كنت قد ذكرت في أكثر من مقالة أنني أحب الأفلام السينمائية، التي تتناول قصة فنان تشكيلي أو تلك التي تتناول في أحداثها قصة لوحة شهيرة، نظراً لأنني فنان تشكيلي وأحب الألوان وأبعادها وأثرها على النفس البشرية.
ومن بين تلك الأفلام فيلم يحمل عنوان «بوابة الخلود»، التي تتناول آخر أيام الرسام الهولندي فان غوخ، والفيلم من بطولة ويليام دافو وبروبرت فيرندا وأوسكارإسحاق ومادس ميكلسن وإيمانول سينر، ومن إخراج جوليان شنابل الذي اشترك في تأليف الفيلم مع جان كلود كاريير.
وهناك عوامل ساعدت على نجاح هذا الفيلم وهو المخرج شنابل فهو أيضاً كاتب سيناريو، إضافة إلى أنه رسام وعضو في الأكاديمية الملكية للفنون، وبالتالي فهو يعرف نفسية الفنان التشكيلي التي كانت المحور الرئيس للفيلم.
بالطبع أدرك أن تناول قصة حياة فنان بحجم فان غوخ في فيلم واحد أمر صعب، نظراً لوجود تفاصيل معقدة كثيرة في حياته، إضافة إلى الرسم، إلا أن المخرج كان ذكياً في اختيار الفترة الأخيرة من حياة فان غوخ.
ولقد كان المخرج موفقا باختيار الممثل الأميركي ويليام دافو، للقيام بدور الرسام، فهو حاصل على جائزة ساترن عام 2000م، وله مشاركات في أفلام سينمائية عدة، استطاع من خلالها أن يجذب المخرجين إليه، ومنهم المخرج شنابل للقيام بهذا الدور، الذي سيبقى من أفضل الأعمال الفنية التي قام بها في مسيرته.
وكان معه مجموعة من الفنانين المبدعين مثل أوسكار إسحاق، وهو ممثل «غواتيمالي»، ومن الدانمارك ممثلان هما مادس ميكلسن ونيلس اريستروب، ومن فرنسا بعض الممثلين وهم إيمانول سينيه وأن كونسيجني وماثيو أمالريك وفلاديمير كونيسجني ومنلوليتا شاماه وفنسنت بيريز، وكما أن هناك ممثلين من سويسرا، بالإضافة إلى الممثلة أميرة قصار الإنكليزية، وهي من أصل كردي وبعض الممثلين الأميركيين مثل ستيلا شنابل.
والرسام الهولندي فينسنت ويليام فان غوخ يعتبر من أحد رموز الانطباعية في الفن التشكيلي، وهو فنان عالمي ما زالت شهرته حاضرة بين الناس، رغم رحيله عن الدنيا قبل أكثر من مئة عام، فقد توفي في عام 1890م، بعد أن أصيب بعيار ناري.
ورغم شهرته الكبيرة كرسام إلا أنه كان فقيراً، وكان يعاني من نوبات نفسية عنيفة أدت إحداها إلى قطع جزء من أذنه اليسرى، لكنه كان مبدعاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد رسم خلال مسيرته أكثر من ثمانمئة لوحة زيتية، الأمر الذي جعله من أفضل الرسامين في التاريخ.
وعانى فان غوخ كثيراً من بعض الفنانين الذين عاصروه، فمنهم من كان يتجاهله ومنهم من كان يقلل من شأنه ومنهم من كان يغار منه فيقوم بتشويه سمعته كفنان، وهناك من تناول لوحاته باهتمام مثل الفنانين الذين عاصروه.
وأعجبني الحوار مع شقيقه الذي كان يقوم بتسويق لوحاته في فترة عصيبة من حياة الفنان، إضافة إلى الحوار الآخر مع الرجل الذي اختاره كي يقوم برسمه، فقد سأل الرجل فان غوخ لماذا ترسم؟ فكان رد الفنان بهدوء كبير إذ قال: إنني أرسم من أجل التوقف عن التفكير، إضافة إلى شعوري بأنني جزء من كل شيء، وقد أردت مشاركة كل ما أراه مع الآخرين، بينما الآن أفكر في علاقتي مع الخلود... وهو الأمر الذي كان هدفه الرئيس في تقديم لوحات تؤدي إلى تخليد اسمه، وهذا ما حصل فعلا، ويكفي أنه في أواخر أيامه ركز في كل وقته على الرسم، فرسم أكثر من خمس وسبعين لوحة، كانت كفيلة - مع اللوحات التي رسمها - أن تقوم بتخليد اسمه عالمياً، رغم أنه توفي منذ فترة طويلة.
نعم فان غوخ فنان يستحق تنفيذ فيلم سينمائي عنه، وبالطبع هناك الكثير من الفنانين التشكيليين، الذين يستحقون الأمر نفسه، واتمنى من السينما العربية أن تنتج فيلماً عن حياة فنان تشكيلي عربي، وفي مقدمهم النحات المصري العالمي محمود مختار.
* كاتب وفنان تشكيلي