«دلق سهيل…» إشارة كويتية لنهاية القيظ والحر، وبداية انخفاض درجات الحرارة، تلك الإشارة مرتبطة بنجم سهيل الذي يعد الأشهر في الجزيرة العربية والذي يبدأ ظهوره في الكويت بعد الخامس من سبتمبر، في حين أن ظهوره في شبه الجزيرة العربية يسبق ذلك بأيام، إذ يظهر بعد الرابع والعشرين من أغسطس، ويستمر ظهوره حتى نهاية فصل الشتاء.
«سهيل»، وصل إلى بلاد العم سام، حيث اتخذته وكالة الفضاء الإميركية «ناسا» وسيلة من وسائل تحديد الملاحة الفضائية، من خلال تحديد موقعه ثم توجيه بعض السفن والمركبات الفضائية إلى مساراتها.
«إذا دلق سهيل... لا تأمن السيل»، و«إذا دلق سهيل تلمس التمر بالليل» (يعني أن التمر يكمل نضوجه عند طلوع سهيل)، هكذا كان احتفاء الآباء والأجداد في تراثهم وأمثالهم المتوارثة بهذا النجم الساطع ذي العمر القصير، مقارنة بنجوم أخرى، إذ يبلغ عمره قرابة 27 مليون سنة، ويعتبر ثاني أكبر نجم مضيء يمكن أن يرى بالعين المجردة.
المؤرخ الكويتي الدكتور يعقوب يوسف الغنيم قال «كنت ولا أزال أترقب إطلالة هذا النجم علينا، فنحن في الكويت نعتبره الدلالة على انقشاع القيظ وزوال الحرارة، وبدء تغير الأحوال إلى الأفضل. نحن جميعاً نترقب إطلالة هذا النجم وكأنه زائر عزيز طال غيابه عنا. ومع أنني لست فلكيا، فلم أمتنع عن الكتابة عن نجم سهيل لأنه نجم مذكور في الأدب العربي بشكل واسع، ومن هذا المدخل كان الموضوع الذي كتبته (عن نجم سهيل )، ولكن هذا يحتاج إلى مقدمة فلكية، وأذكر أنني يومذاك قد فزعت إلى اخي واستاذي الفلكي القدير الدكتور صالح محمد العجيري طالباً منه اسعافي بمعلومات عن سهيل تكون بداية لكتابتي، فتفضل بالحديث معي عن هذا الموضوع بإسهاب العالم القدير، واستفدت كثيراً مما قاله لي ونشرته كما سمعته منه».
وأضاف الغنيم، لـ«الراي» إن «أهل الكويت يترقبون نجم سهيل، وننتظر أوان إطلالته علينا، رغبة في ما يجلبه مع ظهوره من تحسن في المناخ وراحة بعد عذاب الصيف الحار، وقد ذُكر عندنا كثيراً في اللهجة الكويتية وفي الأمثال العامة. ومما ورد في ذلك قولهم (إذا دلق سهيل تلمس الماي بالليل) وفيه دلالة على أن حرارة الماء تنخفض بمجرد أن يدلق (أي يقدم إلى جهتنا متحولاً من الجنوب، وكما كان علامة على تغير المناخ فإن ذلك يبدو أولاً في الماء الذي يكون حاراً دائماً أثناء الصيف، ولكنه يتحول ليلاً إلى البرودة بمجرد ظهور هذا النجم في الأعالي». وزاد «الراحة التي يشعر بها الناس عندما يهل نجم سهيل دفعتهم إلى محبته وترقب إطلالته. ومن دلائل هذه المحبة أننا وجدنا الأهالي يطلقون اسمه على بعض أولادهم، تيمناً به وإعجاباً بما يقدمه لهم من راحة بعد عناء موجات الحر في الصيف».
وبين ان سهيل ذُكر في كتب اللغة العربية وفي كتب الأدب وفي دواوين الشعر، وما قيل عنه أيضاً أنه كوكب يماني يظهر أولاً في اليمن ويأتي من جهته، على عكس نجم الثريا الذي يظهر في الشام أولاً. ومن الدلائل على ذلك قول الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان؟!
هي شامية إذا ما استقلت
وهو منها إذا استقل يماني
فالشاعر يعيب على والد الثريا عندما أراد أن يزوج ابنته برجل اسمه سهيل، فاتخذ من اسميهما دليلاً على ما أراد، فذكر أن سهيلاً بعيد في اليمن، والثريا في الشام فكيف يتم اللقاء بينهما؟ وكان سهيل هذا منافسا للشاعر على القرب من الثريا وقد أتيح له الزواج منها وحُرم الشاعر.
وأضاف الغنيم أن هناك أبياتا يتم غناؤها في اللقاءات السعيدة وهي:
يا سهيل الجنوبي...
برده يجي نسناس
قلبي يحب الطيب...
لو من بعيد الناس
يا زين مشيه خلي...
بالجنة والمداس
وزاد «لا نقول في اللهجة الكويتية (ظهر سهيل) أو (طلع)، ولكننا نقول (دلق) وتنطق القاف جيماً قاهرية، ولفظ دلق من ألفاظ اللغة العربية الفصحى، وقد قال علماء اللغة ان الدلق معناه خروج الشيء من مكمنه بسرعة، وقالوا دلق السيف من غمده: خرج فوراً، ومما يلاحظ أن هذا النجم يظهر في سمائنا فجأة، وكأنه خرج من مكمن له، وإن كان قبل ذلك سائراً من الجنوب إلينا».
واختتم الغنيم قائلاً «ظهور سهيل في سماء الكويت دليل على حلول موسم جديد من المواسم التي تمر بها البلاد، وكل موسم له تاريخ منها موسم البارح وموسم السرايات وموسم صيد الربيان وموسم الرطب البرحي وهكذا. وإذا دلق سهيل تحقق موسم جديد من مواسمنا، وقد حدد ذلك الأستاذ الدكتور صالح محمد العجيري ابتداء من اليوم الرابع والعشرين من شهر أغسطس سنوياً».
غنيمة الفهد لـ «الراي»: ظهوره يطيل الفيء
فتتناول الكويتيات الريوق مع أبنائهن في الليوان
تناولت الباحثة في التراث الكويتي غنيمة الفهد نجم «سهيل» قائلة في تصريح لـ «الراي» إن «المثل يقول (إذا دلق سهيل تلمس التمر بالليل) وهذا مؤشر على اعتدال الطقس وبداية كسر حدة الحر وانتهاء القيظ الشديد. ويحل هذا النجم ليلة الرابع والعشرين من أغسطس ويُرى بالعين المجردة في السماء وهو بداية انحسار الحر الشديد تدريجياً».
وبينت أن «ظهور هذا النجم يصاحبه طول مدة الفيء (الظل) مما كان يسمح للمرأة الكويتية أن تتناول طعام الريوق (الفطور) مع ابنائها في حوش المنزل أو الليوان وتستمتع المرأة بهذا الفيء حتى وقت الظهيرة، ويفرح الكويتيون إذا دلق سهيل ويدعون الله أن يدلق بشمال أي مصحوباً بانخفاض في درجات الحرارة، وليس مصحوباً بالرطوبة»، لافتة إلى أن «الفنانين تغنوا بهذا النجم مثل المطربة سميرة توفيق التي غنت لهذ النجم، كما احتفى التراث الكويتي به حيث كانوا يقولون يا سهيلي يا الجنوبي برده يجي نسناس».
وأوضحت أن «كنا نرى نجم سهيل لأننا كنا ننام في السطح، وأمي كانت تقول لنا (انظروا هذا نجم وادعوا الله أن يدلق بشمال وليس بكوس) أي يظهر بانخفاض في درجات الحرارة وليس رطوبة»، لافتة إلى أن «أهل البادية كانوا يتابعون هذا النجم، كما أنهم يعرفون كل النجوم ونحن اعتمدنا عليهم في رؤية ظهور هلال العيد».
إضاءات» سهيل»
المعنى اللغوي لسهيل
كلمة «سهيل» تصغير لكلمة «سَهل» وتعني لغوياً: الرجل المِطواع، سهل المعاملة والأرض المستوية الممتدة.
منازل النجم
ينقسم نجم سهيل إلى أربعة منازل يستمر كل منها 13 يوماً، تبدأ بالطرفة في 24 أغسطس ويكون الجو فيها دافئا ورطبا في الليل مع ارتفاع درجات الحرارة في النهار، ثم الجبهة التي تمتد أيضاً لمدة 13 يوما، وفيها يدخل فصل الخريف وتبدأ من 6 سبتمبر، وتزداد فيها الرطوبة ويتشكل الضباب، تليها الزبرة وتستمر لمدة 13 يوما تبدأ من 20 سبتمبر، وفيها يتساوى الليل بالنهار، ثم يأخذ الليل بالزيادة، وأخيراً موسم الصرفة ويبدأ من 3 أكتوبر وسمي بهذا لانصراف الحر.
أسماؤه الأخرى
كان العرب يسمون النجم سهيل عدة أسماء من بينها: البشير اليماني ونجم اليمن وسهيل اليماني، وسبب نسبته الى اليمن كونه يطلع من جهة الجنوب ويظهر مقابلاً للنجم القطبي الشمالي.
النجم وعلم البرازيل
يظهر سهيل على علم البرازيل، ويرمز إلى ولاية غوياس البرازيلية، وتمت تسمية غواصتين تابعتين للبحرية الأميركية باسم كانوبوس، الاولى
خدمت من 1922 إلى 1942، والثانية من 1965 إلى 1994.
سهيل بن عمرو
من المشاهير الذين حملوا اسم سهيل الصحابي سهيل بن عمرو وكان من وجهاء مكة، وخطيبها، وكان له موقف مشهود تنبأ له به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث وقع في الأسر في غزوة بدر، وأراد عمر بن الخطاب أن ينزع ثنيته لمنعه من الخطاب والتحريض على الرسول، ولكن الرسول رفض، وقال لعمر «لعل سهيلا سيقف موقفا يسرك»، وفعلا حدث ذلك بعد إسلامه، يوم الفتح، حيث وقف في جموع قريش عند وفاة الرسول خطب فيهم وكان له دور في تثبيتهم على الإسلام ومنع الردة. مات غازياً في الشام.
ديكسون وسهيل
يذكر الكولونيل ديكسون، المعتمد السياسي لبريطانيا الذي أقام في الكويت منذ بدايات القرن العشرين حتى منتصفه تقريبا، في كتابه «عرب الصحراء» أن «أهل الكويت قديما كانوا ينتظرون طلوع نجم سهيل بفارغ الصبر، وهذا التلهف والانتظار يكون قويا لدرجة أن الناس بعد 25 أغسطس يستيقظون لعدة ساعات قبل الفجر ليروا إذا كان بامكانهم رؤية نجم سهيل.
وكان يأتي هذا التلهف بعد أشهر الصيف الحارة وخاصة فترة الكليبين الحارة والشديدة الرطوبة أحيانا، والتي تجعل الناس ينتظرون ظهور هذا النجم الجنوبي والشديد اللمعان بشغف كبير».