما خسره من مال من أجل متعته وترفيهه. لا بد أن نضع فلسفة للاستهلاك حتى لا نشعر بالألم بعد المتعة، علينا أن ننظر إلى الاستهلاك في الأشياء المادية والمعنوية على أنها أشبه بدرجات السلم، فنحن نرتقي عليها ونصعد نحو الأعلى، حتى وإن كنا نصرف ونستهلك، لا بد أن نستفيد، لكننا لا نحمل معنا الأشياء إلى السطح، إننا نتركها في مكانها، ونصبح أعلى منها، غالباً الاستهلاك يستنفد طاقة الإنسان الذاتية، ويجعل خطواته غير محدودة، فيظل باستهلاك أشياء معنوية وأخرى مادية، ويعكف على تكرارها وتمجيدها، ولن يحصد غير السأم والجمود، وهو لا يعلم أن كثرة الاستهلاك تدخله في مأزق حقيقي، فهو يدور في الدائرة نفسها ولا يخرج عن المألوف، وهذا يتطلب منه درجة عالية من التعلم والبحث والإبداع والتطوير، لطرق وأساليب الاستهلاك الذي يخلص صاحبه من ألم الصرف والاستهلاك.
فلا نجعل متعة الترفيه والسفر وبالاً وألماً على حياتنا، دعونا نستهلك بمنطق واتزان حتى لا نفقد المتعة والسعادة، في ما نستهلكه من أشياء مادية أو معنوية.
[email protected]
mona_alwohaib@