مثقفون بلا حدود

الرمز والرمزية... رؤية أدبية وفنية (3 من 3)

1 يناير 1970 08:44 ص

لنعد مرة أخرى إلى نص مؤلف كتاب (التحليل السيميولجي للفيلم)، الذي يرى بأن «أسس التحليل النصي يمكن أن تكون مدروسة من خلال عنصرين منهجيين:1- اللغة السينمائية والكتابة الفيلمية. 2- التحليل النصي»أ.هـ.
في رأيي الشخصي أن الرمز والرمزية لا يبتعدان كثيراً عن هذين العنصرين المنهجيين، ففيما يتعلق بالعنصر الأول (اللغة السينمائية والكتابة الفيلمية) أرى أن كل لغة يستخدمها الكاتب السينمائي، إنما هو يرمز بها لأشياء عدة في ذهنه، أراد إيصالها للمشاهد، على أن ليس كل ما يوجد في ذهن الكاتب السينمائي يستطيع المشاهد أن يصل إليه، فتظل هناك أشياء غامضة استحالة أن يبوح بها الكاتب لأحد، وأشك أن يصل إلى مفهومه أحد؛ فكل مفهوم نستنبطه لا يعدو كونه افتراضيا لا أقل ولا أكثر من ذلك، حتى لو شاهدنا الفيلم عشرات المرات. وقديما قالوا «المعنى في قلب الشاعر»؛ فظاهر الكلام للسامع، وظاهر الصورة للمشاهد، ومن حقهما أن يستشفا أو يستنبطا أو يؤولا أو يفسرا ما يريدان وما يشتهيان شرقاً أو غرباً؛ إلا أنهما أبداً لن يصلا إلى مغزى المتحدث أو عارض الصورة، ويبقى المغزى والمراد حبيس الصدر ومن بواطن الأمور، وبواطن الأمور هي: سرائر، والسرائر موكولة لله عز وجل فهو «يعلم السر وأخفى» طه:7.
على أن هناك قاعدة أدبية ثابتة تفيد أنه «إذا خرج النص من حفيظة الكاتب فلم يعد ملكا له؛ إنما أصبح ملكا للعام والخاص من الناس؛ يتناولونه كيفما شاءوا كل من زاويته. ينقل لنا الدكتور رشيد بن مالك، مقولة للدكتور سعيد بنكراد، قائلاً: إن القول بإمكانية الإحاطة الكلية بالدلالة النهائية للنص ضمن قراءة واحدة شاملة أمر في غاية الغرابة. فأبسط نص سردي لا يمكن أن يكون حاملاً لدلالة واحدة ولا يمكن أن يكون تحققاً كلياً وشاملاً لأي نموذج. إن قناعة من هذا القبيل تعني إلغاء دور السياقات الداخلية، التي تخلقها الوحدات في غفلة من المؤلف نفسه»أ.هـ.
أما في ما يتعلق بالعنصر الآخر (التحليل النصي للفيلم)، فهو في صميم الرمز والرمزية، فإذا كانت شرعة الرمز والرمزية قد أخذت النصيب الأصغر في الأساس الأول «اللغة السينمائية والكتابة الفيلمية»؛ فإنها تأخذ النصيب الأكبر على اعتبار أن صناعة الفيلم تمر بمراحل عدة، وهي عبارة عن خلق مجموعات متجانسة من الصور، ثم تركب منسجمة مع بعضها البعض لتناسب المواقف والأحداث، مع حسن اختيار العناصر، وكل ذلك في الغالب يعتمد على رمز أو مجموعة رموز ليحقق لنا الشرعة الرمزية، وفي هذا يقول السينمائي الجزائري جمال الدين حازورلي: «الرمز من الأشكال التعبيرية؛ فكل مخرج يعتمد على رمزية خاصة، والإيحاء والتبليغ غير المباشر مطلوب في السينما إلى حد كبير وهو يقول الكثير ويحاكي الجمهور بالأشياء لا بالأشخاص، وفي نظري أن السينما التي لا تعتمد على الرمز والرمزية ليست سينما» أ.هـ.

* المصدر: كتابنا (الرمز والرمزية في السينما الجزائرية - قراءة في لغة المشهد) طبع تحت إشراف: المعهد العالي العربي للترجمة، الجزائر، جامعة الدول العربية 2010. الكتاب للإهداء وليس للبيع.
[email protected]