روتْ مسار التحقيقات الأولية وكيفية تنفيذ المبسوط العملية خطوة خطوة

وزيرة الداخلية اللبنانية: إرهابي طرابلس «ذئب منفرد» ولم يُقتل بانفجار حزام ناسف

1 يناير 1970 08:11 م
  • إنشاء غرفة عمليات افتراضية في كل منطقة لإدارة الأزمات الأمنية
  • من الخطير استغلال جريمة إرهابية لشدّ العصَب الطائفي والسياسي

تمسكت وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن بأن عبد الرحمن المبسوط الإرهابي الذي نفّذ العملية الإرهابية في طرابلس ليل الاثنين "ذئب منفرد"، كاشفة أنه لم يُقتل بتفجير نفسه بحزام ناسف بعد محاصرته في شقة بمبنى سكني دخلها عنوة بل "انفجرت قنبلة فيه عندما كان يحاول رميها على القوة المُهاجِمة نتيجة إطلاق النار عليه"، ومعتبرةً أن وجود شخص "على رادار" القوى الأمنية وتحت التعقّب لا يمنع بالضرورة تنفيذه عملاً إرهابياً، ومستشهدة بحوادث مماثلة وقعت في فرنسا وكان وراءها "مصنّفون ضمن بما يعرف fichier s (تحت المراقبة)، ومع كل المراقبة التي كان من المفترض أن يكونوا خاضعين إليها، تمكّنوا من تنفيذ عمليات إرهابية تجاوزت في بشاعتها ما حصل ليلة العيد في طرابلس".

وجاءت مواقف الحسن في مؤتمر صافي عقدته أمس بعد ترؤسها اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن المركزي خصص للبحث في تداعيات العملية الارهابية في طرابلس التي أدّت الى استشهاد عنصريْن من قوى الأمن الداخلي وآخريْن من الجيش (أحدهما برتبة نقيب)، والتي لم تتأخر في الدخول على خط التوتر السياسي بين "التيار الوطني الحر" (حزب الرئيس ميشال عون) و"تيار المستقبل" (يقوده الرئيس سعد الحريري)، وسط تصويب على الأخير من بوابة الغمز من أن قريبين من "المستقبل" كانوا يرعون "إرهابي طرابلس" وتشكيك بتحقيقات شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي مع المبسوط بعد توقيفه في 2016 إثر عودته من سورية (إدلب) حيث حُكم بالسجن لمدة سنة ونصف سنة أُطلق من بعدها، وصولاً الى إعلان وزير الدفاع الياس بو صعب إنه سيفتح تحقيقاً في ملابسات التحقيقات وهذا الحكم موحياً بضغوط سياسية في الملف.

يُذكر إن صحيفة "النهار" نشرت تفاصيل التحقيقات التي خضع لها المبسوط في 2016 وتُظْهِر أنه "لم يشارك بعمليات عسكرية في سورية، التي مكث فيها مدة قصيرة قارب خلالها "داعش" و"جبهة النصرة"، وقفل عائداً خوفاً من تصفيته من "داعش"، موضحة أنه "كان غادر إلى سورية بقصد الجهاد والالتحاق بـ "داعش" في الرقة التي خضع فيها لدورة شرعية. وما لبث أن عاد أدراجه إثر تكليفه من هذا التنظيم تفجير حقيبة مفخخة بمسؤول "جبهة النصرة" في سورية "أبو هريرة". ولم ينفذ مبسوط هذه العملية لأنه أخبر "ابو هريرة" الذي تربطه به معرفة مسبقة في سورية، بأمْرها، وعاد أدراجه إلى لبنان موقوفاً".

وعلى وهج هذا الاستقطاب الحاد أوجزت الوزيرة الحسن بحضور قادة الأجهزة الأمنية "نتيجة التحقيقات الأولية التي أجرتها القوى الأمنية والعسكرية" في عملية طرابلسن وقالت:

"إنطلق الارهابي عبد الرحمن خضر مبسوط من منزله في دراجة نارية وهو يحمل 6 قنابل يدوية ورشاشا.
* توجه الى سرايا طرابلس، رمى قنبلة بالقرب من مدخل السرايا اصابت شظاياها مدنيين.
* ومن ثم، توجه الى سنترال الميناء وأطلق الرصاص على آلية تابعة لمفرزة طوارئ طرابلس، ما أدى الى احتراق الآلية وإصابة كل من العريف جوني خليل والدركي يوسف علي فرج باصابات بالغة، وما لبثا ان فارقا الحياة.
* توجه الارهابي بعدها الى محلة المرفأ حيث أطلق النار على آلية للجيش اللبناني أدت الى استشهاد العريف في الجيش ابراهيم محمد صالح.
* انطلق الارهابي من المرفأ الى داخل احياء مدينة طرابلس، ووصل الى شارع دار التوليد. صعد الى بناية وتحصن بداية على سطحها.
* خلال تطويق المبنى من شعبة المعلومات واستخبارات الجيش، رمى الإرهابي قنبلة وأطلق النار فأصاب أحد ضباط الجيش هو النقيب حسين علي فرحات الذي فارق الحياة. ومن ثم نزل الى الطابق الرابع وبدأ يطلق صيحات تكفيرية ضد الجيش وقوى الامن الداخلي.
* اقتحمت قوى ضاربة من استخبارات الجيش، وقوة ضاربة من شعبة المعلومات الشقة، وعندها انفجرت قنبلة بالارهابي، عندما كان يحاول رميها على القوة المهاجمة نتيجة اصابته بعد اطلاق النار عليه، ما أدى الى مقتله".

وإذ أوضحت أن "هذه الوقائع حصلت كما هي، وهي لا تحمل التأويل"،عرضت الحسن لبعض المعلومات عن الإرهابي مبسوط الذي هو "من مواليد 1/11/1992 من حي الحدادين، ولديه سوابق بمواضيع مخدرات وضرب وإيذاء كانت سببا لتوقيفه مرات عدة. وفي تاريخ 6/1/2016، غادر الأراضي اللبنانية الى تركيا ومنها الى ادلب، حيث تابع دورات شرعية وعسكرية، عاد بعدها الى تركيا حيث تم توقيفه وترحيله الى لبنان. وبما أن شعبة المعلومات كانت أصدرت في حقه بلاغ بحث وتحر، تم توقيفه في المطار وتسليمه الى الشعبة التي تولت التحقيق معه تحت إشراف القضاء المختص وتوجيهه. وأحيل بنتيجة التحقيق امام القضاء العسكري الذي اصدر حكما بسجنه سنة ونصف السنة عندما تم التثبت من أفعال جرمية ارتكبها خارج الأراضي اللبنانية".

وأضافت: "في تاريخ 1/9/2017 أخلي سبيله من سجن روميه بعد تنفيذ العقوبة التي حُكم فيها. أما اليوم، فمن يتولى التحقيق في هذا العمل الإرهابي، هي الاجهزة المختصة في الجيش اللبناني وشعبة المعلومات اللذين يقومان بكل ما يلزم لكشف ما حصل بطرق مهنية وباحترافية عالية، وتحت إشراف القضاء المختص ووفقا لتوجيهاته".

ومن ثم انتقلت الحسن لتوضيح المسائل التالية:

"* أولاً: ان مصطلح الذئب المنفرد هو مصطلح تعتمده كل الأجهزة للدلالة على شخص قام بعمل إجرامي، ومنها عملية إرهابية، من دون أن يكون هذا العمل ناتجاً عن أوامر صادرة من مجموعة ينتمي إليها. ومَن يتابع الأحداث العالمية، يعرف أن هذا النوع من العمليات يحصل في كل البلدان: شخص حتى ولو لم يكن لديه تواصل مع منظمات إرهابية، وهو تحت المراقبة من قبل الأجهزة الأمنية، يقرر لوحده، أن يقوم بعمل إجرامي أو له طابع إرهابي. هذا النوع من الحوادث يحصل في اميركا، وفرنسا، ونيوزيلندا، وألمانيا وغيرها من الدول. وللتذكير، فإن الذين نفذوا عمليات ارهابية في فرنسا كانوا مرصودين من الاستخبارات الفرنسية وكانوا مصنّفين ضمن بما يعرف fichier s (تحت المراقبة). ومع كل المراقبة التي كان من المفترض ان يكونوا خاضعين اليها، تمكنوا من تنفيذ عمليات ارهابية تجاوزت في بشاعتها ما حصل ليلة العيد في طرابلس.

* ثانياً: المجرمون الإرهابيون القادرون بدم بارد أن يقتلوا أبرياء، لا يمكن وصْفهم إلا أنهم أشخاص غير متّزنين عقلياً. وأكرر أنهم غير متزنين عقلياً بالمعنى المجازي وليس الطبي، وهذا ليس سبباً لتبرير الجريمة، إنما لوصف الحد الذي وصل اليه هذا النوع من الأشخاص بالإجرام واللانسانية، وهذا الأمر يكون بالتالي سبباً لتشديد العقوبة عليهم وليس إلى تخفيفها أبداً".

وعن مدة سجن الإرهابي في السابق، أوضحت أن "الاجراءات القضائية التي تتخذ بأي جريمة، ومنها الجريمة الإرهابية تمرّ بمراحل مختلفة هي:
1- كل التحقيقات التي تجريها الضابطة العدلية من استخبارات الجيش او قوى أمن داخلي او أمن عام أو أمن دولة تتم تحت اشراف القضاء، وفي ما يتعلق بالجرائم الارهابية فتتم تحت إشراف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
- 2 إن مهمة الأجهزة الأمنية تختصر على استقصاء الوقائع في شكل مجرد ومن دون إعطاء اي توصيف قانوني.
3 - عند انتهاء التحقيقات، يحيل الجهاز الأمني الملف الى القضاء الذي بدوره يتولى الادعاء والتحقيق والحكم بعد اعطاء الوصف القانوني للافعال الجرمية".

ولفتت الى أن "العقوبة التي طاولت الإرهابي هي العقوبة التي ارتأت المحكمة، التي هي مستقلة عن كل السلطات، أنها مُناسِبة لمعاقبة الأفعال التي ارتكبها خارج الأراضي اللبنانية".

وعن العِبر التي يمكن استخلاصها مما حصل، قالت الحسن إن "طرابلس كانت أثبتت قبل العملية الارهابية، وهو ما أكدته بعدها، أنها مدينة تنبذ كل أنواع التطرف. كما تَبين بعد هذه السنوات أن لا بيئة حاضنة للارهاب في لبنان او للفكر التكفيري، أكان داخل الطائفة السنية أو في أي مدينة من مدن لبنان، وخصوصاً في طرابلس".

ولفتت الى أن "من الخطر استغلال جريمة ارهابية لشد العصب الطائفي او السياسي"، معتبرة ان "ثمة مسؤولية مشتركة بالتساوي، بين الاعلاميين والسياسيين، للتعاطي مع حدث مماثل وهكذا جرائم ارهابية بحرفية بحيث لا تنقلب الامور مبارزة للحصول على سبق إعلامي"، ومشيدة "بعمل الأجهزة الأمنية التي، نتيجة أعمالها الاستباقية، منعت ارتكاب عشرات الجرائم التي كان يمكن ان تؤدي الى خسارة مئات الارواح".

وقالت: "ان الأجهزة الامنية والعسكرية، من شعبة المعلومات وأمن عام واستخبارات الجيش وأمن دولة، أوقفت عدداً كبيراً من الاشخاص كانوا يحضّرون لعمليات ارهابية. وشعبة المعلومات وحدها نفذت أكثر من 30 عملية توقيف لأشخاص كانوا يتحضرون لتنفيذ عمليات إرهابية منذ العام 2016. وهذه الأعمال أدت، من ضمنها، الى إحباط محاولة تأسيس بنية تحتية لداعش واستهداف نظامنا الديموقراطي عبر تنفيذ أعمال إرهابية خلال الانتخابات النيابية".

وشددت على أن "هذه الاعمال الاستباقية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، تتم بعيداً من الاعلام، وبصمْت وحرفية عالية، وتؤدي الى تجنيب البلد أعمال إرهابية قد تفوق بفظاعتها ما حصل في طرابلس".

وأضافت: "من المؤكد ان اللبنانيين يعتبرون ان من المعيب استغلال جريمة ارهابية ودماء شهداء ان كان من الجيش او قوى الامن الداخلي لاغراض سياسية او لتصفية حسابات مع خصومهم".

وختمت ان "مواجهة الارهاب تتطلب بداية توحيد الخطاب السياسي، واضافة الى ذلك تأكيد أهمية التنسيق القائم بين الأجهزة الأمنية في ما بينها، وعلى سبيل المثال مجلس الامن المركزي الذي يضم كل الأجهزة الأمنية والعسكرية ويعقد اجتماعات دورية وهو يشكل إطاراً للتعاون والتنسيق. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فيجب تأكيد ضرورة التنسيق بين الاجهزة الامنية والقضاء والاعلام. وبهذه الطريقة، وبدعم من الاعلام المسؤول، نتمكن من تحصين دولة القانون".

وإذ كشفت أنه "تَقرر في ضوء اجتماع اليوم انشاء غرفة عمليات افتراضية في كل منطقة، بحيث تجتمع فروع المناطق لإدارة أي أزمة أمنية باشراف القضاء وفي حضور قاض وسيتم بحث هذه المسألة في الاجتماع المقبل في حضور قادة الأجهزة الامنية"، قالت رداً على سؤال حول إعلان وزير الدفاع أن من المبكر جداً وصف مبسوط بأنه غير متزن عقلياً: "مع احترامي لوزير الدفاع، عندما نقول غير متزن عقلياً فهذا لا يعني أننا نقول إنه مختل عقلياً. ما نقوله إن مَن يقوم بمثل هذا العمل الارهابي واضح انه ليس سوياً لأنه لا يملك أي قطرة من الانسانية وهو مجرم. نقارب المسألة من هذه الزاوية".

وعما قيل عن أن الإرهابي، وأثناء التحقيق معه مجدداً قبل أشهر عقب توقيفه لنحو 24 ساعة، أفاد إن لديه شعوراً بالانتقام من الجيش والقوى الأمنية، أجابت: "لا علم لي بهذه المعلومات والتحقيقات هي في يد القضاء وهو الذي يأخذ بها ويُصْدِر حكمه، وهنا أقول إن هذا الشخص لم يرتكب أي عمل إجرامي داخل الأراضي اللبنانية في تلك الفترة. ولو كانت لديه النية، نحن لا نحكم على النيات بل على الأعمال، وبالتالي القضاء أصدر حكمه بالمدة التي أمضاها في السجن والتي هي سنة ونصف سنة".

وسئلت: "هل من اجراءات جديدة ستتخذونها في طرابلس بعد الحادثة الأليمة؟" فأجابت: "الإجراءات قائمة في كل الأوقات، اجتمعنا كمجلس أمن فرعي، واليوم نجتمع كمجلس أمن مركزي، واتفقنا على ان نكون بالمرصاد لكل عملية قد تحصل. لكن أكرر أن مثل هذه العمليات لا يمكن ان يتم التحوط منها قبل وقت لأنه لا يمكن ان تدخل الى عقل أي شخص وتكشف ما يمكن ان يفعله وهذا ما يعرف بالذئاب المنفردة الذين يعملون بمفردهم".

وعن التقاذف السياسي الذي يؤثر في عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية أحياناً، قالت الحسن: "تتطرقون الى حال نعيشها كما يعيشها الإعلاميون وهذا يضرّ بكل الحال التي نسعى الى تثبيتها في لبنان. نحن كفريق سياسي متمسكون بالتسوية السياسية لأن هدفنا النهوض بالاقتصاد، وأن نتطلع الى احتياجات المواطنين الذين يرزحون تحت أعباء كبيرة. من هذا المنطلق، نحن متمسكون بهذه التسوية، والسؤال يُوجَّه الى من يصوّب على الحال التي جاهدنا حتى نصل اليها".