عَرضان سينمائي ومسرحي قُدما ضمن فعاليات المهرجان

«Happy as Lazzaro» التضحية من أجل الآخرين... و«عودة ريا وسكينة» أثرتْ «صيفي ثقافي 14»

1 يناير 1970 05:33 م

ضمن فعاليات الدورة الرابعة عشرة لمهرجان «صيفي ثقافي»، الذي انطلق في العشرين من شهر أغسطس الجاري ويستمر حتى الخامس من شهر سبتمبر المقبل، تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عُرض أول من أمس الفيلم الإيطالي «Happy as Lazzaro» في مجمع بروميناد.
كما شهد المهرجان أيضاً عرضاً لمسرحية «عودة ريا وسكينة»، مساء الخميس الماضي، على خشبة الفنان عبدالحسين عبدالرضا.
أحداث الفيلم الِدرامية كانت أشبه بقصص الأساطير، التي تُحكى للأطفال عند النوم، بسبب حكاية بطل الفيلم الفتى الطيب «لازارو» وكذلك لناحية الطبيعة الجغرافية للقرية المعزولة، التي تدور فيها الأحداث، ويطلق عليها «إينفيوليتا».
هذه القرية فيها جمع من الناس الذين يعيشون حياة بدائية من خلال عملهم في الزراعة عند تاجرة تبغ تدعى (المركيزة) التي تمتلك هذه المزرعة، وهؤلاء الفلاحون يعيشون على الكفاف ومدينون لها دائماً.
بين هؤلاء الفلاحين لازارو شاب يتيم وتظهر على ملامحه براءة الأطفال، لكنه الشخصية المحورية في هذا الفيلم، حيث يكون همزة الوصل بين جميع الأطراف، خصوصاً أن الكل تقبله بسبب ملامحه وطيبته ومساعدته وتضحيته من أجل الآخرين.
الفيلم يحكي معاناة هؤلاء الفلاحين، وكيف يتم استغلالهم في هذه المنطقة المعزولة، كما يرصد خوفهم الدائم من غدر الذئاب فيها، بالإضافة إلى حلمهم بالذهاب والعيش في المدينة، وقد جاءت المركيزة صاحبة الوسية مع ابنها الذي يعيش حياة ارستوقراطية لزيارة القرية.
وهنا يختلق لازارو قصة بأنه اختطف ابنها المدلل للحصول على فدية، لحل مشاكله ولمساعدة الفلاحين، وهو ما دفع الشرطة إلى التدخل في الموضوع عبر دخولها القرية، لتشاهد أحوال الفلاحين وتقرر إخلاؤهم من هذه القرية إلى المدينة في الوقت الذي يسقط فيه لازارو من قمة الجبل فيتركونه ويذهبون الى المدينة، وعندما ينهض من كبوته ويلتقي بعض الفلاحين في المدينة لا يتعاملون معه في الحماسة والطيبة نفسها التي كانت في الماضي، ولذلك يميل الفيلم في بعض الأحيان إلى جانب روحاني يُعبّر عن حياة المظلوم الذي يساعد الناس مهما حصل.
الأمر الآخر، يتعرض الفيلم لحياة الرأسمالية وانعكاساتها على بعض المجتمعات، والمشاكل التي تنتج عنها وتنعكس على البعد الاجتماعي وحياة الكثير من الأسر. لكن تبقى حكاية هذا الفيلم التي جاءت من خيال الكاتبة والمخرجة الإيطالية أليس روهفاشرو في زمان ومكان قد لا تكون فيها مثل هذه الأحداث، لكنها حملت إسقاطات بالغة الأهمية، وكانت أشبه بالأعمال النوعية التي تقدم في المسرح. أيضاً، الأحداث السينمائية وطريقة عرض هذه القصة حملت الكثير من الشغف، فضلاً عن أن السيناريو تمت كتابته باحترافية شديدة، ووضعت الكاتبة والمخرجة كل خبرتها فيه بغية خروجه بهذا المستوى، حيث قدمت روهفاشرو تجربة تستحق المشاهدة، لأنها لم تقدم فيلماً تجارياً بحتاً وإنما اعتمدت في عملها على علم السينما والثقافة السينمائية واحترام عقل المشاهد، ولذلك جاءت تجربتها ناضجة وحملت في مجملها إضاءات مهمة وكتبت فيها رسائل كثيرة، ولذلك استحقت جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان السينمائي 2018. كما برع الممثل الإيطالي الشاب أدريانو تارديولو صاحب الأداء الرائع لشخصية «لازارو» بالرغم من أنها التجربة الأولى له.

«عودة ريا وسكينة»
وكانت «عودة ريا وسكينة» افتتحت العروض المسرحية على خشبة عبدالحسين عبدالرضا، مساء الخميس الماضي.
وشهدت المسرحية حضور حشد جماهيري غفير، تقدمه الأمين العام لقطاع الشؤون المالية والإدارية في المجلس الوطني للثقافة تهاني العدواني، إلى جانب كوكبة كبيرة من محبي المسرح.
المسرحية، بدت فيها كل عناصر الفرجة والمتعة، من غموض وكوميديا وتشويق، حيث تم طرحها بأسلوب مُغاير كلياً عمّا تعود عليه المتلقي في السابق، لا سيما بعد أن جسدت الفنانة هيا الشعيبي شخصية «ريا»، وتقمصت الفنانة إلهام الفضالة دور أختها «سكينة» بطريقة كوميدية لامست إعجاب الجمهور الكويتي.
وبالرغم من أن فريق العمل تناول قصة «ريا وسكينة» بشكل مختلف وبرؤية فنية مبتكرة، إلا أنه لم يمح جوهر القضية، بل حافظ على لب الموضوع الأساسي و«الحدوتة» الشعبية، التي تتمحور حول الشقيقتين اللتين تعدان من أشهر السفاحين في تاريخ مصر والعالم بأسره، فقد ظهرت هناك بعض الاختلافات البسيطة في القصة الأساسية، خصوصاً حين تكتشف كل من ريا وسكينة أن والدهما هو السبب الرئيسي في تعاستهما، وأنه لعب دوراً محورياً في تردي حالتهما المعيشية.
ويُحسب لداود حسين براعته في أداء المرشد السياحي، إذ تميز بعفويته، كما وضع خبرته وسخّر كل إمكاناته وأدواته التمثيلية لإتقانها، وهي شخصية جديدة تمت إضافتها إلى شخوص العمل الأساسيين، حيث يجوب البلدة التي تشهد أحداث الخطف والقتل، فهو في الظاهر يبدو كمرشد سياحي أمام الناس، غير أنه يعمل في الباطن كمخبر سري للشقيقتين السفاحتين.
في مسار آخر، برز الفنانان خالد البريكي وثامر الشعيبي في دوريهما لضابطين من الشرطة، وأتحفا الجمهور بالمواقف وبـ«القفشات» الشيقة، فضلاً عن ظهور الفنان علي الفرحان بدور الشرطية الكوميدية، وهو من ضمن فريق الضباط الذين يبحثون عن المجرمتين، بينما أبدع الفنان عبدالله الحمادي في دور ابن السفاحة الشريرة.
وإلى جانب قصص الرعب والجريمة المُطعّمة بالكوميديا، التي ترجمها فريق العمل بنجاح على الخشبة، حرصت كاتبة النص الفنانة هيا الشعيبي على وضع بصمتها الخاصة، عبر تسليط الضوء على بعض القضايا الاجتماعية، بينها ضرورة المحافظة على البيئة وحماية المستهلك، بالإضافة إلى موضوعات أخرى تستهدف الشاب الكويتي وقضاياه المختلفة، عطفاً على طرح بعض الظواهر السلبية، التي تحدث في مواقع «السوشيال ميديا»، لتنتهي الأحداث بظهور والد «ريا وسكينة» بعد سنوات من غيابه عن أسرته، لتتكشف الأمور تباعاً، وتظهر آخر الضحايا التي تم قتلها على يد هاتين القاتلتين، وكانت أختهما من الأب.
العرض بمجمله، كان مميزاً ومستحدثاً، كما بدت الموسيقى التصويرية متماشية مع الأحداث، إلى جانب الديكور الذي أعطى كل مكان تفاصيله، في حين أسهم الإخراج في إظهار إمكانات ثامر الشعيبي في مجاله، وكان في خدمة العرض والقصة.
في نهاية العرض، كرّمت الأمين العام لقطاع الشؤون المالية والإدارية في المجلس الوطني للثقافة تهاني العدواني فريق عمل المسرحية، مثمنةً كل الجهود، بغية ظهور العرض في أبهى صورة.
يُذكر أن «عودة ريا وسكينة» من تأليف هيا الشعيبي وإخراج ثامر الشعيبي، تمثيل: داود حسين وإلهام الفضالة وهيا الشعيبي وخالد البريكي، وعلي الفرحان وعبدالله الحمادي وعبدالرحمن فهد، وإشراف عام هاني الطباخ.