شخصيات من الذاكرة

الجوهرة جاسم يعقوب (1)

1 يناير 1970 01:27 م

لا شك أن كل شخص يعشق كرة القدم ويحبها، يعرف الجوهرة جاسم يعقوب، صاحب ضربة الرأس الذهبية التي سجلت العديد من الأهداف في بطولات الأندية الكويتية وكأس الخليج وكأس آسيا وغيرها من البطولات الدولية، التي خاضها هذا اللاعب الذي تربع على قلوب عشاق الكرة لما يقارب العقد من الزمان.
تسيّد هذا اللاعب الساحة الرياضية الكويتية في فترة سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يتقاعد بسبب مرضه في العام 1983، وعولج حينها في الولايات المتحدة الأميركية، وترك بعدها اللعب في الساحات الخضراء إلى الأبد. تركت إصابته صدمة كبيرة في الشارع الكويتي، وما من شخص لم يشعر بنوع من الأسى والحزن على ما أصابه. وأول ما تبادر إلى ذهني كيف سيكون حال منتخب الكويت من دون جاسم يعقوب؟ من سيكون رأس الحربة والهداف؟ كيف سنستمتع بالمباريات من دون بصمته الواضحة ولمساته الكروية العبقرية؟ إنه الإحباط بعينه والإحساس بالخسارة الجسيمة، التي ستُفقد الكرة الكويتية بريقها.
وحينها دارت بيينا - نحن الشباب - أحاديث كانت تتمحور حول موضوع واحد لا غير ألا وهو الحسد، فلا بد أن يكون أحد الحاقدين قد رماه بسهام الحسد والعين فأصابته في صحته وعافيته، وإلا لماذا هو دون غيره قد أصابه ما أصابه؟! ولماذا هو بالذات لو لم يكن لاعباً موهوباً أثار ضغينة الآخرين وأظهر حقدهم الدفين... ولكننا في نهاية الأمر سلّمنا بأنها إرادة الله ولا راد لقضائه أبداً، ودعَونا الله أن يعيده سالماً غانماً لأهله ووطنه وأن يعود جاسم يعقوب الذي عرفناه وافتقدناه.
عاد إلى الوطن بعد فترة غياب طويلة، وكان في استقباله جمع غفير من عشاقه ومحبيه، فقد كان رمز الكرة الكويتية وعنوانها، وكل الأعين كانت متجهة نحو عودته سالماً معافاً من سقمه وفي انتظاره المئات الذين توافدوا زرافات ووحدانا للقائه بعد سنتين من الغياب... يومها تم إنتاج أغنية جميلة بهذه المناسبة للفنان عبدالكريم عبد القادر ومجموعة من الفنانين وكانت بعنوان «متى تعود الجوهرة».
لقد شاهدت على الأغلب معظم مباريات جاسم يعقوب المحلية والإقليمية والدولية... شاهدتها وكان كل ما يشغل بالي كيف سيسجل جاسم يعقوب هدفه الأول على الفريق الخصم، لنبدأ - أنا ورفاقي - في تحليل المباراة كما المحللين الرياضيين، ونعدد جوانب الإبداع لديه ونسلط الضوء على لياقته البدنية، التي كم تمنينا أن نمتلك مثلها، ولكن إن لم يسجل هدفاً في هذه المباراة أو تلك سنبحث له عن عذر، فربما لم يكن محظوظاً ذلك اليوم أو أن الفريق الخصم فريق صعب وقوي... المهم أن جاسم يعقوب لاعب لا يشوبه شائبة لأبناء جيلنا ولم نكن نقبل أبداً أن يوجه له النقد أو أي تعليق سلبي.
ولكن لماذا كل هذا الحب؟ وكيف سيطر هذا اللاعب على مشاعرنا نحن مراهقو تلك المرحلة؟ وقد يكون برأيي الشخصي أن جاسم يعقوب كان صاحب شخصية فريدة في الملعب، حتى حين يسجل هدفا جميلا؛ تراه شامخ الرأس يجرى بهدوء دون رعونة المنتصر أو تهور الفائز، وهو صاحب ابتسامة فريدة تصطادها الكاميرات التلفزيونية. عُرف هذا اللاعب باللعب بكلتا قدميه بالكفاءة نفسها مما سبب الإرباك للخصم مرات عدة، في حين تأتي ضرباته الرأسية على قمة إبداعاته التي لازمته طوال مسيرته الكروية... كل هذا ترافق مع تعليق المعلق الرياضي الشهير- شيخ المعلقين خالد الحربان فأعطاه قدره ومنحه أوصافا تليق به ومنها «المرعب» وخاصة أن صوت الحربان، الجهوري، يلهب الحماس ويُشعل الملاعب ويشد الأسماع لكلماته ويجعل كل مشاهد يتمنى أن يكون... جاسم يعقوب.
سألني أولادي عن جاسم يعقوب عندما كنت أخط هذه الكلمات وحاولت أن أوجز لهم ما استطعت من مشاعري أولا، وثانيا قدراته الرياضية الفريدة والتي جعلته أشهر لاعب حينها. أخبرت أولادي أنه بيليه العرب ومارادونا الكويت وميسي اليوم ورونالدو الساعة فقالوا لا تبالغ يا أبانا كثيرا فهذا لاعب لم يولد بعد فقلت بكل ثقة: بلى كان موجودا وهو حي يرزق ويعيش بين ظهرانينا اليوم أطال الله في عمره وحفظه من كل مكروه.
لا ألوم أولادي فهم لم يعرفوه ولم يشاهدوا لمساته الساحرة فهم أبناء هذا الجيل الذي تعلق بلاعبي الغرب ولا يعرفون أن أمتنا العربية قد أنجبت وما زالت قادرة على إنجاب أولئك المبدعين الذين سطروا أفضل النجاحات الرياضية وأمتعونا أيما إمتاع طوال عقد من الزمان كانت فيه الكرة الكويتية مصب اهتمام الآخرين ومصدر إلهام للفرق الأخرى التي كانت تبحث عن الوسائل التي ترفعها إلى المستويات التي حققتها الكويت في هذا المجال.
لم أحب كرة القدم في حياتي إلا بسبب جاسم يعقوب ووصل الأمر إلى أني كنت أشجع نادي القادسية لأجله أيضا... فكرة القدم لم تكن ذات يوم مصدرا للمتعة وكنت أعتبر كل متابع لها أحمق أو فارغا ويعاني من الخواء، ولكن فور مشاهدتي ذات مرة لهذا اللاعب المحترف وهو يداعب الكرة بأقدامه جعلني أتعلق به وأتابع مبارياته الواحدة تلو الأخرى. كنت أحرص على مشاهدة المباراة بأي شكل ذلك أنه لا مجال مطلقا لمشاهدتها ثانية وخاصة مع وجود قناة واحدة للتلفزيون حينها ولم يكن هنالك ذلك الشيء الذي اسمه الإنترنت لمشاهدة المباراة التي فاتتني.

[email protected]