أوبريت «بساط الفقر»... هذا العمل الفني المتكامل من جميع النواحي والذي لا ينقصه شيء، أبدع كل من شارك فيه من الفنانين مثل سعاد عبد الله وإبراهيم الصلال ومحمد جابر، وأستطيع أن أجزم بأني قد شاهدته ما يزيد على خمسين مرة ولم أشعر يوما بالملل أو الضجر.
من جوانب الإبداع في بساط الفقر؛ الأغاني التي جاءت في الأوبريت واللهجات التي أداها بو عدنان والتي كانت عملا احترافيا من الطراز الأول لا يتوفر إلا للقليل من الفنانين، وكنا نتلهف حينها على شراء شريط الفيديو من محلات بيعها والتي اندثرت تماما في أيامنا هذه وحلت مكانها محلات الهواتف الذكية وملحقاتها.
وبالصدفة فقط وأثناء بحثي في أحد صناديقي القديمة التي وضعتها في ركن قصي، اكتشفت أني ما زلت أحتفظ بنسخة شريط فيديو لأوبريت بساط الفقر وغيره من أعمال الفنان عبد الحسين عبد الرضا وبعض الأفلام الأميركية التي كانت شائعة تلك الأيام، مثل أفلام الكاوبوي لكلينت إيستوود وأفلام الكراتيه لبروس لي... حتى برنامج افتح يا سمسم كان له نصيب وافر أيضاً من تلك الذكريات.
على هامان يا فرعون، عزوبي السالمية، فرسان المناخ، سيف العرب وغيرها من أعماله، التي حاول الكثيرون تقليدها ففشلوا وحاول البعض أن يقلل من أثرها، فأصابهم الإحباط من شعبية هذا الفنان وأثرها الواضح في الشارع الكويتي والعربي.
ويا سبحان الله، فمن محاسن الصدف التي تأتي بتدبير إلهي وليس لي في ذلك ناقة ولا جمل، فلقد تم إنشاء وتأسيس مسرح يحمل اسم عبد الحسين عبد الرضا بالقرب من مكان عملي. فما أن أزيح ستارة النافذة حتى يطل عليّ اسم هذا الفنان صباح كل يوم على لوحة كبيرة تتصدر هذا البناء وكأنها رسالة يومية لي بأن أمضي في كتابي هذا إلى نهايته، رغم عدم تفرغي والجهود التي يتطلبها من أجل أعطي هذا الفنان وغيره من شخصيات الكويت اللامعة، كلمات تليق بما قدموه من خير عميم ونفع للجماهير.
ولطالما تردد في وسائل الإعلام العربية أن الفنان العربي مظلوم ونادراً ما يتم تكريمه وهو حي يرزق، إلا أن هذه القاعدة الشاذة لا تنطبق على بو عدنان، فلقد لقي التقدير والاحترام والتكريم طوال سني عمره التي قضاها في عالم الفن، وتم تكريمه من جهات عديدة لا حصر لها واستحق ذلك نظير أعماله المتتالية التي أبهرت الجمهور الخليجي.
وها هو عملاق المسرح الكويتي قد أسر الشارع الكويتي بعد مماته، وخرج في جنازته كبار القوم وصغارهم تعبيراً عن حزنهم لفقدان هذه الشخصية اللامعة التي رسمت البسمة على شفاه عدة أجيال.
أما مسلسل «درب الزلق» فهذا عمل يحتاج كتابا لوحده لأتحدث فيه عن أحداثه وشخصياته وأثره في الفن الخليجي عموما، لقد كان هذا المسلسل مثل الضربة القاضية للأعمال الهابطة ونموذجا فريدا للأعمال الفنية الراقية، التي استطاعت أن تسلط الضوء على الحياة البسيطة والمتواضعة لأبناء الكويت في أوائل العشرينات من القرن الماضي.
بساطة... تلقائية... حيوية... صدق... انسيابية... طبيعية... كلها صفات تميز فيها أداء أبطال هذا المسلسل... حسينوه، بو صالح، سعد، قحطة وغيرهم حتى بات أولئك الفنانون رموزا للحركة الفنية الكويتية على مدار عقود... وحتى الفنان الراحل صالح الحريبي صاحب الحنجرة الذهبية والصوت الشجي كان له دور لا ينسى من خلال أغنيته «دقوا المزاهر يلا».
والمدهش أن المسلسل يعتبر من الأعمال الفنية القليلة والتي يمكن مشاهدتها مرات عدة، من دون أن يصيبك الملل أو الشعور بالامتعاض، وهذا يؤكد أن «درب الزلق» استطاع أن يترك أثراً واضحاً في الذاكرة الفنية الكويتية وأن يعيش في أعماقها وأن يشكل أنموذجاً فريدا يُدرّس في المدارس والمعاهد الفنية.
حتى أن اسم المسلسل بحد ذاته يعتبر علامة فارقة، ولا أعلم كيف تم اختيار هذا الاسم، وهل للفنان عبد الحسين عبد الرضا دور في ذلك أم لا؟ أم أنه فقط من بنات أفكار المؤلف عبد الأمير التركي رحمه الله؟ ولكن وللتاريخ ينسب الفضل في هذا العمل للمرحوم الشيخ جابر العلي، الذي كان حينها وزيرا للإعلام والذي كلف فريق العمل بإنجاز مسلسل تراثي فريد من نوعه ليبقى خالدا في الذاكرة الفنية الكويتية وبميزانية مالية مفتوحة... وقد كان.