واضح

الفرق بين البوسة وصندوق الخيار الفاسد!

1 يناير 1970 08:20 ص

ماذا لو قام رجل في مكان عام أو سوق أو مجمع تجاري يكتظ بالناس بتقبيل امرأة برفقته؟ وليكتمل المشهد ويُفهم مقصود التساؤل: ماذا لو كانت المرأة بلباس نسميه فاضحاً، حتى لو كان بدرجة «نوعا ما»! ماذا لو عرفنا أن هذه البوسة لم تكن لزوجة هذا الرجل بل هي صديقته؟ كيف سيتصرف المتواجدون في هذا المكان مع هذين الشخصين؟ كم شخصا سيصوّر هذه المشاهد بهاتفه؟ إلى أي درجة ستنتشر هذه المقاطع المصورة بين المجتمع؟ ماهي «الهاشتاقات» التي ستنتشر وقتها؟
هذان الشخصان يواجهان عقوبة قانونية ستتخذ ضدهم مباشرة ودونما أي تأخير، مع بيان من الجهات المسؤولة بالتعهد بعدم تكرار مثل هذه التصرفات، وربما يتم نشر أفراد أمنيين في أماكن تجمع الناس حفاظا على «الذوق العام»!
تخيّل لو أن هذا الشخص أو المرأة برفقته معروف أو معروفة في أوساط المجتمع... كيف ستكون فضيحتهما! ماذا لو خطب هذا الرجل امرأة للزواج حتى لو بعد عشرين سنة... هل سيزوجونه بعد فعلته أمام الناس وفي السوق؟
كيف لو دخل أو لو دخلت المرأة التي معه إلى مكان تجمع خاص أو عام بعد فعلتهما تلك... كيف سيتصرف معهما الناس؟ اسئلة كثيرة جداً لا مجال لحصرها، وللخيال أن يسرح بعيدا في ردة فعل مجتمعاتنا على مثل هذه التصرفات لو وقعت بالصورة التي ذكرناها، وكيف سيتصرف مع أصحابها، والخيال وحده كفيل بالإجابة الشافية عن كل هذه التساؤلات.
الآن دعونا من هذه «البوسة» ما ردة فعل المجتمع نفسه ضد شخص يبيع لك صندوق خيار وهو يعلم أنه فاسد لا يصلح للأكل، ويأخذ منك سعره بالحرام والباطل؟ ما ردة فعلنا على عمليات الغش في تصليح سياراتنا، والتي ربما لم يبق أحد منا إلا واكتوى بنار غشاشيها الذين «يلهفون» الأموال دونما سبب وبالحرام؟ كم هي نسبة الغش في مجتمعاتنا في البضائع؟ وما ردة فعلنا على هؤلاء الغشاشين؟ الغيبة محرمة شرعا أشد التحريم، وهي أن تذكر شخصاً في غيبته بما يكره، لكنها تملأ جل أحاديث مجتمعنا، وقد شبهها القرآن الكريم بأكل لحم الأخ تشديداً على حرمتها لكننا نمارسها بكل أريحية، هذا الذي يأخذ دورك في الشارع مكان الالتفاف لأنه لا يريد الانتظار مثلك، ذاك الذي لا ينتظر دوره متخطيا عشرات الأشخاص وهم ينتظرون تخليص معاملة ما، الأشخاص الذين يأكلون أموال الدولة بالباطل، والذين يتخطون من يفضلهم في التوظيف وسلسلة من جمر من التصرفات التي نمارسها يوميا على مرأى ومسمع بعضنا علنا ودونما أي خجل، والمجتمع لا يرى في مثل هذه التصرفات إلا أنها «عيب»! والذي يعيبها يمارسها متى ما سنحت له الفرصة!
ما الفرق بين «بوسة» صاحبنا في السوق وبين هذه الموبقات الأخلاقية التي ذكرناها؟ لماذا لا يرى المجتمع في هذه الأخلاقيات - التي حرّمها الشرع وتخالف القانون وفيها تعدٍ على الغير وحقوقه - جرماً كالبوسة في مكان عام! ولعل المأسوف عليه أن كثيرا من أصحاب هذه الموبقات الاجتماعية ربما محترمون في المجتمع، يقدّرهم الأغلب ويهللون بهم في المجالس، بعكس صاحب البوسة!
في المجتمعات الغربية يعتبرون هذه الأخلاقيات جرماً لا يمكن التسامح فيه، ومن الممكن اعتبار أي شخص يتعدى دوره في الشارع شخصاً غير مرغوب فيه اجتماعياً بعكسنا، بينما لا يرون في القبلة في مكان عام بأساً!
للفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل مقولة: «مفهوم الخطيئة يحدده موقعك الجغرافي»، وهذا فعلاً ما تعانيه مجتمعاتنا.

@lawyermodalsbti