كتب أبو حامد الغزالي - 450 هجرية 1058 ميلادية، وهو ممن بلغ ذروة علم الكلام - كلاماً إذا قرأه الإنسان تبيّن له ما عليه الفلاسفة من الخطأ والزلل والخطل، وأنهم ليسوا على بينة من أمرهم في صفات الله تعالى، ولكنه تراجع في آخر حياته عمّا كتب وعاش في كنف كتب الحديث وآثار السلف ومات على التوحيد.
وقال الرازي وهو من أساطين الفلاسفة ورؤسائهم - 544 هجرية - بعدما تبين له خطورة تقديم العقل على النقل ورد على الأشاعرة والمعتزلة وإبطل مذهبهم:
نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ثم قال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفى عليلاً، ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى»، «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ»، «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»، «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا» يعني: فأنفي المماثلة؟ وأنفي الإحاطة به علماً، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. انتهى كلامه.
فتجدهم حيارى مضطربين، ليسوا على يقين من أمرهم، وتجد من هداه الله الصراط المستقيم مطمئناً منشرح الصدر، هادئ البال، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، فيثبت؛ إذ لا أحد أعلم من الله بالله، ولا أصدق خبراً من خبر الله، ولا أصح بياناً من بيان الله؛ كما قال الله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ»، «يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا»، «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»، «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا»، «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا».
فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق التي توصلهم إليه، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى وبأسماء الله وصفاته حتى يعبدوا الله على بصيرة؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته أو من ليس له صفة أمر لا يتحقق أبداً؛ فلا بد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه وتعبده حقاً.
ولا يتجاوز الإنسان حده إلى تكييف صفات الله أو التمثيل كأن تقول يتكلم مثل ما انا اتكلم والانسان، إذا كان عاجزاً عن تصور نفسه التي جنبيه؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزاً عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه، ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ«لم» و«كيف» في ما يتعلق بأسماء الله وصفاته.
وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية.
ومن العجب اليوم هناك من السياسيين من يريد إحياء الفلسفات القديمة كالبوذية وابن الرومي والهنادك والصابئة والصوفية وغيرها، التي عفى عليها الزمان واندرست معالمها، كل ذلك تحت غطاء الحداثة والانفتاح والتجديد والتطوير!
ومن جانب آخر يرمون الإسلام بالتخلف والرجعية؟
الخلاصة:
السفسطة هذه طبيعة أهل الكلام في العقيدة، وأهل الكلام في السياسة اليوم.
وصدق الله: «تشابهت قلوبهم».