«التعليم في خطر» هذه المقولة اطلقها النائب الفاضل الدكتور حسن جوهر وهو مقرر اللجنة التعليمية البرلمانية، وهو اقتباس من مصطلح «امة في خطر» وابو مهدي من النواب الاكاديميين والمعروفين بثبات الموقف والمصداقية، ويتمتع بقبول من مختلف الشرائح كما سمعنا من ابناء دائرته وهو الآن يمثل امة ولا يمثل دائرة انتخابية. ولهذا يطلب منه الكثير من المكاسب في مجال التعليم وغيره من المجالات التي تنفع المجتمع، ولن يصدر منه مثل هذا الاستنتاج من غير معرفة ودراية بالوضع التعليمي الحاصل في الكويت، فهو من اهل البيت التربوي والجميع يذهب معه في مقولته ان التعليم في خطر، لكن السؤال ماذا يريدنا ان نفعل كمواطنين؟ ونحن لا حول لنا ولا قوة، وهو يمثل جهة رقابية وتشريعية تمتلك صلاحيات وادوات دستورية يستطيع من خلالها تغيير الوضع الراهن من حال إلى حال افضل. ماذا يريد ان يوصل لنا ونحن الذين اعطيناه الثقة التي اوصلته إلى البرلمان وننتظر منه الانجاز والعمل في اصلاح التعليم، وقد نعذره لو كان خارج اللجنة التعليمية، لكن ان يكون في لجنة تهتم بسياسات التعليم ولا يمارس دوره الرقابي والتشريعي فليسمح لنا، لأن ذلك محل للاستغراب والدهشة معا، والكل يعرف انه يختلف عن زملائه في اللجنة بمعارضته وعدم توافقه مع القيادة التربوية، ولعله النائب الوحيد باللجنة الذي ينتقد الوزارة، وقد لحق به رئيس اللجنة اخيرا في مجال الانتقاد بعد ما شارفت الوزيرة على الرحيل؟ ان اعضاء اللجنة التعليمية للاسف بما فيهم مطلق هذه العبارة لم يقدموا اي مبادرة اصلاحية تذكر لإنقاذ التعليم من الخطر المحدق، فأعضاء اللجنة التعليمية غير مبادرين، كما يفعل زملاؤهم الآخرون في لجان اختصاصهم مثل الدكتور قويعان ومبادرته 100 يوم لإصلاح الصحة فهو نائب متخصص في الشؤون الصحية، رأى ان من واجبه ان يتبنى مبادرة مهما كان درجة نجاحها ولكن بالاخير قدم شيئا ملموسا ومحسوسا في المجال الذي وكل عليه، ولم يرتكن لوزارة الصحة التي نخرها الفساد حتى وصل إلى العظم، وكم نحن بحاجة لمثل هؤلاء الاعضاء المبادرين في لجان مجلس الامة في ظل تقاعس قطاعات الوزارات عن العمل بالصورة السليمة.
اما حكاية التعليم في خطر فنحن نذهب إلى ابعد من ذلك فالخطر لم يبق ولم يذر شيئا في التعليم الا واثر فيه وغير معالمه، فمن المحال ان تجد عضوا في مجلس الامة لم يتطرق لإصلاح التعليم في برنامجه الانتخابي، فمحور التعليم حاضر دائما في اطروحات الاعضاء وتصريحاتهم التي تشخص وتكشف عن الخلل من دون ان تتناول برامج عملية او اقتراحات برغبة لإصلاح التعليم.
نعم التعليم في خطر ما دام الدكتور يبقى معلما والذين يحملون شهادة الدبلوم هم مديرو الادارات والمناطق التعليمية، ولا يحدث ذلك إلا في الكويت، نعم التعليم في خطر مادام اعضاء اللجنة التعليمية لا يقدمون مبادرات إصلاحية ولا يناقشون السياسات التربوية المعمول بها والمزمع تقديمها كمشاريع مستقبلية، وديدنهم السكوت عن الاخطاء الادارية القاتلة في التربية والتعليم العالي.
نعم التعليم في خطر ما دامت وكيلات وزارة التربية يتنافسن في الاعتماد على المستشارين من الوافدين العرب، فلا تدخل مكتب وكيلة في وزارة التربية إلا بعد معرفة كاملة من الوافد عما تريد؟ ومن الممكن رفض معاملتك من قبل الوافد الوكيل، لأن ثقافة السيدات من الرعيل الاول بأن الوافد هو الذي يدير العمل في التربية، وهذا ما كان سابقا في ظل قلة الكفاءات الكويتية. نعم التعليم في خطر ما دامت المناهج الدراسية تتغير وتحذف وتتبدل عن طريق لجنة لا يستغرق عملها اسبوعين، سياسات تعليمية تتبدل خلال ساعات معدودات كسياسة الثانوي الموحد ومدرسة المتفوقين المقبلة، وإلغاء نظام المقررات والابتعاث من دون تنسيق... إلى غير ذلك والتعليم كذلك في خطر مادامت اعلانات الدروس الخصوصية تنتشر علانية في الصحف الاعلانية من دون حسيب او رقيب من قبل وزارة غارقة بالشللية والمحسوبية، والطلاب يعانون من ضعف تراكمي باللغة العربية والتحصيل. نعم التعليم في خطر مادام الاطفال يموتون في المدارس وتهتك اعراضهم نتيجة التسيب الاداري من دون استنكار او محاسبة او توجيه حتى بسؤال برلماني وقت وقوع هذه الحوادث من قبل اعضاء اللجنة التعليمية المشاركين بوصول التعليم لهذه المرحلة الخطيرة، والتعليم في خطر كذلك عندما نجد في كل دولة من دول العالم طلابا كويتيين يدرسون في جامعات خارجية للحصول على فرص التعليم حتى وصل ابناء الكويت إلى شرق آسيا، بسبب القصور في توفير الفرص التعليمية في الكويت. والتعليم في خطر بسبب وجود جامعة حكومية واحدة بلا فروع، في بلد يقطنه اكثر من 3 ملايين نسمة بين مواطن ومقيم، فكيف تستطيع هذه الجامعة ان تلبي احتياجات الناس من التعليم وان تعطي فرصة للتعليم الجامعي للمواطنين والمقيمين ومع هذا كل عام او اكثر تزيد من نسبة القبول في الجامعة حتى بلغت نسبة القبول في التخصصات الادبية 80 في المئة.
نعم التعليم في خطر مادام رئيس اللجنة التعليمية يشاهد الوضع المهين لأبناء الكويت عندما سافر البحرين والاستغلال المادي من الجامعات التجارية ويأتي بـ «الكوتا» هل يريد حقائق غير التي شاهدها بنفسه من رغبة الكويتيين بالدراسة ومن تعدد الجامعات في دولة صغيرة كالبحرين؟ نعم التعليم في خطر مادام صراع مدير الجامعة مع اعضاء الهيئة التدريسية ينشر في الصحف اليومية، وعندما نجد بعض القيادات بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي اشبه بساعات «رولكس» الفاخرة التي لا تقدم ولا تؤخر! حتى وجدنا اقساما علمية تعلن حسب الشروط المنطبقة على الاصدقاء والاقارب، اعلانات يفترض بها العدالة الاجتماعية يستغلها من ائتمن على رئاسة الاقسام بتفصيلها حسب حاجة الرفاق، واعلان ينشر في الصحف الرسمية لا ينطبق إلا على شخص واحد في الكويت من دون تحريك ساكن من قيادة الهيئة مع كامل معرفتهم وعلمهم بذلك، فلماذا لا تتم محاسبة مثل هذه القيادات غير القادرة على اتخاذ القرار، فقد حاسب زملاؤكم منهم اعلى من قيادات الهيئة فهل تعجزون عن مطالبة القيادة المقبلة بتغيير مثل هذه الساعات التي لا تقدم ولا تؤخر في اهم مؤسسة تعليمية تعتمد الدولة على مخرجاتها المهنية؟
نعم التعليم في خطر عندما لا يتم تعيين عضو هيئة تدريس بالهيئة والجامعة إلا بمعيار المحسوبية والواسطة حتى لو خالف معايير التعيين بالنسبة الى العمر او التقدير، فماذا يفعل الذي يمتلك الشروط اللازمة كلها للتعيين ويفتقد المحسوبية، فإن كانت تلك الاقسام المتجاوزة تتبع مؤسسات تعليمية حكومية فيجب ان تكون هناك وقفة جادة من الجهات المعنية بالتعليم وان كانت هذه الاقسام ممتلكات خاصة كما هو الحاصل فهذا دليل على ان التعليم في خطر حقيقي؟
نعم التعليم في خطر مادام زملاؤك في اللجنة التعليمية انتصروا لزملائهم اعضاء هيئة التدريس بالجامعة واقترحوا تمديد سن التقاعد لهم لما بعد 75 عاما ونسوا وتناسوا اعداد الخريجين الذين يزدادون ككرة الثلج لتصطدم بلجنة تعليمية غير مستوعبة لحجم المشكلة والوضع التعليمي الراهن ونظرتها قريبة وقريبة جدا، فهل تستطيع مثل هذه النظرة القريبة ان تصلح سياسات تعليمية خاطئة، فالكل يشك في ذلك؟
منذ فترة طويلة ونحن نسمع باستجواب سوف يقدمه الدكتور جوهر لوزيرة التربية فلم يحدث هذا الاستجواب ولم يتغير شيء في التربية، فيا ابو مهدي (لقد كفى الله المؤمنين القتال) فها نحن على اعتاب قيادة تربوية جديدة مقبلة؟ فهل لديكم مبادرات اصلاحية تساعد القيادة الجديدة على تقديم تعليم جيد، وتختصر الوقت والجهد في سبيل ان ننال تعليما يليق بمكانة الكويت وتعليما عاليا يوازي الدول المجاورة؟ فإمارة مثل امارة الشارقة التي بدأت بدعم من الكويت في مجال التعليم ها هي الآن متفوقة على الكويت بوجود مدينة جامعية تضم اكثر من 12 جامعة وغالبية طلابها من الكويت، وذلك نتيجة لكفاءة القائمين على التعليم في هذه الامارة العربية العريقة التي وجدت في التعليم استثمارا لا يعادله استثمار آخر، فكما ان الاعضاء يطالبون السلطة التنفيذية بخطة عمل مكتوبة فكذلك يجب على اللجنة التعليمية ان تقدم مبادرات اصلاحية واقتراحات برغبة لمساعدة التربية في الخروج والابتعاد عن دائرة الخطر الذي تحذر منه اللجنة التعليمية من دون ان تقدم الوسائل اللازمة والكفيلة لتجنب الخطر الذي اثر على الامن التعليمي والاجتماعي والاقتصادي في الكويت. نعم التعليم في خطر وسوف يزداد الخطر كلما تأخر الدكتور جوهر خصوصا وباقي الاعضاء في تصليح الاوضاع التعليمية الراهنة، فالمطلوب مبادرات اصلاحية تشمل جميع القطاعات في التربية والتعليم العالي، اما مسألة ان تكون في جهة باستطاعتها عمل الكثير، وتقتصر على تحذير الناس من الخطر الداهم في التعليم، وانت تمتلك القدرة على اتخاذ القرار لتغيير الوضع، فنعتقد ان الخطر لا يزال ولن يزال، فمن صلاحية اللجنة التعليمية الاجتماع مع اهل الميدان لمعرفة حجم القصور والتدني في المستوى التعليمي فالمسؤولون رفيعو المستوى دائما ما يعطون صورة جميلة عن ادائهم، خصوصا اذا لم يكن هناك التزام زمني محدد بالمشاريع او بالوعود التي يتطلب من القيادة التربوية الالتزام بها وتنفيذها بصورة جدية، فالمسؤولية كاملة ملقاة على عاتق اللجنة التعليمية التي تعرف الخطر وتكتفي فقط بالتحذير منه!
د. معيوف السبيعي
أكاديمي كويتي
[email protected]