مثقفون بلا حدود

الرمز والرمزية... رؤية أدبية وفنية (2 من 3)

1 يناير 1970 08:44 ص

لعلي أرى بأن الكاتب حينما يلجأ إلى الرمز؛ فلأن الشروح الطويلة قد تؤثر على استيعاب القارئ أو السامع أو المشاهد ويصاب بشيء من الملل - ولا سيما - ونحن نعيش إيقاعاً يومياً سريعاً؛ فلم تعد الأغنية الطويلة متداولة وكذلك الأفلام والمسلسلات، ويلاحظ في الآونة الأخيرة بدأت الناس تتذمر من طول المسلسلات المكسيكية المدبلجة، والكاتب بذلك يختصر عليه الطريق، وقد تتفاوت رمزية الأشياء من شخص لآخر، وتظل الرمزية لدى الكاتب نفسه سواء توصل إليها القارئ أو السامع أو المشاهد، أو تباينت مفاهيمهم حول رمزيته، لذا أرى أن الرمزية أكثر وقعاً من الشرح على القارئ أو السامع أو المشاهد وهي تسهم في تفعيل إحساساته وتحريك وجدانياته ودغدغة مشاعره تجاه الحدث. وهي كما يقول الدكتور حامد كاظم: «غموض في التعبير والعناية بتصوير الجهات المبهمة من النفس، والغوص وراء الأحلام وعوالم ما خلف الوعي والعناية بالتحليل النفسي» أ.هـ.
ويرى الناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة أن: «الغموض ليس بالمعنى السلبي، بل بالمعنى القادر على إثارة المـُـشاهد ودفعه إلى المشاركة الذاتية بما يجري أمامه ومعه وفيه أيضا» أ.هـ.
وأرى أن هناك خطوطا متشابهة بين التحليل النصي والنفسي والاجتماعي وبين الرمز والرمزية ولا يفصل بينهما إلا إحساس المشاهد وفطنته. وقبل الخوض في هذا لنسمع ماذا يقول مؤلف كتاب (التحليل السيميولوجي للفيلم) للدكتور محمود إبرقن، ترجمة، الدكتور أحمد مرسلي حيث قال: «التنظير الفعلي للسينما لم يحدث إلا مع تطور السينماطوغرافيا، تحت التأثير الحاسم لـ: Chritian Metz - كريستيان. مارتز. حسب هذا الأخير، أصبحت سنة 1975(مسعى) مفتوحاً ومحدداً بجدارة، وحالة ذهنية أكثر منها مدرسة وعمقا إبستيمولوجيا وأدبيا أكثر منه أطروحة. مع اهتمامه المستمر بتأسيس الهياكل قبل تأكيد القيم، لفهم الفيلم كشبكة داخلية من الدلالات، في الوقت نفسه كإدماج اجتماعي، ولتمييز ما هو نوعي عن ما هو أقل ولـ(استبدال) المادة النصية، لعزل وإحصاء الشرعات Codes الأساسية (مكنات خاصة بالصيغ Formelles بقدر ما هي قطع إيديولوجيا) التي استقرت موقتا، ولتجد من جديد في النهاية وفي الآن نفسه هذا البعد سالما وغير مقدس. هذا البعد الذي جعل من السينما فنا وسمح لها بالتحليل من الآن فصاعدا كعملية، كنشاط (كتابة) كحقيقة دالة، عاملة وناقلة ذاك المتعلق بالأمس من أجل التنبؤ بذاك الخاص بالغد» أ.هـ.
يركـّز الباحث هنا على عنصرين يتبادلان المواقع بين الأمومة والأبوة من جهة وبين البنوة من جهة أخرى؛ فتارة تكون السينما هي الأم وابنها هو الفيلم، وتارة أخرى يكون الفيلم هو الأب والسينما هي البنت، فالفيلم في مفهوم الباحث التونسي لطفي النجار هو: «إطار تعبيري للصور ينظم سردا وينتج إيقاعاً ويخلق زمنية ويصوغ أشكالاً وينتج مدلولات تكتسب مبرراتها من ذلك الإطار نفسه» أ.هـ.
أما السينما فيقول عنها الباحث نفسه: «تقتلع السينما بوصفها» نتاج جدلي تتعارض فيه وتلتقي الحقيقة الموضوعية للصورة والمشاركة الذاتية للمشاهد المتفرج من الرتابة اليومية لتمنحه فرصة النفاذ إلى فضاءات واقع متخيل لتبقى من بين أكثر المجالات الإبداعية دعوة للحلم» أ.هـ.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]