لا تملك وزارة التربية مصباحاً سحرياً يخرجها من دوامة النقد ويصد عنها سهام الاضطرابات، التي تتلاطم أمواجها على ضفاف مسيرتها، ولكنها تملك القرار الأول والأخير في ترتيب أوراق بيتها، وحفظ إرث التعليم المؤتمنة عليه، وتحويل الألم إلى عقار يسري في جسدها المتعب سياسيا، كي يتخذ القرار فيها بشكل شفاف ترصد فيه آراء كل الأطراف من دون مفاضلة أو تمييز، ومهما سعى الضارب على وتر «الاستبداد» إلى الانفراد وتقزيم الأمة التربوية التي ألقتها القرارات الأحادية أخيراً في غياهب البئر.
ومهما تباينت الآراء أو اختلفت وجهات النظر، فإن الإخفاق في الاستعداد للعام الدراسي وأزمة التكييف كانت الشرارة الأولى، التي أضرمت النار بتلك المؤسسة، أعقبتها أزمة الأمطار التي عطلت المدارس لأيام خلت، ثم موجة الشهادات المضروبة التي كانت بداية الطريق إلى هجوم كبير، لم يقتصر على فئة من الطلبة أو السياسيين، وإنما هي هتافات مجتمع بأكمله كان فيها الحق ساطعا كالشمس، وقد سار فيها الصغير والكبير والبسيط والمثقف، ومشت في ركابها بعد ذلك كل الأوساط التربوية والأكاديمية والسياسية.
وإذ حمل السواد الأعظم من الناس المؤسسات التربوية المسؤولية الكاملة عن مجمل التغيرات التي برزت خلال الآونة الأخيرة بجلاء على السطح التربوي، وأهمها أزمة الشهادات المضروبة التي أصبحت سبة في جبين حاملها، أكد المراقبون للشأن التربوي في البلاد أن لـ«المستائين» في هذا الملف كامل الحق في الامتعاض والتذمر «ولكن لا بد من الاعتراف بأن هناك أطرافاً كامنة تنبش الأوراق القديمة، وجهات غير مسؤولة سخرت نفسها لاستعراض ملفات دفعتها المصلحة إلى استعراضها في هذه الظروف، فتساقطت الأزمات تباعاً في طريق هذه المؤسسات، وقد يقول قائل «ان سحابة الشهادات التي تظلل الأفق التربوي قد تنقشع ولو بعد حين، ولكنها لن تكون آخر السحب، وقد تدخل الأزمات إلى البيت التربوي من أبواب أخرى أهمها المناهج، التي عادة ما تعزف بنغمة طائفية نشاز تدور معها وزارة التربية مجدداً حول المحور، وتبقى أسيرة في دوامة النقد لا يخرجها من قمقمه ألف مصباح».
وبرغم ما جرى ويجري، يبقى وزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور حامد العازمي «نظيف اليد من ذلك الدم كله»، ولكن للسياسة ثمن يجب أداؤه في نهاية المطاف، وضريبة مستحقة الدفع لطالما أرهقت السابقين في هذا المضمار، وعلى رأسهم وزيرة التربية السابقة نورية الصبيح، التي دفعت ثمن حربها مع النواب باهظ التكاليف قبل الرحيل، فكان إذ تسلق مراهق معتوه جدار روضة صاح المجتمع عليها مندداً بـ«اغتصاب الروضة»، وإذ أسقط القدر طفلاً عليلاً شاءت إرادة الله أن ترفعه إلى منزل آخر، حمّلها البعض مسؤولية «القتل العمد» للطفل، وإذ سقط لخلل ما سقف مسرح، كتب المتحاملون بتحامل «انهارت المدينة»، وحين تأخر مشروع الكاميرات في «المناقصات» بسبب بعض الإجراءات هاج النواب صارخين: أين الكاميرات؟ حتى قررت «أم عادل» وكادت أن تطوف على الأسواق لشراء الكاميرات على نفقتها الخاصة سعياً إلى تلافي تلك المواجهات المسيّسة التي خرجت منها خالية الوفاض، مثخنة الجراح، طاوية صحائف العمل السياسي بمرارة وألم، الأمر الذي لن يجدي نفعاً مع الوزير القادم حتى وإن اشترى - مصابيح بابل - قاطبة!