اجتهادات

«الجابرية» إلى مقبرة الطائرات!

1 يناير 1970 06:02 م

ودعت الكويت في 24 من مايو الماضي طائرة الجابرية، حيث حطت رحالها إلى مقبرة الطائرات في هولندا، وفقاً لما تناقلته وسائل إعلامية عديدة. وللطائرة ذكرى أليمة وموحشة عاشها الشعب الكويتي في الخامس من أبريل من عام 1988، حيث شهدت حينها عملية اختطاف جبانة، تعد هي الأطول في التاريخ، انتهت بانتصار الإرادة الحقة والعزيمة العالية والقدرة التفاوضية المميزة، فكانت وما زالت شاهداً حياً على حنكة واحترافية القيادة السياسية الكويتية في مواجهات مثل هذه الأزمات!
بدأت «الجابرية» محنتها عندما أعلنت مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، أن الاتصال مع الطائرة (نوع بوينغ 747) القادمة من بانكوك انقطع فوق الأراضي العمانية، حيث كان على متنها 98 راكباً و15 من أفراد طاقمها، ومن بين الركاب ثلاثون كويتياً. روى الشهود بعدها أن مسلحين اقتحما قمرة القيادة وطلبا من قائدها الكابتن صبحي يوسف ومساعده عيد العازمي التوجه في اتجاه الشرق، وبعد طيران استمر أكثر من ساعتين هبطت الطائرة في مطار مشهد.
مكثت الطائرة في مشهد ثلاثة أيام متواصلة انتقلت بعدها إلى قبرص لمدة خمسة أيام، بعد أن رفضت السلطات اللبنانية هبوط الطائرة في مطار بيروت الدولي، ومن ثم إلى الجزائر لمدة ثمانية أيام. انتهت الأزمة بعدها وغادر الخاطفون عبر طائرة خاصة إلى جهة غير معلومة، واستشهد مواطنان كويتيان أثناء عملية الاختطاف هما الشابان عبدالله حباب الخالدي وخالد أيوب الأنصاري رحمهما الله.
كانت مطالب الخاطفين واضحة مقابل إنهاء أزمة الاختطاف وهي إطلاق سراح 17 سجيناً، حكم على بعضهم بالإعدام، بسبب هجمات إرهابية نفذوها تتعلق بتفجير سفارتي فرنسا والولايات المتحدة في الكويت عام 1983، وأحداث أخرى شهدتها الكويت بسبب موقفها المتضامن مع العراق في حربه مع إيران. إلا أن السلطات الكويتية رفضت المقايضة وكان لها ما أرادت!
حينها قال سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح طيب الله ثراه في كلمة وجهها إلى الشعب الكويتي في 23 أبريل 1988: (لقد عاشت الطائرة المختطفة ستة عشر يوماًَ كانت فيها أرض صراع بين أبرياء لا يملكون ما يدفعون به عن أنفسهم، وبين أشباح أبت أن تظهر في النور... ومن الظلام جاءت وإلى الظلام عادت، وبإيمان عميق ودعنا شهداءنا الأبرار الذين لحقوا بإخوة لهم سبقوا إلى جوار ربهم من أجل الدفاع عن وطنهم وكرامته ومبادئه).
لقد أشارت الوثائق البريطانية بوضوح وفقاً لما جاء على لسان وزير خارجيتها جيفري هاو أن (جماعة الجهاد الإسلامي، التي هي ذراع الخطف والابتزاز لمنظمة حزب الله الإرهابية هي المسؤولة، بما يكاد أن يكون يقيناً عن خطف طائرة الخطوط الجوية الكويتية، خلال رحلتها من بانكوك إلى الكويت، عماد مغنية صهر أحد الـ17 إرهابياً المدانين والذين يقضون عقوبات بالسجن في الكويت، يُعتقد أنه الذي يدير عملية خطف الطائرة).

***
كم كنت أتمنى أن تخلد ذكرى هذه الرحلة وهذه الطائرة، وأن تبقى شامخة على أرض الوطن لتكون قصة ومثالاً حقيقياً تتناقله الأجيال القادمة عن عزيمة وقوة وإصرار الشعب الكويتي! كم كنت أتمنى أن ينتج المعنيون في جهات الدولة فيلماً وثائقياً، يحكي هذه المرحلة الحرجة التي عاشتها الكويت! لكن للأسف، لم يبق لنا من هذه الطائرة بعدما رحلت إلى مقبرة الطائرات، سوى كلمات الشهيد فهد الأحمد رحمه الله لترددها الأجيال القادمة:
أنا كويتي أنا... أنا
أنا قول وفعل
وعزومي قوية
أنا كويتي أنا... أنا
أنا عن موقفي
تحجي الجابرية

[email protected]