تحقيق / الاستثمار والخدمات المالية والصناعة 3 قطاعات متبعثرة تحتاج إلى «التجميع»
هل يوفر سوق الأسهم أرضية ملائمة لعمليات الدمج؟
1 يناير 1970
07:08 ص
|كتب رضا السناري|
على خلفية صخب الأزمة المالية العالمية الحالية، ساد في الآونة الاخيرة الاعتقاد بأن الدمج والاستحواذ من الادوات المالية التي يتعين ان تفكر فيهما الشركات المتعثرة بجدية في مواجهة مشاكلها، هذا السيناريو لم يكن بعيدا عن طاولة بنك الكويت المركزي، بل كان ضمن مجموعة متنوعة من ملفات الحل التي طرحها محافظ المركزي الشيخ سالم عبد العزيز الصباح في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على سوق الكويت للاوراق المالية.
وفي الحقيقة لا احد ينكر ان الدمج والاستحواذ شانه شان اي مشروع زواج يعتمد في نجاحه على اختيار الشريك الصالح، اذ انه ومن دون الاختيار الموفق سيكون الفشل مصيرا لا محال من مواجهته.
هل سوق الأسهم الكويتية توفر أرضية خصبة ومثالية لعمليات الدمج والاستحواذ؟
قبل التوصل إلى الاجابة دعونا نفهم ما هو الدمج وما هو الاستحواذ؟
الدمج عبارة عن جمع شركتين أو أكثر، ويتم ذلك عادة عن طريق عرض على مساهمي إحدى الشركات سندات في الشركة التي تقوم بدمج الشركة أو الشركات الأخرى وذلك لقاء تخليهم عن أسهمهم في الشركة التي يجري دمجها.
اما الاستحواذ فهو إجراء تقوم بموجبه شركة ما بشراء معظم، إن لم يكن جميع أسهم الشركة المستهدفة بهدف الحصول على حق السيطرة على الشركة المستهدفة. وغالبا ما تجري عمليات الاستحواذ كجزء من استراتيجية النمو الخاصة بالشركة حيث انه من الأفضل لها الاستحواذ على شركة تملك عمليات جارية وتعمل في سوق تتمتع فيه بمكانة جيدة، وذلك مقارنة بالتوسع الذاتي. (غالبا ما تدفع قيمة عمليات الاستحواذ نقدا أو بالحصول على أسهم في الشركة التي تقوم بالاستحواذ أو مزيج من الاثنين. ويمكن أن يكون الاستحواذ وديا أو هجوميا).
مبررات عمليات الدمج والاستحواذ في الكويت:
هناك عدة عوامل إقليمية يمكن أن تساعد في زيادة نشاط الدمج والاستحواذ في الكويت. تشهد سوق الأسهم الكويتية مستويات متدنية من الأسعار لم تعهدها وذلك على اثر الهبوط الحاد الذي تعرضت له الأسواق. وكذلك أثرت أزمة الائتمان على شركات كثيرة تتمتع بأوضاع أساسية سليمة، حيث تواجه هذه الشركات صعوبات وعقبات في سعيها لتجديد مديونياتها أو الحصول على تمويل جديد. بإمكان عمليات الدمج والاستحواذ المساعدة بطريقة تتغلب على المسائل المرتبطة بالسيولة عن طريق المشاركة في مجموعة الموارد والتدفقات النقدية المتاحة وذلك بهدف المحافظة على استقرار الشركات والإبقاء على مستوى تصنيفها الائتماني.
القطاعات المرشحة للاندماجات
من قطاعات الاقتصاد الكويتي التي يمكن أن ترى الكثير من عمليات الدمج والاستحواذ قطاع الاستثمار والخدمات المالية المتنوعة وقطاع الصناعة، ويضم هذان القطاعان شركات كثيرة مدرجة وأخرى غير مدرجة. على سبيل المثال، هناك 96 شركة استثمار في الكويت (منها 45 شركة مدرجة)، الأمر الذي يدل على ما تشهده صورة هذا القطاع من تبعثر شديد.
يمكن لعمليات الدمج والاستحواذ في هذا القطاع أن تؤدي إلى تجميع واقتسام الموارد على النحو الأمثل. وفي قطاع الصناعة نجد العديد من الشركات الصناعية غير المركزة والمملوكة لمجموعات عائلية، وهنا أيضا يمكن أن تجري مشاركات أكبر في رؤوس الأموال وعمليات دمج واستحواذ بهدف الاستفادة من انخفاض أسعار الأسهم وأيضا لغرض التجميع.
وثالثا، يمكن أن تبدأ الشركات العقارية بمواجهة آثار أزمة الائتمان خلال الفترة المقبلة، وبشكل يشبه ما واجهته الشركات العقارية في الإمارات العربية المتحدة. ولعل القارئ على علم بالتطورات في الإمارات حيث اتخذت السلطات التنظيمية خطوة رئيسية تمثلت في دمج مجموعتي «أملاك» و«تمويل»، وهما شركتا إقراض مدعوم بالرهون رئيسيتان، وذلك لتسهيل ومراقبة عمليات الإقراض العقاري في الإمارات. ولكي يتم تجاوز آثار أزمة السيولة الحالية، لقد بات حتميا على الشركات العقارية أن تتعاون لكي يتسنى لها استخدام مواردها المجمعة بشكل كفؤ.
وهناك قطاع آخر تأثر بشكل كبير بالأزمة الحالية، وهو قطاع الترفيه والسياحة، حيث يمكن أن يشهد عمليات دمج واستحواذ كثيرة في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي في الأيام المقبلة. وفي هذه الفترة، التي تبحث فيها الصناديق السيادية والشركات التي تملك سيولة وفيرة عن المزيد من الفرص ضمن المنطقة، وليس خارجها، يبدو أن على الشركات العاملة في هذه المنطقة أن تتبنى شعار «في الاتحاد قوة».
ولعمليات الدمج والاستحواذ إيجابيات عامة منها:
• إلى جانب المنافع العامة للدمج والاستحواذ في الكويت هناك ايجابيات آخرى مثل زيادة فرص توفر التخصص الإداري، وأيضا اقتصاديات الشراء بسبب ازدياد حجم الطلبيات وما يرتبط بها من خصم عند شراء كميات كبيرة.
• زيادة الإيرادات وحصة السوق: تفترض هذه المقولة ان الشركة المستحوذة تقوم بالاستحواذ على منافس رئيسي لها فتزيد قدرتها على تحديد السعر بعد الاستحواذ.
• فرص البيع المتقابل: إذا قام أحد البنوك بشراء شركة وساطة أسهم فإنه يستطيع بيع منتجاته المصرفية إلى عملاء شركة الوساطة، من جهة أخرى تستطيع شركة الوساطة جذب عملاء البنك للتعامل معها. وكذلك يستطيع المصنع شراء وبيع منتجات مكملة لمجموعة منتجاته.
• الضرائب: يمكن للشركة التي تحقق أرباحا أن تشتري شركة خاسرة لكي تستخدم رصيد خسائر الشركة المستهدفة في تخفيض الالتزامات الضريبية الخاصة بالشركة التي تقوم بالاستحواذ. وتجدر الإشارة إلى هناك تشريعات وقواعد في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى تهدف للحد من قدرات الشركة التي تحقق أرباحا على السعي للاستحواذ على الشركات الخاسرة، الأمر الذي يضعف قيمة هذا الهدف من أهداف الاستحواذ.
• التنويع: يكون الهدف هنا هو تنويع وتوزيع مصادر إيرادات الشركة وما ينتج عنه على المدى الطويل من استقرار بسعر سهم الشركة، الأمر الذي يعطي المستثمرين المحافظين ثقة أكبر في الاستثمار في الشركة. إلا أن هذا الهدف لا يعطي قيمة مضافة لمساهمي الشركة في جميع الأحوال.
• تحويل الموارد: غالبا ما تكون الموارد موزعة بشكل غير متساو بين مختلف شركات المجموعة، ولهذا فإن التفاعل بين موارد الشركة التي تقوم بالاستحواذ والشركة المستهدفة يمكن أن تخلق قيمة مضافة عن طريق التخلص من عدم التناسق أو من خلال دمج الموارد النادرة.
في المقابل هناك سلبيات للدمج والاستحواذ يمكن تلخيصها في الآتي:
• الإخفاق في تحقيق التناسق: في بعض الحالات، قد لا تكون الشركة التي جرى دمجها قادرة على تحقيق التناسق الفعال من خلال الدمج بهدف خفض تكاليف التشغيل الثابتة.
• الجشع: المنافع المستهدفة من خلال زيادة الإيرادات قد يشوبها الجشع في حالة الدمج الأفقي.
• تعويض المدير: في الماضي، تم احتساب تعويضات الإدارة التنفيذية في الشركة المستهدفة على أساس المبلغ الإجمالي لأرباح الشركة بدلا من ربح السهم، الأمر الذي يعطي الإدارة التنفيذية حافزا أقوى ولا يقوم على أسس سليمة تماما لشراء الشركات وذلك بهدف زيادة الربح الإجمالي مع أن مثل هذا الاستحواذ يمكن أن يؤدي إلى تخفيض ربح السهم (ويضر بمصالح مالكي الشركة، أي مساهميها)، وذلك مع أن بعض الدراسات تظهر أن التعويض مرتبط «بالربحية» وليس مجرّد ربح الشركة.
• عدم استمرار القيادة: أشارت دراسة نشرت في عدد يوليو أغسطس 2008 من «مجلة استراتيجية الأعمال» إلى أن عمليات الدمج والاستحواذ تقضي على عنصر الاستمرارية في قيادة فرق الإدارة العليا في الشركات المستهدفة وذلك لفترة لا تقل عن عشر سنوات بعد تنفيذ صفقة الدمج أو الاستحواذ. وقد تبيّن من خلال الدراسة أن الشركات المستهدفة تفقد 21.0 في المئة من مسئوليها التنفيذيين كل سنة ولمدة لا تقل عن عشر سنوات بعد الاستحواذ، وهي نسبة تزيد على ضعف النسبة لدى الشركات التي لم تخضع للدمج.
أثر عمليات الدمج والاستحواذ على سوق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي:
• بعد عالمي وخبرات عالمية: الخبرة الفنية والتكنولوجيا والعلامات التجارية والبحث والتطوير والتخصيص الحكيم لرأس المال هذه المرة (التركيز على القيمة) واقتناء الأصول طويلة الأجل. على سبيل المثال: استحواذ شركة سابك على شركة جي إي بلاستكس بقيمة 11.6 مليار دولار أميركي في شهر أغسطس 2007، الأمر الذي أدى تمكين سابك من الحصول على مبالغ نقدية كبيرة وانتفاعها من خبرات ومخرجات مراكز بحث وتطوير رائدة وبعد عالمي من خلال مختلف الشركات التابعة لشركة جي إي بلاستكس.
• توفير عمق أكبر للأسواق المحلية: الحصول على أصول خارجية وإدراجها في البورصات المحلية وجذب شركات أجنبية لإدراجها في السوق المحلية وتوفير الفرصة للمستثمرين المحليين للاستثمار في شركات عالمية. على سبيل المثال: دي بي وورلد وسوق دبي المالية الدولية: قيام دي بي وورلد بالاستحواذ على بننسوللار أند أورينتال بقيمة 6.78 مليار دولار أميركي يمكن تبريره من الناحتين الفنية والاستراتيجية. فقد أدرجت دي بي وورلد في بورصة دبي وسوف يساعد هذا في تطوير السوق المحلية. أما سعي سوق دبي المالية الدولية لشراء بورصات خارجية فإنه توجه إيجابي يهدف إلى خلق ارتباط فني وعالمي مع الأسواق العالمية.
• التجميع والحجم: إن هناك صناعات، كصناعة الخدمات المصرفية التي أصبحت مجزأة بشكل كبير في حين أن العولمة والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يتطلب أن يكون حجم البنوك كبيرا كما يتطلب دعما إداريا وماديا حكوميا أقل في المستقبل، علما بأن الشركات العالمية لا ترحب كثيرا بفقدان العائلة للسيطرة على شركاتها. على سبيل المثال: البنوك والاتصالات: بنك الإمارات اندمج م بنك دبي الوطني في وقت سابق من هذا العام بصفقة بلغت قيمتها 3.8 مليار دولار أميركي. وكذلك قامت شركات اتصالات أقليمية كبرى مثل شركة الاتصالات المتنقلة وشركة اتصالات بتوسيع حجم ومدى عملياتهما بشراء شركات في دول نامية في آسيا وأفريقيا، علما بأن شركات الاتصالات في دول مجلس التعاون الخليجي قد استهدفت تلك الدول عندما كانت بيئة الاستثمار الدولي أكثر امتناعا عن تقبل المخاطرة.
• تطور سوق سندات الدين المحلية: لقد تم تسهيل معظم الصفقات من خلال بروز أداة الصكوك، الأمر الذي زاد الحاجة لإنشاء سوق سندات محلية والمحافظة على تصنيف ائتماني جيد للشركات الخليجية.
• التأثر بالأزمات العالمية: لقد بدأت الأزمة التي ضربت الأسواق العالمية بالتأثير على أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وقد تأثرت «شركة المملكة القابضة» بشكل كبير عندما انهارت مجموعة سيتي بانك نتيجة لأزمة الائتمان، الأمر الذي أدى بشركة المملكة القابضة إلى خسارة منافع التنويع. نشاط الدمج والاستحواذ
في دول مجلس التعاون الخليجي
شهدت منطقة دول مجلس التعاون الخليجي نشاطا كبيرا في عمليات الدمج والاستحواذ خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت من أبرز قوى الدفع وراءها ما يلي:
• مؤسسات الاستثمار التابعة للحكومات المختلفة.
• وفرة السيولة في المنطقة نتيجة لارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية.
• استثمارات ذكية هذه المرة، مقارنة بفترة الانتعاش النفطي السابقة.
• انتعاش النشاط الاقتصادي العالمي في أسواق الأسهم الخاصة، والذي يدعمه:
- انخفاض تكلفة الاقتراض
- استعداد أكثر لدى المستثمرين لتقبل المخاطرة.
• بروز أدوات استثمار جديدة كالصكوك.
2.5 مليار تريليون قيمة الدمج والاستحواذ
حتى نوفمبر
بلغت القيمة الأجنبية لعمليات الدمج والاستحواذ على المستوى العالمي 2.5 تريليون دولار حتى شهر نوفمبر 2008، وهذا الرقم أدنى من الـ 4.1 تريليون دولار التي تمثل حجم عمليات الدمج والاستحواذ في العام 2007.
الاستحواذ الودي والهجومي
يجري الاستحواذ الودي عندما توافق الشركة المستهدفة على قيام شركة أخرى بالاستحواذ عليها. أما في حالة الاستحواذ الهجومي، فإنها لا تتضمن موافقة كهذه من جانب الشركة المستهدفة وتحتاج الشركة التي تقوم بالاستحواذ لشراء كميات كبيرة من الأسهم في الشركة المستهدفة لكي تمتلك أغلبية أسهمها. وأيا كان نوع الاستحواذ، إن ما يجري في معظم الأحيان هو أن الشركة التي تقوم بالاستحواذ تعرض على مساهمي الشركة المستهدفة سعرا أعلى من السعر السائد في السوق لقاء أسهمهم في الشركة المستهدفة وذلك بهدف إقناع هؤلاء المساهمين بالبيع. وعلى سبيل المثال، عرضت نيوز كورب علاوة على سعر السوق بلغت 65 في المئة في مسعاها للاستحواذ على شركة داو جونز.