«صفقة القرن» لن تتم... الانقسام بين الفلسطينيين يدعم إسرائيل

1 يناير 1970 10:11 ص

منذ أكثر من عام تتردّد أصداء «صفقة القرن» الإسرائيلية والتي تتبناها أميركا في أركان العالم الأربعة. ويحاول غير المتمرَّسيْن في السياسة الخارجية، الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير، الترويج لهذه الصفقة وكأنهما صانعاها، وتسويق ما صنعتْه وابتكرت أفكارُه تل أبيب بين الدول الشرق أوسطية المعنية، وخصوصاً أن تلك الدول عليها الموافقة على تَبادُل الأراضي فيما بينها لتعزيز خطة إسرائيل تجاه ضم الجزء «سين» من الضفة الغربية. ومع أن احتمال طرح هذه الصفقة ما زال مستبعداً ولكن المحاولة في هذا الاتجاه لن تتوقف.
ورغم موافقة أميركا وإسرائيل وبعض دول المنطقة المبدئية على الخطة - الصفقة، فإن القرار الأول والأخير يعود إلى الشعب الفلسطيني. ورغم الانقسامات الخطيرة التي تعانيها التنظيمات والسلطة الفلسطينية أيضاً، فقد وافق الجميع - بمن فيهم الرئيس المنتهية ولايته محمود عباس - على رفض الصفقة. وتالياً من المتوقع ألا تمرّ «صفقة القرن» وأن تنهار لأن الفلسطينيين لن يقعوا في الخطأ الذي ارتكبوه العام 1948 وسيتمسّكون بأرضهم ولن يوافق أحد منهم على استبدال فلسطين - أو ما تبقى منها - بقطعة أرض أخرى في مصر أو الأردن كما هو مطروح في الصفقة التي عملت الإدارة الأميركية على تسريب بعض تفاصيلها.
ويؤكد مسؤولون فلسطينيون لـ«الراي» أن «إسرائيل حاولت تطبيق صفقة القرن العام 1956 عندما ارتكبت مجازر ومذابح جماعية استمرّت لتسعة أيام ضد مَن لجأ من الفلسطينيين إلى قطاع غزة، وخصوصاً في خان يونس ورفح. وكان الهدف حينها دفْعهم نحو الهجرة الجماعية خارج فلسطين حتى تتمكّن إسرائيل من ضمّ غزة من دون لاجئين، أولئك الذين كانوا وصلوا إلى القطاع ونجوا من القتل الجماعي عام 1948 وهم من عكا وحيفا ويافا وصفد والجليل واللد والرملة ونابلس والقدس وبئر السبع. واليوم يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحقيق ما فشل في تحقيقه ديفيد بن غوريون مؤسّس الدولة الصهيوينة وأول رئيس وزراء لها».
ويشعر نتنياهو بعد فوزه في الانتخابات ومعه الأحزاب اليمينية المتطرفة بنشوة النصر، فاليمين المتطرّف أصبح مهيمناً اليوم على الكنيست، أما اليمين الكلاسيكي فأخذ حصة صغيرة من السلطة، ما جعل الوسط، أي حزب العمل، يفقد بريقه كلياً إذ انخفض تمثيله من 42 مقعداً إلى 6 مقاعد في الانتخابات الأخيرة. وهكذا قرّر المجتمع التصويت لمصلحة التطرف الذي يطغى على الثقافة الإسرائيلية وكذلك على بيئة القوات المسلحة والأمنية.
وبإزاء ذلك يعتقد مَن هم على دراية بهذه التطورات أنه «حان الوقت لتدرك السلطة أن إسرائيل ليست مستعدة لإعطاء دولة للفلسطينيين وسترفض كلياً حق العودة، مما يجعل استمرار الرئيس عباس بتمسكه وحيداً باتفاق أوسلو (الموقّع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 في واشنطن) محط استغراب، وتالياً فقد حان الوقت لرفض المعاهدة بأكملها ورفض أي صفقة مع إسرائيل».
وتقوم دولٌ عدة بالترويج لـ«صفقة القرن» حيث تحاول إقناع الفلسطينيين والمصريين والأردنيين بتبادل الأراضي لإنجاح الصفقة خدمةً لإسرائيل.
وتقول مصادر مطلعة على بعض تفاصيل الصفقة، أنها «تقدّم لمصر ما بين 65 الى 100 مليار دولار مقابل التخلي عن جزء من سيناء (الشيخ زويد ورفح والعريش) للاجئين الفلسطينيين المقيمين في غزة. وفي المقابل يمنح الأردن الباقورة والغامر لفلسطينيي الضفة الغربية مقابل التخلي عن (القسم سين). وتقدم الصفقة للأردن نحو 50 الى 60 مليار دولار. وتقدم المملكة العربية السعودية قطعة من حقل والوصل مقابل الحصول على جزيرتيْ تيران وصنافير التي دفعت ثمنها سابقاً إلا أن محكمة مصرية ألغت صفقة البيع. ويحصل الفلسطينيون على عشرات المليارات لمساعدتهم في بناء ما تبقى لهم من فلسطين التي تستطيع إسرائيل تدميرها لاحقاً عندما تشاء. ومن المفروض أن تتلقى دول مثل لبنان وسورية والأردن مبالغ كبيرة من المال مقابل إستيطان وتجنيس الفلسطينيين في بلادهم شرط ألا يعودوا إلى فلسطين أبداً».
وتؤكد المصادر ان «هذه الصفقة لن تمر لأسباب عدة، فلن يوافق لبنان عليها ولا سورية لتمسكهما بحق العودة».
ومن المؤكد أن أحداً من الزعماء العرب لن يجرؤ على تبادل الأراضي لدرايتهم بردة الفعل الشعبية التي تُسْقِط الأنظمة. ولهذه الأسباب وغيرها فإن النتيجة الحتمية هي واحدة لا خلاف عليها... «صفقة القرن» ماتت قبل ولادتها.
ولفرض هذه الصفقة تَستخدم أميركا سياسة الخنق الاقتصادي لبعض دول الشرق الأوسط مثل سورية ولبنان ومصر وغزة، والتي تمرّ جميعها بأزمة اقتصادية حادة. وتحافظ أميركا على وجودها شمال شرق سورية وهي منطقة غنية بالنفط والغاز والزراعة، وعلى وجودها أيضاً في معبر التنف بين العراق وسورية لمنع التجارة بين البلدين بهدف كسْر ظهر الحكومة السورية. وقد مارست ضغوطاً على دول المنطقة لمنْع عودة الدفء للعلاقات مع سورية وعدم السماح للدول العربية بالمشاركة في إعادة إعمارها.
أما لبنان فهو يمرّ بأزمة اقتصادية حادة ولكنه لن يقبل التوطين لأسباب عدة. وستبقى فلسطين القضية - الأم ما دامت إسرائيل ترفض إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه. وكذلك داخلياً فإن التوطين يخلّ بالتوازن الديموغرافي على حساب المسيحيين.
ولن يقبل الأردن بتبادُل الأرض. وحتى لو دُفعت له المليارات التي تحتاجها البلاد في هذه الأوقات الصعبة فلن يأخذ المال ويخسر استقراره.
ورفضتْ مصر محاولة ترامب لفرض «صفقة القرن» عليها عبر إثارة قضية اتفاقها العسكري مع روسيا، وهو الأسلوب الذي هدف إلى الضغط على الرئيس عبدالفتاح السيسي.
كل دول المنطقة تدرك أن الجغرافيا تحرّك التاريخ وتغيّر الأنظمة. فهذه «الصفقة» ليست جديدة على فلسطين. فمنذ 1956 تسعى إسرائيل لتهيئة الظروف لتحقيقها. لقد احتلت أميركا العراق العام 2003 لدعْم خطة «الشرق الأوسط الجديد». وأعلنت إسرائيل الحرب على لبنان في 2006 لهذا الهدف، كما قالت كوندوليزا رايس. وحاول نصف العالم تغيير النظام في سورية لتغيير خريطة الشرق الأوسط.