واضح

تكاليف الحياة!

1 يناير 1970 08:20 ص

تكاليف الحياة التي سئمها زهير بن أبي سلمى - واستغرب كيف لا يسأمها من عاش ثمانين سنة وهو يؤديها؟ - قد تكون سر سعادتنا بدلاً من أن تكون سبب شقائنا! العمل من تكاليف الحياة... الالتزام بمواعيده والقيام بواجباته وتحمل أثقاله وأعبائه... كل هذا من تكاليف الحياة... مسؤولية الأسرة والأولاد من تكاليف الحياة... القيام على شؤونهم... تربيتهم... السعي نحو تأمين مستقبلهم... كل ذلك وأكثر من تكاليف الحياة... الواجبات الاجتماعية... التزامات الصداقة... التفكير في المستقبل... المحافظة على صحة البدن... تطوير الذات... المرض... الابتلاء... الفقر... الغنى أحياناً... أشياء كثيرة كلها تنضوي تحت ما سماه زهير بن أبي سلمى تكاليف الحياة.
هذه التكاليف لك أن تؤديها بطريقتين... الأولى... على أنها «تكاليف» بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني التعب والشقاء والإلزام والعنت... أن تؤديها على أنها واجبات ليس إلا... لا معنى لها أبداً! تقوم بمسؤولياتك تجاه نفسك وتجاه غيرك ومجتمعك وأنت مُكره... غاضب... سائم لما تقوم به! حينئذٍ تأكد أنك ستسأم هذه التكاليف وتسأم حياتك معها... تكون حياتك وقتها مجرد أعمال بدنية تؤديها وأنت في منتهى الضيق والضجر.
خيارك الثاني... أن تؤدي هذه الأعمال لا على أنها مجرد تكاليف... لا... لك أن تؤديها مستمتعاً بها... تستشعر من خلالها كل معاني الفرح والبهجة... الأمر قد يبدو من أول وهلة «تخريفاً» أو تنظيراً بعيداً عن الواقع! لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أنه واقع ملموس أيضاً... لك وبمقدورك وبسهولة أيضاً أن تمارس هذه الأعمال وتقوم بها وأنت في غاية سعادتك من دون أن تحس بأي ضيق.
حتى نحسم الأمر سنضرب مثالاً محسوساً... من تكاليف الحياة تلك الأوامر الدينية والشعائر التي يؤديها الإنسان ... الصلاة... الصيام... الحج... وغيرها كثير... قد يؤدي الإنسان هذه الشعائر رغم صعوبة بعضها ومشقته وهو في غاية السعادة والفرح ويشعر وكأنه في جنة الدنيا... وبعضهم قد تكون عليه تلك الأعمال أثقل من الجبال! الاثنان بشر قواهما واحدة... الأعمال واحدة لا تفرق بين هذا وذاك... الاختلاف فقط في الشعور الداخلي عند الاثنين! هذا أداها بإيمان وإحساس بما يمكن لها أن تجنيه عليه من سعادة وخير... وذاك أداها بضيق وكلفة على أنها مجرد «تكاليف»... مثل هذه الشعائر تماماً باقي تكاليف الحياة التي ذكرناها... ومثلها أيضاً تختلف مشاعر الناس تجاهها! أحدهم سعيد... والآخر تعيس... التكاليف واحدة والبشر متشابهون... المشاعر فقط هي التي اختلفت!
تكاليف الحياة تلك ومشاعرنا نحوها وطريقة أدائنا لها هي باختصار سر وسبب سعادة أو تعاسة البشر في هذا الكون... ثقافتنا التشاؤمية للأسف أنستنا كل هذا، ولم تذكرنا إلا بقول زهير بن أبي سلمى:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم.

@LawyerModalsbti