كان رفاقي من الطلبة في الثانوية مغرمين باللاعب جاسم يعقوب، وكنت أستمع لهم مستغرباً لتعلقهم به ووصل الأمر إلى أنهم كانوا يتبادلون قصاصات الورق من الصحف اليومية، في ما كان معظمهم يقتني فانيلته الصفراء (لنادي القادسية) أو الزرقاء (لمنتخب الكويت) والتي تحمل الرقم 9 اقتداءً ببطل الملاعب المرعب... ومن هنا كانت حكايتي معه.
من غير المنصف أبدًا أن أسلط الضوء على جاسم يعقوب من دون زملائه في العصر الذهبي لكرة القدم الكويتية... فيصل الدخيل وفتحي كميل ومحمد كرم وعبد العزيز العنبري وحمد بوحمد وأحمد الطرابلسي وسعد الحوطي ومؤيد الحداد ويوسف سويد ومحبوب جمعة وعبدالله معيوف وغيرهم من أولئك الذين كانوا رفاق رحلته في تحقيق إنجازاتهم، وبالتأكيد فإنني أرفع القبعة تحية تقدير وامتنان لهذه العصبة من اللاعبين الذين أسعدونا وتابعناهم عن كثب في مسيرتهم الكروية... ذلك المنتخب الذي عزف أجمل سيمفونيات اللعب الاحترافي وأذهلوا القريب قبل البعيد، فكانت حركتهم على الملعب أنغاماً متجانسة على نسق واحد أضفى الكثير من الجاذبية لكرة القدم الكويتية والتي حلت في المرتبة الأولى لسنوات في بطولات الخليج العربي وكأس آسيا.
تأتي بطولة كأس الخليج في العام 1976 على قمة البطولات التي خاضها جاسم يعقوب وما زلت أذكرها تقريبا بكل أحداثها... كنا ننتظر بداية كل مباراة بشغف وشوق من أجل مشاهدة منتخب الكويت وهو يحقق النصر تلو الآخر، فأنفاسنا محبوسة وأصواتنا مكتومة وقلوبنا من اللهفة تخفق بكل قوة، لم يكن مقدراً لأحد أن ينبس ببنت شفة أو ينطق بكلمة ليس لها معنى فالأمر عظيم والمباراة تتطلب تركيزنا الكامل... وطالما أنه لم يكن مسموحاً لنا الذهاب للأندية لمشاهدة المباريات، فعلى الأقل نشاهدها تلفزيونياً ونتابع خطوات الدخيل الخاطفة وتكتيكات العنبري المذهلة ورقصات فتحي كميل الممتعة وروائع المايسترو جاسم يعقوب.
هذه البطولة كانت ذات خصوصية تختلف عما سبقها من البطولات، فالمرة الأولى يشارك المنتخب العراقي في بطولات كأس الخليج، وكان حينها المنتخب العراقي في أوج عطاءاته وقوته ولذلك كان يعتبر منافساً شرساً وندّاً قوياً أمام فرسان المنتخب الأزرق... توّجت هذه البطولة المنتخب الكويتي على قمة المنتخبات وحصد فيها جاسم يعقوب جائزة هداف البطولة وسجل هو ورفاقه العديد من الأهداف الجميلة، التي اعتبرت دروسا كروية للهواة والمحترفين.
كانت فرحتنا لا توصف وسعادتنا لا توجز بكلمات أو تختصر بعبارات، فالنصر كان حليفنا ولا بد لنا أن نحتفل وقد تم ذلك حيث جمعنا بعض الدنانير وتناولنا عشاءً فاخراً من سندويشات الشاورما والتي كانت جديدة حينها في الكويت.
أما بطولة كأس العالم في اسبانيا في العام 1982 فقد كانت حدثاً فريداً ونقطة تحول كبرى في تاريخ كرة القدم الكويتية بشكل خاص والعربية بشكل عام، ذلك أنها المشاركة الأولى للكويت في نهائيات كأس العالم والتي تأهل لها عن جدارة واستحقاق. رافق هذا الحدث أغنية شهيرة للمنتخب كتب كلماتها الشهيد الشيخ فهد الأحمد كرد فعل على التعليقات العنصرية من الجمهور النيوزيلندي الذي اتهم أفراد المنتخب الكويتي بأنهم عرب رُحّل وأهل بداوة وليس لهم علاقة بلعب كرة القدم، حينها قرر الشيخ فهد أن يجعل الجمل أيقونة المنتخب في هذه البطولة الدولية نكاية بهم، وكتب هذه الكلمات التي تعيش في وجداني وذاكرة كل من عاصر تلك الفترة الذهبية:
هيدوه... هيدوه... Our camel
هيدوه... هيدوه... Lovely camel
زرق الفنايل راكبين جمال... هيدوه...
سمر الملاعب غنوا اليامال... هيدوه.. هيدوه...
ياحلو الاسم... كويتي... والله والنعم... كويتي..
يا حاملين الراية... هيدوه يالله هيدوه... نصر بلادي غاية..
هيدوه يالله هيدوه
وقد كانت المفاجأة، عندما فاز منتخب الكويت في التصفيات على منتخب نيوزيلاندا في مدينة أوكلاند النيوزيلندية وانتزع «الأزرق» البطاقة الوحيدة عن قارة آسيا بفوزه 2-1 ذهاباً، وأحد تلك الأهداف كان للجوهرة جاسم وبرأسه، في حين تعادل المنتخب مع نيوزيلاندا 2-2 إياباً في الكويت، مما رد لهم الصاع صاعين وشعرنا حينها بنشوة النصر وحلاوة الفوز وشاعت البهجة في كل بيت عربي... وبالتأكيد في بيتنا الذي قامت فيه الدنيا ولم تقعد ووصل هتافنا وصراخنا إلى مسافات بعيدة قام على إثرها أبي بتأنيبنا على هذا السلوك... غير الحضاري.
كان جاسم يعقوب رأس حربة المنتخب الكويتي وعلى الرغم من النتائج المتواضعة التي حققها المنتخب في المباريات التالية وعدم تسجيل جاسم لأي هدف وإصابته في أحد تلك المباريات إلا أن المشاركة بالبطولة بحد ذاتها كان إنجازا فريدا.
تواضعت الكلمات وتناثرت الحروف وجفّت الأقلام وفقدت كرة القدم الكويتية بريقها بغياب جاسم يعقوب عن الساحة الرياضية بسبب مرضه وابتعاده القسري عن الملاعب، ورغم كل ما حدث فإن مقامه محفوظ بالذاكرة ومهاراته لا تزال تعيش فينا وما كلماتي هذه إلا نقاط في بحر إبداعاته الكروية... فشكرا لكم بو حمود وحفظكم الله ورعاكم من كل مكروه على أمل أن تنتج الملاعب من يحمل من إرثكم الكروي ما قد يعين على إعادة كرة القدم الكويتية إلى سابق عهدها ومجدها الذهبي التليد.