أن تكون دوما كما تريد وبمحض إرادتك وقرارك أمراً ليس بالسهل فثمة أوقات يتعين علينا أن نتخذ قرارات تكون ذات أثر حياتي ممتد الى أبعد من اليوم أو الغد، ولكن في كل الأحوال ينبغي أن يكون الإنسان قادراً على صنع حياته والتكيف معها على وجه يجلب السعادة والرضا والقبول .
صحيح أن للبيئة والمجتمع والظروف الحياتية والأسرية دوراً في تشكيل حياة الفرد، ولكن في المقابل يمكن للإنسان أن يحد من أثر البيئة والظروف بقوة العزيمة والاصرار على أن يكون الأفضل، وأن يختار ويقرر كيف يعيش حياته، هل هي سعيدة، هانئة، مفيدة وممتدة بالعطاء الإنساني إلى أبعد من حدود الذات إلى كل ما هو إنساني وجميل يتخطى حدود الأنا والذات الشحيحة إلى الإنسانية بمعناها الشامل. إذاً كل إنسان يستطيع بما أوتى من ملكات ومواهب ربانية أن يعيش حياته ويشكلها كيفما يشاء. وبصرف النظر عن القرارات المصيرية والمهمة وآثارها المؤكدة على مسارات المستقبل، فإن أي قرار ينبغي أن يقوم على مقدمات فلا يمكن توقع نتائج جيدة من دون مقدمات جيدة فيجب الأخذ بأسباب النجاح ثم التوكل على الله.
ففي حياتنا اليومية نتخذ العديد من القرارات البسيطة منها والمصيرية، فالحياة عبارة عن سلسلة من القرارات التي ستحدد طريق مستقبلنا إما لحياة سعيدة أو العكس.
وتعد عملية اتخاذ القرار من أهم وأصعب الأمور التي يقوم بها الإنسان للتحكم في الظروف التي ستواجهه في حياته.
لذا كان لزاماً علينا التوقف لحظات والتفكر قبل اتخاذ قرار ما، لأن لا أحد يمكنه تحمل تبعات ونتائج قرارك الشخصي ودفع ثمنه الذي يمكن أن يكون مكلفاً وذا نتائج كارثية أحياناً. لذلك لا بد عند اتخاذ أي قرار جمع المعلومات وتحليلها ومعالجتها بطريقة علمية، وتحديد البدائل الممكنة للحل. وفي مرحلة تحديد البدائل ينبغي الإشارة إلى أن اختيار أحد البدائل يتطلب غالباً أخذ الحس البشري في الحسابات عند تفحص أفضلية ما يترتب على بديل ما من نتائج وآثار حالية ومستقبلية، فاتخاذ القرار الناجح يعتمد على التقدير السليم للقرار .
لكل خيار استحقاقاته وثمنه بالطبع فليس هنالك قرار لا تترتب علية نتائج، ولن تكون الخيارات المفضلة عند اتخاذ قرار الزواج مثلاً متاحة على الدوام. فالخيارات الجيدة ليست معلبات مصفوفة على أرفف جمعية أو بقالة يمكن أن تمد يدك وتأخذها بسهولة، إنما يجب العمل الجاد على تهيئة الظروف التي تساعد على توفر معطيات ملموسة لضمان قرارات سليمة وأقل مخاطرة، فكل خطوة صحيحة يجب أن تقربنا من الهدف، وأي جهة يمكن أن تقدم لنا مساعدة في سبيل تحصيل الهدف يمكن أن نتعاون معها .
بالطبع لن تكون صاحب قرارات صائبة بمجرد أن تقرأ كتاباً، أو بمجرد أن تستمع لمحاضرة، ولكن التجربة تجعلك أكثر نضجاً شيئا فشيئا، وتكسبك الخبرة مع الأيام ويمتلكها الإنسان بالممارسة بشكل تدريجي. لذلك يتميز كبار السن وأصحاب التجربة بالحنكة وصواب الرأي ودقة الاختيار أكثر من غيرهم، فالشاب الناشئ عادة لا توجد لديه الأسباب والملكات لاتخاذ القرار الصحيح، وربما يحتاج إلى المشورة أو المعونة والنصيحة.
الحياة ليست رحلة مفروشة بالورود، وقد نضطر أحياناً لاتخاذ قرارات مصيرية لدفع أضرار محتملة أو تحقيق مكاسب مطلوبة، في هذه الحالة فان اتخاذ القرار أفضل من عدم اتخاذه وان كان في القرار أخطاء خاصة في الأمور التي لا بد منها من اتخاذ القرار، لأن عدم اتخاذه يصيب الإنسان بالعجز والشلل في مواجهة الأحداث وحل المشكلات، واللجوء إلى التعامل مع الوقائع والأحداث المهمة في الحياة الشخصية بنظرية المؤامرة وتحميل الآخرين أو الظروف نتائج ما نحن عليه من أوضاع غير مريحة أو مزعجة، فغير كافٍ أن نظرية المؤامرة تريح النفس من تحمُّل تبعات القرارات أو الظروف غير المريحة عن طريق تحميلها للآخرين، وكما قال الفيلسوف الفرنسي سارتر (الجحيم هم الآخرون) ولكن في أحيان كثيرة تكون الظروف مظلومة أكثر من أنها جانية لأنها اُتخذت كشماعة لتعليق الأخطاء والتقصير و العجز عن قراءة الواقع ثم اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب.
فالإنسان بطبيعته لا يقوم بفعل أمر أو قرار ما دون اقتناعه به أو لسبب يدفعه للقيام به، فهما اختلفت الظروف والأسباب، وسواء اتخذ القرار هو بنفسه أو جعل من يتخذه نيابة عنه في نهاية الأمر تم ذلك بمحض ارادته وعلمه.
يمكن للمرء اكتساب الكثير من المهارات عن طريق التعلم، بيد أنه ليس من السهل تعلم القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، لذلك الإنسان ملزم بالاجتهاد والتحرك واتخاذ القرار ولو ترتب على ذلك بعض الأخطاء. فعدم اتخاذ القرار هو أسوأ الأخطاء كلها .
إن المرء مكلف بالاجتهاد بكل ما أوتي من قوة للتوصل إلى القرار السليم، وإذا لم يكن بين البدائل المطروحة حل مناسب فالواجب اختيار أقلها ضرراً وإذا ما تبين بعد ذلك خطأ في القرار كان الأجر مرة واحدة وفي حال الصواب كان للمجتهد أجران، إذاً اتخاذ القرار هو عملية متحركة وعلى المرء أن يراقب ويتابع نتائج قراراته ليعدلها عند الحاجة.
ومن محاذير اتخاذ القرارات، اتخاذ قرار تحت تأثير العواطف لأنها قد تكون سببا في اتخاذ موقف لا يتفق مع المبدأ أو ما ينبغي ان يكون عليه الإنسان، أيضاً من المحاذير التردد، فكثير ما يتردد الناس ولا يعزمون أمراً ولا يتخذون قراراً، ولا ينشئون عملاً ولا يبدون ممارسة، فتضيع الأوقات الثمينة دونما نتيجة، فالتردد مبدد للجهد ومضيعة للوقت ومؤثر في النفس.
فقد ورد في الأثر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، فبعض الناس إذا أراد أن يفعل أمراً أو يتخذ قراراً أذاعه في كل مكان فتأتيه مستجدات، وأمور لم يتحسب لها فتتعطل خططه وربما يفشل في مشروعه وهكذا فكثرة الكلام وإشاعة الأخبار لا يحصل منها في غالب الأحوال فائدة .
وتذكر عدم اتخاذ القرار هو قرار بحد ذاته ومن صنع يديك، فلماذا لا يكون قراراً تصنع به سعادتك.
ومع كل يوم جديد نواجه تحديات ونستشرف آمالا وتطلعات تحتاج منا إلى قرار مناسب في الوقت المناسب.
فالحياة قرار...والقرار بيديك.
فاختر ما شئت.
* مستشار جودة الحياة وكاتبة كويتية
Twitter : t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]