شكّلت الامتيازات المقدّمة من الدولة لدعم الشباب الكويتيين، حافزاً كبيراً للكثير منهم، وهو ما دفعهم للإبداع الذي ولّد في بعض الأحيان مشاريع اعتبرت قيمة إضافية للاقتصاد الوطني، وفتحت باب الرزق واسعاً في وجوه الكثير من الأسر، بما ينعكس إيجاباً على الدولة والمجتمع.
ولكن على الضفة المقابلة، يبدو أن قلّة قليلة من هؤلاء استغلت هذه التسهيلات لـ«الاتجار بالبشر»، باحثين عن ربح لا يمت لـ«البزنس» بصلة، وذلك عبر استقدام أعداد كبيرة من العمالة، مقابل مبالغ تتراوح بين 900 و3000 دينار حسب الجنسية، ليفتحوا بذلك باب المعاناة ليس لهؤلاء العمال الذين يبدأون فور وصولهم رحلة للبحث عن شركة لتحويل إقامتهم عليها، بل على سوق العمل بأكمله، وقبل ذلك كله على سمعة الكويت خارجياً. و«العين القوية» لهؤلاء في ظل غياب الرقابة عليهم، دعتهم للعمل «جهاراً»، حيث رصدت «الراي» عدداً من الإعلانات على تطبيقات شهيرة بعنوان «لدينا تحويل من مشاريع صغيرة ومتوسطة» مقابل مبالغ مالية، تزيد بزيادة المدة.
الصندوق الوطني
«الراي» نقلت ملاحظاتها وما رصدته إلى مدير الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إبراهيم الكندري، الذي أكّد أن الصندوق تابع جميع الشكاوى التي قدّمت له خلال الفترة الماضية في ما يخص قيام بعض أصحاب المشاريع بالمتاجرة بالإقامات، مشدّداً على أنه «لم يكن أي منها تابعاً للصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة».
وقال الكندري في تصريح لـ«الراي» إن «هناك جزءاً من المشاريع الصغيرة والمتوسطة غير تابعة للصندوق، بل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو المعمول به حتى قبل إنشاء صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إذ إن الوزارة لديها العديد من الاشتراطات لتصنيف المشروع في دفاترها على أنه صغير أو متوسط». وبيّن أنه حتى الآن لا يزال بمقدور أي مواطن مراجعة «الشؤون» لطلب إضافة مشروع على دفاترها على أنه من المشاريع الصغيرة أو المتوسطة حسب شروطها، وتلك الطلبات لا تمر عبر الصندوق على الإطلاق.
وأضاف أن «هناك نوعين من المشاريع الصغيرة التابعة للصندوق، النوع الاول مشاريع مسجلة ضمن السجل الوطني، التي يتوجب على صاحبها تقديم ميزانيات مدققة للصندوق بشكل دوري، في حين يشمل النوع الثاني المشاريع المموّلة من الصندوق، وهي تلك التي تقدّم له خطة عمل، وتفاصيل المشروع بأكملها، والصندوق يعمل على مراقبة النوعين بشكل محكم».
وأوضح أن «الصندوق لديه أدوات للتعامل مع أي حالة يتم ضبطها مخالفة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة بنوعيها (السجل الوطني، والممولة). فالممولة يمكن أن يوجه إليها الصندوق إنذاراً في المرة الأولى، وإذا رصدت مخالفة ثانية تتعلق بالمتاجرة بالإقامات، يلجأ الصندوق إلى إيقاف المشروع، في حين أن المسجل في السجل الوطني يمكن أن تسحب رخصته من السجل، وبالتالي حرمانه من جميع المزايا التي تقدّمها جهات الدولة المختلفة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومنها بعض الإعفاءات من الرسوم، والأولوية في المناقصات وغيرها»، مؤكداً أن للصندوق الحق في زيارة المشروع في أي وقت.
ولفت إلى أن «عدد العمالة في أي مشروع صغير أو متوسط تحدد وفقاً لكل مشروع على حدة، ولكن هناك تعريف موحّد» بحيث لا تزيد عمالة المشروع الصغير على 50 عاملاً، والمشروع المتوسط على 150 عاملاً. وهناك مشاريع صغيرة ومتوسطة تابعة لكل من الصندوق ووزارة الشؤون الاجتماعية، وكل جهة تراقب المشاريع المسجلة لديها. وشدد على ان «من يجد أي حالة تابعة للصندوق يقوم صاحبها بالمتاجرة بالإقامات التقدّم بشكوى، وسيقوم الصندوق بدوره باتخاذ الإجراءات المناسبة في حق المشكو عليه».
تجارة إقامات
من جانبها، أكدت الشيخة فوزية حمد الصباح، من مجموعة رواد الأعمال، وجود عدد من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة يتاجرون بالإقامات، لافتة إلى «أنهم يستقدمون عمالة بمبالغ كبيرة من خارج الكويت، ويطلقونها في السوق المحلي للبحث عن تحويل قبل انتهاء مدة الإقامة الممنوحة لها، والتي لا تتجاوز السنة في أغلب الأِحيان».
وأوضحت الصباح، في تصريح لـ «الراي» أن «محاربة هؤلاء تتم عن طريق تشديد الرقابة عليهم من قبل جهات متعددة، وعلى رأسها الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والهيئة العامة للقوى العاملة». وذكرت أن «بعض الشباب يقومون باستخراج رخصة لمشروع صغير أو متوسط بمكتب قائم على الأرض، لكنه في واقع الأمر وهمي، ومن ثم يقومون بالمتاجرة بالإقامات باحثين عن الربح الهين والسريع».
ولفتت إلى أن «بعضاً من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة يقومون بعرض عدد من العمال المسجلين على شركاتهم أو مشاريعهم، ممن تفوق حاجتهم على شركة أخرى تكون بحاجة إلى هذه العمالة، لكن مقابل مبالغ مالية كبيرة، مؤكدة أن جميع الأطراف في هذه الحالة تعتبر مخالفة، من الشركة المانحة، حتى المستقبلة، إلى جانب العامل نفسه».
وقالت، إن «التعريف الموحّد للمشروع الصغير هو الذي لا تتجاوز عمالته 50 عاملاً وأصوله 250 ألف دينار وإيراداته 750 ألفاً، على أن يكون مستقلاً، وغير تابع لأي كيان قانوني آخر، في حين أن المشروع المتوسط لا تزيد عمالته على 150 عاملاً، ولا تتجاوز أصوله 500 ألف دينار، وسقف إيراداته 1.5 مليون دينار».
بدوره، قال محمد البالول، وهو صاحب مشروع صغير، إن عدداً محدوداً من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة يلجأون إلى تجارة الإقامات، وذلك لأنها تحقق مكاسب كبيرة خلال وقت قصير جداً.
وأضاف البالول، في تصريح لـ«الراي» أن «أسعار تلك الإقامات تتراوح ما بين 900 و3000 دينار، وذلك على حسب جنسية العامل، ما يعني أن أصحاب تلك التجارة يجنون كل سنة مبالغ طائلة». وأكد أن بعض ضعاف النفوس يتوجهون إلى هذه التجارة «سريعة الربح» لتعويض الخسائر التي يسجلونها في مشاريعهم، مبيّناً أن ضعف الرقابة على هؤلاء أدى إلى تزايدهم خلال الفترة الأخيرة.