للفساد عنوانٌ وذيولٌ وملاحِقٌ، هذه طبيعة الفساد.
وعنوان الفساد هو الاستبداد - كما قال الكواكبي في كلمته المشهورة (الاستبداد أصلٌ لكل فساد) - إن هذا المقال ليس للحديث عن المستبدين، بل عن ذيول الفساد وملاحِقَه، أما المستبدون فقد أصبحوا ظاهرةً عامةً تجدُها في كل مكان وفي أي موقع.
وكمقدمة لا بد أن ندرك أن الفساد يُحِّبُ المستبد ولكنه أيضاً يستطيع الحياة من دونه، أما المستبد فهو لا يستطيع الحياة من دون الفساد، والسبب هو حاجة المستبد لذيول الفساد وملاحِقَه.
وأهم ذيول الفساد هم بعض الأغنياء الذي يستخدم المستبد كغطاء لفساده، وفي المقابل يستخدمه المستبد لتثبيت موقِعِهِ أيّاً كان، يقول عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله: (ومن طبائع الاستبداد أن الأغنياء أعداؤه فكراً وأوتادهُ عملاً، فهم ربائط المستبد، يُذِلّهم فيئنُّون، ويستدِرّهم فيحِنُّون، ولهذا يرسخ الذل في الأمم التي يكثر أغنياؤها). أما ملاحِقُ الفساد فأهمها الظلم وعدم تساوي الفرص، لهذا يشتكي الناس من تدخلات الواسطة والتعيينات الجائرة في الوظائف، فالفسادُ يَضْعُفُ حين تتساوى فُرص الاختيار ويتم وضع الإنسان المناسب في مكانه المناسب، والعكس صحيح فالفساد ينتعش ويُسيطِرُ حين يَختلُ ميزانُ العدل، فيُعطى الجاهل مكان العالم، ويُرفع التافه ويُبعد الحكماء عن مجالس أصحاب القرار.
والآن ألا تروْنَ معي أننا في الكويت ما زلنا نعاني من ذيول الفساد وملاحِقَه، وأن ذيول الفساد كَثُرَ عددها وقَويت شوكتها، حتى باتت تهدد المُصلحين ممن يرغبون في الاصلاح، كما أن ملاحِقَ الفساد لدينا يمثله الآن للأسف بعض أعضاء مجلس الأمة ممن شرّعوا الواسطة وعدم تساوي الفرص، هؤلاء تعَوّدَ المواطنون على رؤيتهم وهم يسيرون بين ردهات الوزارات، يتبعهم تشكيل بشري يحمل كل واحد منهم طلباً مخالفاً للقانون، إنها نوع من الكوميديا الساخرة التي تعوّد عليها المواطنون، تلك الكوميديا السوداء التي اعتاد عليها الشعب، وأصبحت عُرفاً لا يدعو إلى الاحتجاج.
إن ذيول الفساد وملاحِقَهُ توشك أن تعصف بأمن الوطن، وهي في الوقت نفسه أدواتٌ لإلهاء الشعب عن مركز الفساد، الفساد الحقيقي الذي سيترك الكويت بلداً من دون إنتاج ومن دون عنصرٍ للبقاء سوى بترول قد يجف يوماً ما.
kalsalehdr@hotmail.com